الجمعة، 31 أكتوبر 2014


القدس تثأر لنفسها


p12_20141031_pic1

 علي حيدر

حوَّلت العملية البطولية التي نفذها أحد مقاومي حركة «الجهاد الإسلامي» في القدس المحتلة، واستهدفت أبرز الناشطين اليمينيين المتطرفين، يهودا غليك، إلى محطة أساسية في نشاط المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، ولا سيما أنها تأتي بعد سلسلة عمليات في المدينة بين كل أسبوع أو اثنين.
هذا «الإنجاز الفلسطيني» في التصدي للاستفراد بالقدس حفر في وعي قادة العدووجمهوره مجموعة من الحقائق، أبرزها أنه مهما اشتدت الظروف على المقاومة وكثفت الإجراءات الأمنية وجرى تصعيد الاستيطان، فإن كل ذلك لن يحول دون مواصلة النضال ضد الاحتلال والإبداع في التكتيكات. وأكثر ما يفاجئ العدو استهداف شخصيات في توقيت ومكان لا يخطران على بال المسؤولين عن الأمن.
بالطبع، لم يكن اختيار المقاوم حجازي هدفه عبثياً، بل إن تاريخ غليك وحاضره كافيان لتبيان كم أن استهدافه كان ملحّاً بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني والقضية، والأمر نفسه ينسحب على ظروف العملية. انطلاقاً من ذلك، خطط الشهيد لعمليته وعرَّض نفسه للمخاطر من أجل الوصول إلى ذلك المتطرف، رغم أنه كان قادراً على استهداف كثيرين غيره في المدينة.

واللافت أنه قبل لحظات من استهداف غليك كان واقفاً على المنصة في مركز «تراث بيغن» في القدس وهو يلقي محاضرة تحمل عنوان «إسرائيل تعود إلى جبل الهيكل» (مادة مفصلة على الموقع)، وليس خفياً أنه صاحب أكبر الدعوات إلى اقتحام الأقصى. أما كيف نجح المقاوم في الاقتراب من غليك واستهدافه، فقد روت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حجازي الذي كان يعمل في المركز نفسه، قاد دراجة نارية وهو مقنّع، وعندما اقترب من الحاخام سأله: «هل أنت غليك؟»، فأجابه الأخير بالإيجاب، ثم أطلق المقاوم النار عليه.
ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، خرج حجازي في ساعات الظهيرة من منزله، وتوجه إلى العمل حتى ساعات المساء في المطبخ، وقدّرت أن هناك احتمالاً بأن يكون المسدس الذي استخدمه قد كان بحوزته خلال تلك الساعات. وبعد انتهاء ساعات العمل (21:40) خرج حجازي من المطعم. وبدلاً من العودة إلى منزله، «يبدو أنه بقي في الخارج ينتظر خروج غليك من المبنى»، ثم في تمام الـ22:10 جرت العملية، وتفيد شاهدة عيان بأن حجازي قال لغليك: «أنا متأسف، أنت أغضبتني»، ثم أطلق عليه أربع رصاصات وأصابه بجراح خطيرة.
وتابع تقرير «يديعوت» أنه «في ساعات الصباح، قادت الدلائل التي جمعت من المكان والمعلومات الاستخبارية إلى حجازي بسرعة، فوصلت الوحدات الخاصة (يمام) إلى بيته في القدس الشرقية وعثرت في الموقف على الدراجة النارية، وخلال التفتيش عثرت أيضاً على المسدس». لكن الرواية الرسمية أكدت أن حجازي بدأ إطلاق النار على أفراد «يمام» مستخدماً المسدس نفسه، مضيفة أنه قتل أثناء محاولة الوحدة اعتقاله في حي الطور.
مع ذلك، يبقى السؤال: كيف عثرت قوات الاحتلال على المسدس خلال التفتيش؟ فيما الرواية الرسمية تؤكد أن قوات الاحتلال قتلته بعدما أطلق النار عليها بالمسدس نفسه!
يعزز هذا التعارض رواية عائلة الشهيد التي قالت إن قوات الاحتلال دهمت الحي وحاصرت المنزل، ثم أطلقت النار بكثافة إلى أن حوصر الشهيد وجرت تصفيته على سطح المنزل حيث ظل ينزف أكثر من ساعتين.
ولفتت وسائل الإعلام، استناداً إلى تقديرات أجهزة الاستخبارات، إلى أن حجازي أتمّ ثلاث مراحل ناجحة حتى وصل إلى الهدف وأطلق النار عليه؛ الأولى جمع المعلومات عن تحركات الحاخام، واختيار الزمان والمكان المناسبين، ثم تنفيذ العملية، وفي الخطوة الثالثة الانسحاب السريع من المكان.
أمام هذا النجاح الذي حققه المقاوم، لم تستبعد الأجهزة الإسرائيلية أن «يكون حجازي، أو الخلية التي هو جزء منها، تتبعت تحركات الحاخام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه (غليك) يعلن نشاطه اليومي، وهو سبق أن أعلن صباح ذلك اليوم أنه سيشارك إلى جانب وزراء ونواب كنيست في مؤتمر «إحياء تراث الهيكل» في قاعة «تراث بيغين»».
في ما يتعلق بوضع «غليك»، أوضحت مصادر طبية عبرية أن الأطباء اضطروا إلى قطع جزء من رئته خلال العملية الجراحية، ولا تزال حالته بالغة الخطورة.
أما عن المفاعيل السياسية، فحمَّل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مسؤولية التحريض الذي أدى إلى محاولة قتل غليك. ووفق بيان مكتب نتنياهو، فإن «أبو مازن قال إنه يجب منع صعود اليهود إلى الحرم القدسي بكل الوسائل».
كذلك عقد نتنياهو اجتماعاً رفيعاً مع وزير الجيش موشيه يعلون، ووزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرونوفيتش، ورئيس الشاباك والمفتش العام للشرطة وقائد شرطة القدس، كما لم يفته استغلال الحادثة في مواجهة الضغط الدولي، فقال «لم أسمع بعد أي كلمة إدانة من المجتمع الدولي». وأيضاً، استغل الموقف معسكر اليمين المتطرف، الذي ينتمي «غليك» إليه، بالدعوة إلى «استعادة السيادة الإسرائيلية على القدس».

الاخبار


الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

زياد من صيدا لغزة : ولادن ماتوا حتى يبقى عنا ولاد


unnamed (1)

نجوى ضاهر

قال يوما الشاعر : غادرت وطنا لأكسب قبرا في المنفى ، ألف سلامة على قلبك وعقلك الزينة رغم كل الأقاويل والتأويلات وإتهامات الفرز التافهة يا زيادنا ، نعم في روح كل مواطن زياد رفضنا أم وافقنا لا يهم فزياد سموه ما شئتم هو من ينحت يوميا بأسلوبه المتفرد من قهره اليومي ودموعه المختبئة في المحاجر لحنا عبقريا يقول جهرا سرا لا يهم ، نعم أنا لم أهاجر حتى لو قررت السفر ..
زياد الرحباني إسم مشاكس ربما، فنان لا يهدأ ربما ، لا يخاف في الحق لومة لئيم ربما ، لا يفكر قبل أن يقول ربما ، لكنه أبدا لن يكون يوما نكتة ساخرة ولن يحمل صفة المهضوم فقط لأنو العيشة بدها هيك ، زياد أمس واليوم وغدا هو هو لم يغير جلده بل إختار دربه الحقيقي ، حيث عبقريته الأولى في كلماته وموسيقاه .. وقبل كل ذلك إنسانيته ، سأل البعض أمس شو با زياد ليش هيك لابس ليه مبهدل حالو وين طلتو ، وين بدلتو الرسمية ، وين البرستيج ؟
يا عمي فهموا زياد قرفان عم يتوجع باليوم مليون مرة بس مهارتو أنو عم يطوي وجعو ، إقتربنا منه نحن الفلسطينيات وكلنا لهفة لا ننافق فيها لنحظى بصورة (أوف مع زياد والله منا قليلة ، ذكرى وذاكرة ووينتا وهو مسافر آخر الشهر يعني هادا معقول آخر ملتقى لنا معه نحن الممنوعون من السفر حتى لو تركنا المكان ، إيه زياد بنحكيها باللبناني بالفلسطيني لا يهم ، أمامك أنت الفلسطيني الذي لا تراقب لهجتنا ولا تحجر عليها ، إحنا يا زياد اللي كرهنا التصوير طول عمرنا من كتر ما العالم تسلى بصورنا ، وخلاها معرض لسائح يعشق جمع الصور يا درويش شو كنت عميق بكلمتك وصادق ..يمكن هون بتتلاقى مع درويش ، بس زياد خط ثاني ، مبارح كتب زياد وأبدع في لحن أغنية اللقاء لغزة لا الوداع التي غنتها منال سرحان فتاة حمص الأبية في مفاجاة لا تتكرر هي كل الموقف من قرار الهج على روسيا ، زياد فكر كتير بتفاصيل إختيار المكان للوداع المؤقت متل ما قال لما سألتو وين رايح ولمين تاركينا مش قلت إيه في أمل .. متل ما قال قبلك درويش لنربي الأمل فشو كان جواب زياد .. لا أنا راجع ما تقلقوا وضحك على أنحس بإذن الله ورجع عدلها وقال راجع بلا ولا شي .
كيف يا زياد بلا ولا شي شو عن كل هالناس اللي بيحبوك وإجوا من بيروت والشمال والجبل والجنوب وإقليم الخروب والعرقوب، على صيدا اللي قلت عنها مبارح صيدا المدينة اللي رايح التاريخ يذكرا بعد ما ينضف بدو كام سنة وبينضف المي بتنضف حالا .. زياد ما راح نألهك أنت مش خرج هالقصة ولا تركيبتك هيك . بس كلمة حق بدنا نقولا كفلسطينية قبل كل شي ، أنك بأغنيتك لغزة اللي بكت كل العيون بكلماتها الجرح تجار المال هربوا ، وحرس السلطان إنسحبوا وتعبوا جماعة بسطا وطيبين على نياتهم صمدوا وغلبوا ، أصلا ما عاد في شي يخسروه ، جنى عمرهم كل طيارتهم دمروه ، لو ما هالناس ما كان في وطن ولا بلاد، ولادن ماتو حتى يبقى عنا ولاد…». ويا ريت يا زياد وقفت عند هالغنية قبل ما تودعنا أصريت على نشيد يا شعبي نبشتو من الذاكرة بعد 36 سنة كلها وجع, حروب , إنتصارات, إنكسارات ومطالب ضرورية ملحة «شو بعدك ناطر يا شعبي تتوحد شعبك، شو ناطر تتسمع تترجع تاريخك، تاريخك ما بيرجع…
كلنا كنا مع كل كلمة على السمع والحلم وإجت كلمة الزميل إبراهيم الأمين في إفتتاح اللقاء لتقول الكتير وتحط الإيد على الوجع ، عن صيدا وعن غزة وعنك يا زياد ، عن صيدا قال الأمين الحر .. مرات كتيرة بيلتقو صبايا مع بعضن ، أو شباب مع بعضن ، بيصيروا يتخيلوا الشب أو الصبية المثالية ، الشباب بيفكو بشي 50 صبية من العالم وبيجمعوا منن مرا وحدة ، والصبايا نفس الشي ، بس يمكن يفكو شي 300 زلمة حتى يطلع اللي عبالن ، بس بكل الحالات ، لا الشباب ولا الصبايا بيقدروا ينفخوا روح حقيقية بالشخص اللي ركبوه .. ويمكن لهيك ، كل شي ، حجر أو بشر ، إذا ما كانت روحه الحقيقية بقلبو ما ممكن يكون الو معنى ، إجو كتار على صيدا ، من أهلها ، ومن جيرانها ، ومن زوارها ، ومن أمكنة بعيدة كمان ، جربوا يلعبوا فيها ، يفكو ويركبو ويقلبوها طالع نازل ، صاروا يوسعو شارع ، ويعمروا بنايات ، ويرفعوا يافطات وأعلام ، بس بقي كلو بلا معنى .
صيدا معناها بروحها الحقيقية اللي فيها ، هي روح حملها معروف بقلبو وحماها مصطفى بدمو وإن شاء الله بتبقى مع أسامة والشباب ، أما عن غزة فلم يفترق جوهر الحكي عند الأمين ، بعدو البحر هوي الشي الوحيد المشترك الطبيعي بين أهل الأرض ، البحر أكبر من الهوا قريب من الناس ، البحر هوي اللي بيحكي كل اللغات وبيسمع لكل الناس وما بيرد حدا زعلان ، والبحر هو الشي الوحيد اللي ما بيقدر حدا يصادروا ، أو يسرقوا ، يمكن في حدا بيقدر يمنع بعض الناس من أنو يوصلوا على البحر ، بس العمر بيقول ، إنو ما حدا قدر يمنع حدا ، من إنو يوصل على البحر وقت اللي بدو ، وكل الحيطان العالية وكل العواصف ، وكل البشر الواقفين على الحدود ومسكرين الطرقات ، ما رح يقدروا ولو للحظة ، يمنعوا بحر صيدا يكزدر ، وقت اللي بدو ، يروح يطل على غزة ويرجع حامل سلاماتها ، ولما بيصرخ بحر غزة ، من الوجع أو من الفرح ، يمكن هون ، أكتر من أي مطرح تاني بنشوف موج البحر عم يكبر ويصرخ ، ونحنا واجبنا ، لما نسمع صوت غزة العالي أنو على القليلة نرد التحية . وزياد رد التحية .. مش عن واجب عن إيمان بالفكر والمقاومة والقضية .. زياد اللي ختم الأمين وقال عنو ، زياد ما إلو رب أو يمكن هوي اللي الرب متابعو لحالو ، عندو برنامج خاص إلو .
إسمعوني وصدقوني ، إنو زياد رح يضلو هيك . ما في حدا على وج الأرض بيقدر يكمشوا ، أو يحصروا ، أو يحاصروا ، ومسكين اللي بيعتقد إنو ماسكو لزياد … لا بي ولا أم ، ولا خي ولا أخت ، لا مرا ، ولا رفيقة ، ولا حزب ، ولا مؤسسة ، ولا فرقة ، ولا حدا ، هي بس الموسيقى بتعرف تتعامل معو ، بتعرف تمسكو وتثبتو بالأرض ، لأنه متل حدا عندو أجنحة ، بيضلو طاير ، ما عندو حدود ولا عندو سقف .. زياد لازم يلحق الموسيقى ، ونصيحتي ، إتركوه يفل ، الله معو ، اللي بدو يزعل يزعل ، ويدق راسو بالحيط كمان ، من جهتي ، بتمنى كل الخير لزياد بس عندي تناقض بداخلي ، لأني عن جد ما بتمنى أنو يرتاح برا بس لأنو هاي الطريقة الوحيدة ليرجع عنا …
وهون سكتت كلمة الأمين وبقيت الغصة ورجعنا على الحسرة والحب البلا ولا شي مع منطقة زياد الأجمل ( الموسيقى ) ووعي الحضور وغنى بعد الكلمة المؤثرة ( من شو هالأيام الي وصلنالا إنو غني عم يعطي فقير كأنو المصاري قشطت لحالا … عا هيدا نتفة وهيدا كتير ..إلى أغنيات الخلود مع رفيق الدرب جوزيف صقر وحاجز الدركي التي تفاعل معها الحضور كما أغنيات فيروزتنا التي لا تكبر والتي لا نشيد ولا علم ولا حرية للبنان بدون صوتها اللي جاي من عيون المظلومين ،وإيدين الفقرا ، وشباك الصيادين ، وشهدا الأرض محل ما جاي النصر والحرية ..ومحل ما راح نبقى سوا يا زياد متل ما قال الحاضر جوزيف حرب اللي ما نسيت تهديه “حبيتك تنسيت النوم” تحية إلى ابن المعمرية الجنوبية ووفاء ربما لوصيته خليك بالبيت حماية لك من أنو البكي راح يطلعلك بصقيع روسيا ويوعيك على قرار قلت عنو لما سألناك وين رايح وتاركنا إنك راجع حتى لو على أنحس ويكفينا ثقة أنك لست ممن يذهبون وإن ضبوا الشناتي لأنو كلمات نهاية اللقى مع وفد شباب غزة ومنهم الرفيقان أحمد الطناني ومحمد الغول من غزة اللذين بصرخة هواهما الجنوبي من صيدا إلى غزة أشعلا القاعة تصفيقا وحماسا خاصة بعد تحية زياد إلى البطل الصامد خلف القضبان عمر بأكمله أحمد سعدات الذي قال عنه زياد بوشاحه الجبهاوي الشعبي أنه وحده من يستحق الآن المطالبة بحريته فعلا هامسا في حديث خاص إنو شو يعني معقولة أمين عام ومناضل يضل بالسجن كل هالسنين تحت حكم الظلم وما في حدن يحرروا إلا بالشعارات .. يا ناس سعدات بطل متل ما جورج بطل وكل أسير بطل فهموها بقى .. وهيدول الأولى القضية مش حماس ولا فتح ولا زيارات وفود القضية هيدول اللي عم يتعذبوا المقهورين وما حدن حاسس لا بالمخيمات ولا بالسجون .. أف هلقد المشكلة عويصة ما عم نفهما ؟ فكان الرد من أبطال غزة بأجمل التحيات ومن ينسى مساء الخير للبنان مساء الخير لبيروت ، مساء الخير لزياد ، مساء الخير لصيدا ، مساء الخير للعيون التي لا تخون ، مساء الخير للمقاومة مساء الخير لغزة مساء الخير للقدس ، جينا من غزة لصيدا المقاومة ، الإنتصار ، الحب ، شايفين النصر بعيونكم ، شايفينو بالفن الملتزم ، شايفينو بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية فالنصر آت هذه هي المعادلة وغزة رغم كل ما يحدث لن تنكسر ما دام فيها أحرارا يدافعون عنها بالدم وحبر الكلمة جئنا لنقول لا تنكسروا يوما ، فكل أم في فلسطين تعلمنا والعالم كله المتخاذل معنى أن تحيا كإنسان لا أن تعيش ذليلا فنحن كما بيروت وصيدا وغزة وكل المدن العصية سنبقى معا وجه البحار القديم المعتق الذي ولد من رحم ثورة الشعب عرقه خبز وياسمين ولن يصير يوما طعم البلاد من نار ودخان.
unnamed (5)
unnamed (7)
unnamed (6)
unnamed (2)
unnamed (4)
unnamed (3)
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية



المزيد .. 

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

البرغوثي: العنصرية الاسرائيلية وصلت ذروتها والمقاطعة تتصاعد

البرغوثي: العنصرية الاسرائيلية وصلت ذروتها والمقاطعة تتصاعد
تاريخ النشر : 2014-10-28
 
رام الله - دنيا الوطن
قال الدكتور مصطفى البرغوثي، الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية ، أن قرار وزير الجيش الاسرائيلي
بمنع العمال الفلسطينين من ركوب الحافلات العمومية أثناء عودتهم من مكان عملهم في اسرائيل الى الضفة الغربية يعبر عن مدى العنصرية التي وصلت اليها اسرائيل.

واعتبر الدكتور مصطفى البرغوثي، أن هذا القرار الذي أصدره وزير الجيش الاسرائيلي بحجة أنهم يشكلون خطرا امنيا على
المستوطنين ما هو الا محاولة لتبرير العنصرية الاسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني.

وأضاف الدكتور مصطفى البرغوثي، أن اسرائيل تكرس
نظام فصل وتمييز عنصري أسوء مما كان في جنوب افريقيا ، معتبرا ان عنصرية اسرائيل وصلت ذروتها.

وطالب الدكتور مصطفى البرغوثي، الشعوب الحرة
في هذا العالم للوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني ، ورفض الممارسات العنصرية الاسرائيلية ، مشيرا الى أنه في الوقت الذي تسعى شعوب العالم والمنطقة الى ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان تتجه اسرائيل الى فرض نظام تمييز
عنصري هو الاسوء عبر التاريخ وتحاول اعادة احياء قيم ومفاهيم تجاوزها العالم منذ قرون.

وأكد الدكتور مصطفى البرغوثي، على ضرورة الوقوف في وجه الممارسات الاسرائيلية بفرض مقاطعة وعقوبات على اسرائيل كما جرى مع نظام الفصل النعصري في جنوب افريقيا.

وأشار الدكتور مصطفى البرغوثي، الى تصاعد حركة المقاطعة وفرض العقوبات على اسرائيل بما فيها القرار الايطالي برفض
مشاركة الجيش الاسرائيلي في المناورات العسكرية ، وقرار الكويت مقاطعة الشركات المتعاونة مع اسرائيل، ونجاح أنصار المقاطعة الولايات المتحدة من منع سفن اسرائيلية من تفريغ بضائعها في ميناء اوكلاند بعد ان فعلوا ذلك في فلوريدا.
 
 



الاثنين، 27 أكتوبر 2014

الحكم على رشيد أبو شباك بالحبس 15عاماً وغرامة 930 ألف دولار بتهمة الاختلاس

الحكم على رشيد أبو شباك بالحبس 15عاماً وغرامة 930 ألف دولار بتهمة الاختلاس
تاريخ النشر : 2013-12-29
 
رام الله - دنيا الوطن
حكمت محكمة جرائم الفساد في رام الله، اليوم الأحد، على المتهم رشيد علي رشيد أبو شباك، مدير عام الأمن الداخلي الفلسطيني سابقاً في غزة، ورئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة سابقا أيضاً، بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة 15 عاما.

وحكم على أبو شباك بغرامة مالية قدرها 930496 دولارا أميركيا وهي قيمة المبالغ المختلسة، وذلك بعد إدانته بجرم الفساد المتمثل بالاختلاس الجنائي، والكسب غير المشروع.

وقال المركز الإعلامي القضائي، إن حكم المحكمة صدر غيابيا بحق المتهم أبو شباك المقيم حاليا في جمهورية مصر العربية، والذي كان يعمل مديرا عاما للأمن الداخلي في غزة حتى تاريخ إقالته في حزيران عام 2007، ورئيسا لجهاز الأمن الوقائي في غزة من العام 2002 وحتى العام 2006.

وحكمت المحكمة على المتهم أبو شباك بوضعه بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة 15 عاما، عملا بأحكام المادة 174/ 2، من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، وتغريمه مبلغ 930496 دولارا أميركيا وهي قيمة المبالغ المختلسة، خلافا لأحكام المادة 25/1 من قانون مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة 2005.

ووجهت النيابة العامة إلى أبو شباك التهم المتمثلة بجرم الفساد خلافا للمادتين (1، 25) من قانون مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة 2005، المتمثل بالاختلاس الجنائي خلافا للمادة 174/2 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، والكسب غير المشروع خلافا للمادة (1) بدلالة المادة 25 من قانون مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة 2005.

يذكر أن الحكم صدر غيابيا وقابلا للاستئناف، من قبل هيئة محكمة جرائم الفساد برئاسة القاضي إياد تيم، وعضوية القاضيين محمود الجبشة، وبلال أبو هنطش، ومثل النيابة العامة علاء عواد.



الاحتلال يعتقل 14 فلسطينياً من الضفة والقدس

الاحتلال يعتقل 14 فلسطينياً من الضفة والقدس
تاريخ النشر : 2014-10-27
رام الله - دنيا الوطن
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين، أربعة شبان من مخيم عايدة وبلدة الدوحة في محافظة بيت لحم بالضفة المحتلة.

وقال مصدر أمني: إن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم عايدة شمال بيت لحم وداهمت عدة منازل وفتشتها واعتقلت كلا من احمد عادل حجاجره (٢٣ عاما)، وصلاح محمد درويش (٢٣ عاما)، وابراهيم جوده المساعيد (٣٧ عاما).

وفي بلدة الدوحة غرب بيت لحم، اعتقلت قوات الاحتلال المواطن نبيل طالب مسالمه (٤٢عاما) بعد دهم منزله وتفتيشه.

فيما ذكرت مصادر "إسرائيلية"، أن قوات الاحتلال اعتقلت الليلة الماضية 6 شبان فلسطينيين في الضفة المحتلة من بينهم أربعة في بيت لحم، فيما جرى اعتقال 8 آخرين من مدينة القدس، من بينهم أربعة صبية بتهمة إلقاء الحجارة نحو قوات الاحتلال بعد انتهاء جنازة الشهيد الشلودي.



الأحد، 26 أكتوبر 2014

أحمد صدقي الدجاني

أحمد صدقي الدجاني


كثيرون يعرفون الدكتور أحمد صدقي الدجاني المفكر الإسلامي والقومي اللامع، ونهلوا من عطائه الفكري الغزير عبر أكثر من أربعين كتاباً من مؤلفاته التي أثرت المكتبة العربية، والأكثر يعرفونه مناضلاً سياسياً شغل عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتلى كل منابر السياسة والفكر مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته، ومواجهاً لعنصرية إسرائيل وجرائمها. وأكثر من هؤلاء وهؤلاء عرفوه علماً من أعلام الحركة العربية لحقوق الإنسان، انشغل بمعضلاتها الفكرية وسجالاتها، وعزف عن مسئولياتها التنظيمية حتى دفعه زملاؤه دفعاً لتولي مسئولية نائب رئيس مجلس أمناء المنظمة.
          لكن قليلين الذين كانوا يعرفون أحمد صدقي الدجاني الإنسان، فخلف بريقه الذي كان يدفع به دائماً إلى مقدمة الصفوف، كان يكمن إنسان مرهف الحس، شديد التواضع يتمثل كل ما يؤمن به. فطالما كان “مجمعياً” كان يتحدث الفصحى في حياته اليومية، وطالما عروبياً كان يتمثل تاريخ أمته، وفى جولاته المكوكية بين منابرها الفكرية من الخليج إلى المحيط كان يختلط على سامعيه أنه عاش كل عصور أمته بانكساراتها وانتصاراتها.
          وكان يؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولم يصرفه انشغاله بكفاح شعبه الفلسطيني من أجل نيل حقوقه عن مناصرة قضايا حقوق الإنسان على مختلف الساحات العربية، وكثيراً ما كان يوظف علاقاته الواسعة على امتداد الوطن العربي في مساع للإفراج عن سجناء الضمير، أو السجناء السياسيين، أو توجيه الانتباه لما ينبغي أن يتم تصويبه من إجراءات. ولم يكن يتردد في أن ينفق أمسيات بكاملها للرد على الاستفسارات والمظالم التي تصله على بريده الشخصي.
          وكان فوق ذلك ذا بصيرة ثاقبة، يؤمن أن النصر ابن التصميم والإرادة، وأنه آت. وكان من ذلك الطراز من الرجال القادرين على نقل هذا الشعور إلى سامعيهم، ورغم تلك السنوات التي طالت منذ رحيله، لا زلت أشعر كلما مررت بسكنه بصوت جبران خليل جبران “ما هي إلا برهة… لحظة أخلد فيها إلى السكينة… ثم تحمل بي امرأة أخرى”.
*  *   *

مصر … ثالث هحوم إرهابي في سيناء والخامس في مصر خلال أسبوع واحد …. المنظمة تدين الهجمات الإرهابية في مصر .. وتطالب السلطات بملاحقة الجناة وضمان محاسبتهم .. الأمين العام: التعاون الدولي ضرورة لاجتثاث الإرهاب

لوجة-المنظمة-النهائي4تعرب المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن بالغ إدانتها للهجمات الإرهابية التي تتواصل في مصر للشهر الخامس عشر على التوالي منذ انطلاق ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، والتي بلغت ذروتها هذا الأسبوع بخمس جرائم كبرى، كان آخرها اليوم في شمال سيناء، حيث استشهد 26 وجرح 28 آخرين، غالبيتهم من الجنود عند إحدى تقاط التفتيش الأمنية القريبة من مدينة العريش.
وكانت شبه جزيرة سشيناء قد شهدت تفجيرين سابقين في غضون الأيام الستة الماضية، استهدف فيها عربات مصفحة تقل جنوداً نظاميين خلال تحركاتهم الميدانية، واستشهد خلالها سبعة من الجنود، كما أصيب حوالي عشرة آخرين.
كما شهدت الأيام الثمانية الماضية تفحيرين إرهابيين وسط حشود من المدنيين والمارة في وسط القاهرة بمنطقة الإسعاف وفي مدينة طنطا خلال احتشاد المتصوفين لاحتفالات دينية بمحيط مقام الشيخ السيد البدوي، وبما أوقع 25 مصاباً في التفجيرين.
وتتراف قمع هذه الجرائم سلسلة من عمليات التحريض المتزايد التي تقوم على تكفير الدولة والمجتمع معاً من النواحي العقائدية، وتحض على الكراهية والتعصب، وتقنن العنف وتضعه في إطار من المشروعية الدينية وفق تفسيرات مشوهة للعقائد الروحية.
وتجدد المنظمة التأكيد على أن الإرهاب يشكل أحد أشد الانتهاكات جسامة لحقوق الإنسان، حيث لا ينال فقط من الحق في الحياة، وبصورة تغلب عليها العشوائية في الاستهداف، وكلن أيضاً لما يمثله بنتائج واقعية في المنطقة العربية من خطر داهم على بنية الدولة والاستقرار والسلم الاجتماعي، وبالتالي خطر محدق على الأوطان والأمم من ناحية، ويؤدي بالتبعية إلى تقويض فرص نمو وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وتطالب المنظمة السلطات لتكثيف جهودها لمكافحة الجرائم الإرهابية وضبط مرتكبيها وضمان محاسبتهم ومنع إفلاتهم من العقاب، وتدعو كذلك مختلف الأطراف الدولية والإقليمية لتقديم العون والمساعدة لمصر والدول العربية للتغلب على الإرهابيين.
وفي تصريحات صحفية مساء اليوم، قال الأستاذ “علاء شلبي” الأمين العام للمنظمة أن مكافحة الإرهاب تشكل أولوية رئيسية في عمل السلطات في كل دولة تتعرض لأخطار الإرهاب، منوهاً إلى أن اجتثاث الإرهاب لا يتأتى دون تضافر الجهود العالمية لمكافحته عبر صوره العابرة للحدود، وداعياً إلى نبذ الخلافات السياسية بين القوى الدولية والإقليمية والتي تُوفر حاضنة رئيسية لنمو الجرائم الإرهابية، لا سيما وأن الإرهاب لطالما ارتد على من دعموه وفق تجارب السنوات الــ16 الماضية.
وأضاف “شلبي” إلى أن أولوية مكافحة الجرائم الإرهابية التي باتت تشكل أبرز المخاطر في المنطقة العربية لا تعني الإسراف في التدابير على نحو ينال من ضمانات حقوق الإنسان ذاتها، ذلك أن الإمعان في انتهاك حقوق الإنسان قد وفر بذاته بيئة صديقة للإرهاب والإرهابيين وفق تجارب الــ30 عاماً الماضية في العالم والمنطقة العربية.

 معضلة العالم العربي 
قال ابن المقفع في كتابه "الأدب الكبير"، في فصل عن الدين والرأي: "إن الدين يسلم بالإيمان، وإن الرأي يثبت بالخصومة، فمن جعل الدين خصومة، فقد جعل الدين رأيًا، ومن جعل الرأي دينًا، فقد صار شارعًا، ومن كان يشرع الدين لنفسه، فلا دين له".
كنا عقلانيين نحكم عقولنا، مبدعين ننظر نحو التمدن والرقي، فأين نحن اليوم؟!

يشتد الانتقاد في المجتمعات العربية - الإسلامية، لما يعرف بـ "الحداثة الإمبريالية الصليبية"، حسب تعبير منظري الفكر السلفي .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل كون الحداثة (أو رديفها: التنوير) جاءت ضمن انجازات ما يعرف بالمجتمعات الإمبريالية الرأسمالية المتطورة، هو تبرير كاف لرفضها والتخلي عنها؟.
لا نبرر الإمبريالية كسياسة ونهج حمل معه العنف الدموي والقهر للشعوب، إنما نطرح سؤالاً من زاوية أخرى ترتبط بواقع المجتمعات التي عانت من سياسات الاستعمار وعنفه وقهره ودمويته، هل كون الحداثة، والتنوير والعقل العلمي والرقي التكنولوجي، نتاجَ المجتمعات الغربية المتطورة اقتصاديًا وعلميًا، كافٍ لتبرير رفضنا للحداثة مثلاً، أو لما أنجزته من تنوير وعلوم وتكنولوجيا، والتمسك بواقع اجتماعي مغرق بالماضوية والفقر في كل مرافقه بل والتغزل به؟! الم تشكل الحضارة العربية الإسلامية في وقته منارة للتنوير لم يرفضها احد تحت صيغ دينية او غيرها؟!

المستهجن انه بدل مواجهة السياسات والدول الاستعمارية المعادية والتي تقف في الصراع العربي الإسرائيلي خاصة بوقاحة نادرة ضد العالم العربي وكل دوله، الصديقة للإمبريالية منها أو المعادية، وتوفر التفوق العسكري، العلمي ، التكنولوجي والاقتصادي للمعتدي واحتلاله للأرض العربية، نجد ان الغضب والرفض يتجه ضد ما يسميه الأصوليين ب "الحداثة الصليبية" متغابين عن حقيقة ان الحداثة هي في جذور كل التطور الحضاري الذي تجاوزنا وبتنا نستجدي علومه وتقنياته من الغرب في واقع لم يعد بالإمكان ادراة دولة ومجتمع بدون منتجات الحداثة وحضارتها. من هنا يمكن وصف حالتنا ب "القصور والاستجداء" و "النقل بدل العقل" و "الإتباع بدل الإبداع"، حالة لا مخرج منها بل الاستمرار في البقاء على هامش الحضارة العالمية، عالم بلا آفاق تبشر بالتغيير، بلا رؤية مستقبلية، يخضع لأنظمة لا يقلقها إلا استمرار مصالح القوى القابضة على السلطة.العالم العربي يملك الطاقات والقدرات لتغيير واقعه وتغيير تعامل الدول المختلفة معه حسب معايير تخدم مصالحة ومكانته. .. وانا أدعي انه يملك ما يجعل دول العلم برمتها تعيد حساباتها وأساليب تعاملها. إن تجربة جمال عبد الناصر القصيرة والتي قطعت بوقت حرج من التاريخ العربي أكبر برهان على ذلك!!

متى نشهد تحولا في الاتجاه الصحيح...الم يقتنع أصحاب الفخامة والجلالة والسمو ان التاريخ لا ينتظر القاصرين؟!

أفهم أننا ننتقد العصر الإمبريالي، أفهم أننا ندين أساليب الاستبداد ألاحتلالي الإمبريالي، ولكن كيف نقدر أن نلائم بين احتياجاتنا الضرورية لمنجزات عصر التنوير والعلوم والتكنولوجيا، التي نستخدمها ولم نعد نتخيل حياتنا بدونها، ونقدنا لثوبها الإمبريالي؟! مجتمعنا يحتاج للعلوم والتكنولوجيا، يحتاج لإحداث نهضة اجتماعية واقتصادية وفكرية واسعة، والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد المتطور لا قومية أو دين لها. لا مبرر لما نشهده من رفض التنوير والتحديث وظاهرة الاغتراب الحادة لمجتمعاتنا عن منجزات عصرها بما في ذلك موجة الاستلاب للهوية القومية... بل والتخلي الإرادي عنها حتى لهوية داعشية بدون أي خلفية ثقافية أو تنويرية إلا إذا اعتبرنا الذبح بالتسجيل المصور هو التنوير الذي تبشرنا به الدواعش!!

دول مختلفة اندمجت في عصر الحداثة والعلوم، دون أن تفقد قيمها التقليدية وفسيفساءها الاجتماعية مثل الصين واليابان والهند والعديد من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
أحد رموز الإصلاح الفكري في التاريخ العربي الحديث، عبد الرحمن الكواكبي يقول في كتابه "طبائع الاستبداد": "الحركة سنة عاملة في الخليقة دائبة بين شخوص (بروز) وهبوط، فالترقي هو الحركة الحيوية، أي حركة الشخوص، ويقابله الهبوط وهو الحركة إلى الموت".
لم أجد أفضل من هذا التعبير لوصف ما يجري في مجتمعاتنا من حركة إلى الموت... وإذا لم نفهم ان التنوير والعلوم، والتحديث والتكنولوجيا هي حركة نحو الحياة، وإن وصف الحداثة والتنوير بالإمبريالية والصليبية هو نوع من سقوط العقلانية، وهذا الأمر يشكل جريمة بحق تجديد انطلاقة المجتمعات العربية نحو آفاق حضارية وثقافية، وكل محاولات أسلمة الحداثة، تفرغها من مضمونها.

إن طرح شعار "الإسلام هو الحل" في المجتمعات العربية والإسلامية، يعطي بلا شك هويةً وقيماً في دول لم تقدم للمواطن أياً من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي تتلاءم مع عصرنا. كل ما قدمته تلك الدول، أنظمة استبدادية بلا مؤسساتِ دولةٍ قادرة على العمل والرقابة، لذا لا استهجن ان ليقودنا "التطور" إلى الداعشية في ظل فشل كل البدائل الوطنية واليسارية.
قد يكون "الإسلام هو الحل" جاء ليعطي البديل لسقوط التيارات القومية واليسارية التي وعدت بالحرية وسلبتها، وبالديمقراطية وقمعت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وعاقبت المفكرين، وبالرفاه الاجتماعي ولم تقدم إلا الفقر والإملاق، وبالاشتراكية وخدمت القطط السمان... بالمقابل نجد أن ما قامت به مؤسسات اجتماعية وصحية وتعليمية إسلامية، حلت مكان مؤسسات الدولة في رعاية الاحتياجات الأساسية للمواطنين... 

في واقع تدفق ملايين سكان الأرياف للعمل في المدن، لم يجدوا غير المؤسسات الإسلامية للتوجه إليها ومدَّهم بالرعاية وبهويةٍ هامة افتقدوها في إطار أنظمتهم (القومية) الفاسدة والغائبة عن القضايا الملحة لملايين المواطنين...

السؤال الكبير، طرحه أيضًا العديد من الباحثين العرب والغربيين، هو سؤال هام للغاية، هل شعار "الإسلام هو الحل" قادر على حل مشكلات الظلم الاجتماعي والقمع السياسي والتخلف الاقتصادي، وتطوير العلوم والتعليم والتقنيات الحديثة، وحل مشكلة الضعف العسكري في مواجهة إسرائيل مثلاً.... وربما إيران مستقبلاً؟ الأجوبة هنا تكاد تكون واضحة.
لا توجد حلول دينية (إسلامية، مسيحية أو يهودية أو بوذية أو كونفوشية، لا فرق) لمشاكل التطوير والبناء والتقدم.

توجد حلول علمية، خطط مبنية على معطيات العلوم والتكنولوجيا بدون شعارات، مهما صيغت بديباجة لغوية... لن تكون قادرة على حل معضلات المجتمعات فقط باستبدال الهوية الوطنية مثلاً بهوية دينية، ومشاكل ذلك في مجتمعات متعددة الانتماءات، لا ننكر أهمية الهوية الأساسية للإنسان، وهنا سقطت الأنظمة القومية نتيجة ممارستها القمعية وفسادها.

للأسف هذا الواقع بات واضحًا أنه يتجه نحو المزيد من التأزم في المجتمعات العربية والإسلامية.
إلى جانب التضخم السكاني الكبير، هناك عجز كبير في إيجاد عمل للشباب الذين هم في أوائل العشرينات من عمرهم.

بالمقارنة مع التسعينات من القرن الماضي سيزداد في الدول العربية عدد الباحثين عن العمل بنسب كبيرة جدًا، أبرزها سوريا (الإحصائيات قبل الحرب الأهلية المدمرة في سوريا وقبل الربيع العربي الذي سقط ضحية لقوى سلفية) حيث ستكون الزيادة في السنوات القريبة بمعدل 100%، في الجزائر ومصر والمغرب الزيادة المتوقعة هي 50%، في تونس 30%. هذه أرقام رهيبة إذا فهمنا أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. تكفي الإشارة أن اقتصاديات هذه الدول تتطور ببطء شديد لا يتلاءم مع الزيادة في عدد طالبي العمل. معنى ذلك في سوريا مثلاً إضافة نسبة 50% على نسبة البطالة القائمة والتي نقدرها بـ 25% على أقل تقدير... أي دولة يمكن أن تكون مستقرة، ببطالة تشمل 50% - 75% من الأيدي العاملة؟!
اليوم بعد الربيع العربي تبدو الصورة أكثر بشاعة!!

إن قوى التنوير وانطلاق فكر الحداثة في أوروبا، شكلت انتصارًا للعقلانية. ومن الخطأ الظن أن المثقفين الأوروبيين، من رجال العلم والأبحاث والاقتصاد والإبداع الأدبي والفني يحملون وزر إمبريالية دولهم.

إن استعراض أسماء فلاسفة عصر التنوير والنهضة الأوروبية، وعلى رأسهم جان جاك روسو وفولتير وجون لوك وسبينوزا وكانط، تثبت أنهم كانوا ألدَّ أعداء استبداد الدولة واستبداد الدين في نفس الوقت، وهي المعادلة التي انطلقت منها دول أوروبا الإمبريالية إلى استبداد الشعوب.
إن رفضنا للحداثة، هو رفض للعقل العلمي والعقل التكنولوجي، ومبادئ التعليم وحقوق المرأة ومساواتها، ومبادئ الديمقراطية، ولكننا نستهلك بدون وعي مستحضرات هذه الحضارة، مثل الإنترنت والتلفزيون ووسائل الاتصالات والنقل الحديثة والتجهيزات المنزلية وغيرها من المواد الاستهلاكية، دون أن نعي حقيقة تحولنا إلى مجتمع استهلاكي ينفي العقل ويحلّ محلّه النقل، يرفض الإبداع ويستبدله بالإتباع، يرفض الديمقراطية ليحل مكانها استبداد سياسي وديني والكواكبي يقول: "الاستبداد السياسي ناتج عن الاستبداد الديني". للأسف، هذا هو واقع المجتمعات العربية.
في مواجهة هذا الواقع نجد مثقفين تبريريين، جبناء يبررون تخلف مجتمعاتهم بخزعبلات علمية وإيمان عجائز وتأويلات تفتقد للمنطق العقلي. المثقفون المتنورون يهجرون على الأغلب أوطانهم، أو يُضمن صمتُهم في السجون والقبور!!

هذا الواقع يولد الاغتراب، والمغترب في مجتمعه يفتقد لدوافع التقدم وإحداث التغيير في واقعه وحياته فهل نشهد انتفاضةً للعقل العربي ونحن نحثّ الخطى في القرن الواحد والعشرين؟!

مفهوم التنوير


تعددت الآراء حول أصل التنوير ، فمثلاً نجد بتر جراى Peter gray يرجع التنوير إلى اليونانيين ، ويدلل على ذلك بقول ديدرو أن طاليس أول من أدخل المنـــهج العلـــمى فى دراسة الطبيعة ، وأول من أستحق لقب " فيلسوف" ( ) . ويكمننا أن نضيف هنا قول جثرى : " إن طاليس هو الذى قال بأن المــــــاء هو المادة التى يتكون منها العالم ، وهو العنصر الباقى والدائم فى كل الأشياء ( ) . 
ويقدم جراى " التنوير " كوحده ويربطه بحياة مجموعة من المفكرين البارزين ؛ ويعرضه من خلال ثلاث مراحل أو أجيال كما يلى :

الجيل الأول للتنوير: يضم فولتير(1694– 1778) ومونتسكيو(1689-1755). الجيل الثانى للتنوير: يضم دنيس ديدرو ( 1713- 84 ) ، ودالبمير (1714-80) وروسو (1712 – 78 ) . 
الجيل الثالث للتنوير : يرتبط بالفترة ا لحديثة ويضم لسنج وكانط . ( )
وكريستوفر هل فى كتابه" الأصول الثقافية للثورة الإنجليزية " يرى أن أفكار التنوير فى إنجلترا كانت ذائعة الصيت فى القرن السادس عشر، وبول هزار فى كتابة " أزمة الضمير الأوروبى" يرد التنوير إلى النصف الثانى من القرن السابع عشر . ( ) 
و برنتن ، مــع تأكــــيده أن رجال القرن السابــــع عشر هم الذيــن مهــــدوا لعصـــــــــــر التنوير، يرد حركة التنوير إلى الـــــقرن الثامن عشر، الذى وصل فيه المفكرون من الرجال والنساء إلى معتقدات معينة عن أنفســـــــهم وعــــــن العالم ، وعما يستحق العمل فى هذه الدنيا ، وما يمكن أداؤه فيها .. وهى معتقدات لم يتمسك بها أسلافهم فى العصـــــور الوسطــى . كانوا يعيشــون فى عالم بدا لهم جديداً ، مادامت أفكارهم عنه جديدة ... وكثير مما كان يعتقد فيه الرجال والنساء فى القرن الثامن عشر كان لا يــــــــتفق وبعــــــــض النواحـــى المهمة فى العقيدة المسيحية التقليدية .. فالتنوير قد " حور العقيدة المسيحية تحويراً أساسياً " ( ) .
وآرسنت كاسيرر فى دراسته عن " فلســفة التنوير " يرجــع التنــوير إلى القرن الثامن عشر ، حيث يربطه بحياة أثنين من الفلاسفة البارزين هما : ليبنتز ( 1646 – 1716 ) وكانط ( 1724-1804 ). ومن كلماته : " التنوير نسق قيمى متأصل فى العقلانية " ( ) . 
و روبرت و كلر يرى أن مصطلح " التنوير " ظهر لأول مرة فى اللغة الإنجليزية فى نهاية القرن التاسع عشر فى الشروح الإنجليزية لفلسفة هيجل ، وذلك قبل ابتكار تعبير " التنوير الاسكتلندى " وقبل مائة عام تمــــامــــــاً لسمـــــاع أى فرد عن " مشروع التنوير " الذى تصورة ألاسداير ماكنتاير فى كتابه " بعد الفضيلة " وذلك بعد بداية مشروع مانهتن بأكثر من ثلاثة عقود ( ) .
كمــــا أن أولريك أم هوف يرجع التنوير إلى نهاية القرن الثامن عشر مطلع القــــــرن التاسع عشر ، عندمـــــا كان فى منافسة مع تعبير " عصر العقل " فخلال القرن الثامن عشر تحدث الفيلسوف باركلى ، على سبيل المثال ، عن ذلك عندمـــــــــــا قال : إن محيط النور إخترق وواصل سيره على الرغــــــــم من العبوديــــــة والخرافــــــــة " ، بينمــــــــا لاحظ إنجليـــــــزى أخـــــــــــر أن القـــرن قد استنار بعيـداً عن آمــال و تخيــلات ( أوهــام ) العصــور السابقة ( ) . 
ومهما يكن من أمر التباين فى أصل التنوير ، فالـــرأى الشائع و المألــــوف هو أن القرن الثامن عشر هو عصر التنوير، و هو عصر من صنع " الفلاسفة " وإن كان " الفلاسفة " قد مجدوا العقل ، مثل ، اليونانيين ، إلا أنهم تميزوا بفصل الفلسفة عن الميتافيزيقاً التقليدية . فالعقلانية القديمة لم توفق فى الربط بين العقل والحياة اليومية ومن ثم انفصلت عن الوقائع العينية للحياة الحقيقية . وإذا كان التنوير معتزاً بأن يكون هو " عصر الفلسفة " فالفلسفة هنا ليست هى الفلسفة بالمفهوم التقليدى وإنما هى رؤيه وضعية لنسق العالم ، ولأنحــاء الوجود الإنســــــانى فتؤســـــــس العلوم والفنون على مبدأ العلية دون مجاوزة هذا العـــــــالم ، ومن ثم يهتم الفيلسوف بالحياة فى هذه الدنيا ، وليس بالبحث عن الحقائق الأزلية فيربط بين العقل والوقائع العينية . ( ) 
وهذا ما أكد " برلين " فى كتابه " عصر التنوير : فلاسفة القرن الثامن عشر" فقد رأى أن القرن الثامن عشر هو الفترة الأخيرة فى تــــاريخ أوروبــــا الغربية حيث تم فيه اعتبار المعرفة البشرية اللامحدودة هدفاً يمكن تحقيقه .( ) وقال : " إن القوة الفكرية ، والإخلاص والوضوح ، والشجاعة ، ومحبة الحقيقة لدى معظم المفكرين الموهوبين فى القرن الثامن عشر ما تزال حتى الأن من دون نظير . فهذا القرن يعد واحداً من أفضل وأكثر الأحداث المبشرة " الواعدة " فى حياة الجنس البشرى ( )ولــــذلك لا يمكن الشك أبداً فى أن برلين قد أيد تنوير القرن الثامن عشر وإرثه ووقف بجواره . 
وبصورة عامة، فالجدل حول معنى " التنوير " بدأ فى القرن الثـــــــــــامن عشـــــر ذاتــــــه واستمـــــر فى كامل قوته حتى عصــرنا . بل إن المفكرين فى القرن الثامن عشر كانوا على وعى كبير بأن انتشار الكلمات المستخدمة فى المجالات اللغوية المختلفة للإشارة إلى " التنوير " _ Aufklarung فى الألمانية ، Lumieres فى الفرنسية ، Illuminismo فى الإيطالية – قد كشفت عن تنويع رئيسى فى أصل التنوير . لهذا لم يكن من المدهش أن تهتم مجلة شهرية ظهرت فى برلين عام 1783 بعنوانBerlinische Monatsschrift بالإجابة عن سؤال بسيط، ولكنه مهم ، هو " ما التنوير؟". ونشرت المجلة عدة مقالات للإجابة عن هذا السؤال ، لعدد كبير من المفكرين ينتمون إلى مجالات فكرية مختلفة مثل الكاتب المســــرحى جوتهولد ايفرايم لسنج ( 1729 – 81 ) 
والفيلسوف اليهودى موسى مندلزون ( 1729 – 86 ) والفيلسوف الروسى ايمانويل كانط (1724 – 1804 ) وغيرهم . ويمكن قراءة هذه المقالات على أنها تقدم ملخصاً مهماً للمعانى المختلفة التى أصبحت بنهاية هذا القرن مرتبطة بمصطلـــح " التنوير " . ( ) 
وقبل ذلك بأعوام قليلة ، وبالتحديد فى عام 1780 ، وجه الحاكم الشهير فردريك من بروسيا ( 1712 – 86 ) أكاديمية برلين للعلوم لتقديم جائزة لأفضل مقال يقدم إجابة عن السؤال:" هل التنوير وسيلة لخداع الناس؟". وكان هذا السؤال يشكل المسابقة الأكثر شهرة فى تاريخ الأكاديمية وقد لاقى اهتماماً واسعاً فى أوروبا مما يدل على أهمية التنوير . وفى نهاية القرن الثامن عشر كانت كلمة " التنوير " مهمة بشكل كاف حيث طرحت مشاكل كبرى فى مجال السياسة والمعرفة عبر المجتمع . كما كان هناك أيضاً وعى بصعوبة وتعقيد أى إجابة عن هذا السؤال . ( ) 
وقد ارتبطت فكرة النور Idea of light بتحرير العقل وتمجيده : Aufklarung und licht , freiheit und licht " التنوير والنور ، الحرية والنور" فالتنوير يعنى التخلص من تلك الأحجبة والستائر التى تعوق رؤيتنا ، وإعطاء طريق للنور ليدخل قلوبنا وعقولنا لإلقاء الضوء على السابق وتحفيز التالى وبهذا يشق طريقه داخل مجالات الحقيقة و النظام حيث التحكم فى مصير الإنسان وسعادته " فقد تحدث ويلاند عن حرية الفكر وحرية النشر ، وقال أنهما بالنسبة للعقل كالنور للعيون . وحينما سعى هيردر الشاب لوصف العصر الذى عاش فيه ، فإنه سماه " عصرنـــــا المستنير ، أكثر القرون إشراقاً ( ) .
وبيترجراى يعرف برنامج التنوير بأنه أحد الأعمال العدائية للدين والبحث عن "الحرية " و" التقدم" اللذين يمكن تحقيقهما بالاستخدام الجدلى للعقل من أجل تغيير علاقات الفرد مع نفسه ومع مجتمعه . ويؤكد أهمية رؤية التنوير كبرنامج إصلاحى تحررى ... وهذا التفسير مكنه من توسيع قائمة المفكرين لتشمل الأمريكيين توماس جفرسون ( 1743 – 1826 ) وبنيامين فرانكلين ( 1706– 90 ) ومن رؤية الثورة الأمريكية فى السبعينات فى ضوء التزامها " بالحياة والحرية والسعى لتحقيق السعادة " على أنها تطبيق لبرنامج التنوير . ( ) 
فالفكرة الأساسية التى يقوم عليها التنوير– أى الفكرة التى تجعله نظرية كونيه – إنما هى " الاعتقاد بأن كل الكائنات البشرية يمكن أن تبلغ هنا فى هذه الدنيا حالة من حالات الكمال كان يظن حتى الآن فى الغرب أنها لا تتيسر إلا للمسيحين فى حالة النعمة ، ولهم وحدهم بعد الموت " . وقد عبر عن ذلك سنت جست ، الثائر الفرنسى الشاب فى بساطة خادعة أمـــــام المجمع الدينى ، حين قال : " إن السعادة فكـرة جديدة فى أوروبـــا ليست جديدة فى السماء بطبيعة الحال ، وإنما هى جديدة فى أوروبــا ، جديدة جداً فى أمريكا . وهذا الإمكان فى تحقيق الكمال للجنس البشرى لم يكن نتيجة لما يقرب من ألفى عام من المسيحية ، ولا للوثنية السابقة التى ارتأت صوراً أخرى للسعادة تتحقق بعد آلاف السنين . وإذا كان لابد لهذا الكمال من أن يستحدث فى القرن الثامن عشر فإن شيئاً جديداً – اختراعا جديداً ، أو اكتشافاً جديداً – لابد أن يحدث . وهذا الشىء الجديد يمكن تلخيصه أحسن تلخيص فيما ألف أثنان من الإنجليز عاشا فى أواخر القرن السابع عشر ، وهما اللذان جمعا فى بؤرة واحدة العمل التمهيدى الذى تم فى أوائل القرون الحديثة ، ذلكما الرجلان هما نيوتن و لوك ( ) .
فالعمل الذى انفق نيوتن فيه حياته – وخاصة إتمام لحساب التكامل وصياغته الرياضية العظمى للعلاقة بين الكواكب وقوانين الجاذبية – بدا لمعاصريه كأنه يفسر كل الظواهر الطبيعية ، أو يبين على الأقل كيف أن كل ما يماثل هذه الظواهر بما فيها سلوك الكائنات البشرية يمكن أن يخضع للتفسير . أما لوك فقد استخلص طرائق التفكير الواضحة البسيطة من متاهة الميتافيزيقا حيث أرساها ديكارت ، فجعلها فيما يبدو امتداداً طيباً للحس السليم. والظاهر أنه بين للناس الطريقة التى يمكن أن تطبق بها النواحى التى نجح فيها نيوتن نجاحاً عظيماً على دراسة شئون البشر وقد وضع نيوتن و لوك معاً تلك المجموعات العظيمة من الأفكار ، فى " الطبيعة " وفى " التفكير " ، التى كانت بالنسبة إلى التنوير ما كانت عليه أمثال هذه المجموعات فى مجالات النعمة والخلاص والقدرية بالنسبة إلى المسيحية التقليدية ( ) . 
ولقد طبق الفلاسفة البريطانيون التجريبيون تصورات نيوتن على العقل؛ فتعاملوا مع العقل على أنه صندوق يحتوى على أفكار عقلية مكافئة لذرات نيوتن .. ولهذا يؤكد برلين أن تأثير نيوتن فى القرن الثامن عشر كان هو العامل الوحيد الأكثر قوة . فقد قام بمهمة جبارة غير مسبوقة بتفسيره للعالم المادى فى ضوء استبعاده لكافة المؤثرات الميتافيزيقية التى أعاقت تقدم البحث العلمى . وبدرجة من الدقة والبساطة لم يحلم بها من قبل . مما أدى إلى سيادة الوضوح والدقة والنظام فى علم الفيزياء: " فلقد كانت الطبيعة وقوانينها محجوبة فى الليل : فقال الإله لنيوتن كن ، وتحول كل شىء إلى النور ( ) . 
وبدأت حركة التنوير فى إنجلترا على يد لوك ، الذى دافع عن التسامح الدينى ؛ وأكد أن الإيمان لا يفرض بالقوة ؛ وأن التسامح هو وحده الذى يكفل تحقيق السلام بين البشر .. وقال لوك بضرورة الفصل بين الكنيسة " السلطة الدينية "والدولة" السلطة المدنية "فلكل سلطة اختصاصاً معيناً لا دخل للأخرى به ، فهدف الكنيسة هو الحياة السماوية الأخروية وهدف الدولة هو الحياة الأرضية الدنيوية أى تنظيم شئون الناس فى الحرية والملكية والحياة ( فى الصحة والأرض والمال والمسكن ووسائل الترفيه وما شابه ذلك ) . ولذلك فليس للدولة أن ترعى العقيدة الدينية فى التشريع ، ويجب أن تظل قوانين الدولة فى استقلال كامل عن الإيمان الدينى ، فلا محل للقول بدولة مسيحية ( ) .
وكان لوك يقصد بالتسامح الدينى : أنه ليس من حق أحد أن يقتحم باسم الدين الحقوق المدنية والأمور الدنيوية ". ولهذا فإن " فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته أية معرفة عن الدين الحق " . ومعنى ذلك أن التسامح الدينى يستلزم ألا يكون للدولة دين لأن " خلاص النفوس من شأن الله وحده .ثم إن الله لم يفوض أحداً فى أن يفرض على أى إنسان ديناً معيناً . ثم إن قوة الدين الحق كامنة فى اقناع العقل ، أى كامنة فى باطن الإنسان " ( ) . 
وأعلن لوك أنه لا مبادئ فطرية فى العقل ، فالتجربة هى التى تزودنا بكل المعرفة . والعقل ذاته صفحة بيضاء يكتب عليها الحس والتجربة بــــألاف الطرق ( ) . ويكفى فى رأيه إقناع القراء المنصفين بـــــزيف الأفكار الفطــرية ، وكيف أن الناس باستخدام ملكاتهم الطبيعية فقط قد يبلغون درجة اليقين دون اللجوء إلى أى من مثل هذه الأفكار .
فأى إنسان يمكنه أن يسلم بسهولة بأنه من غير اللائق افتراض أن الأفكار الخاصة باللون هى أفكار فطرية فى الإنسان الذى وهبه الله نعمة البصر والقدرة على استقبال الألوان من الأشياء الخارجية عن طريق عينيه . وبالمثل فإنه من غير اللائق أن نعزو حقائق متعددة للانطباعات والسمات الفطرية فى الوقت الذى يمكن فيه أن نلاحظ فى أنفسنا مواهب قادرة على أن تبلغ معرفة يسيرة ومؤكدة بهذه الأشياء كما لو كانت منطبعة أساساً فى عقولنا ( ) . 
واذا كان لوك هو رائد حركة التنوير فى إنجلترا ، فإن هيوم هو أكبر ممثل لهذه الحركة .. فلقد سار هيوم بالمعضلة الديكارتية التى تتعلق بالفكر والمادة الى حد بدأ معه الشك بالتأكيد . كان هيوم أحد المتسائلين المدنيين عن الوحى وعن مذهب إثبات وجود الله مه إنكار الوحى ، أو " الديانة الطبيعية " . وهو أكثر ابتكاراً عندما يتسائل عن الصدق بمعنى اليقين الثابت المطلق الميتافيزيقى – صدق الأحكام العامة التى وصل اليها رجال العلم . إن العقل عند هيوم ذاتى كالحواس ، أو هو على الأقل نقل أو تقرير للواقع على صورة لا يمكن التثبت من صحتها فى نهاية الأمر . ولقد وجد هيوم – كغيره من المتشككين فى قدرات الناس العقلية والخلقية – فى التقاليد والعادات والعرف أساساً أثبت للحياة فوق هذه الأرض . وهكذا انتهى الى موقف يناقض موقف أهل زمانه بشكل فريد إذ كان يعتقد فى القديم دون الجديد . وهو يعترف بمكانة العاطفة فى أعمال الناس وإن يكن ذلك فى غير حماسة بشكل فذ . إن هيوم لم يكن فى صميمه ذلك المتشكك بمقدار ما كان ذلك المتعقل الذى مل التعقل ( ) . 
وطور جون ستيوارت مل مفهوم التسامح فى كتابه المعنون "عن الحرية" ( 1859 ) إذ ارتأى أن التسامح يمتنع معه الاعتقاد فى حقيقة مطلقة ، أى تمتنع معه الدوجما. يقول " إن الحرية الدينية تكاد لا تمارس إلا حيث توجد اللامبالاة الدينية التى تنبذ إزعاج سلامها بالمنازعات اللاهوتية . وحتى فى البلدان المتسامحة ثمة تحفظات على التسامح لدى معظم المتدينين , فالإنسان قد يحتمل الانشقاق إزاء أسلوب الكنيسة ، ولكنه لن يحتمل التسامح إزاء الدوجما" ( ) . 
وإذا كان التنوير فى إنجلترا قد وقف موقفاً فكرياً معيناً تجاه الفلسفة التقليدية هو الرفض والنقد معاً، فإن فلسفة الأنوار فى فرنسا بدأت بالنقد العنيف للدين .. فقد أخذ العداء للدين ورجاله فى فرنسا صورة شعبية وغالى ديدرو والانسيكلوبيديون فى آرائهم حتى انتهوا إلى الإلحاد الصريح . وكان الغرض الأساسى من نشر الأنسيكلوبيديا هو تنوير الشعب وتحرير العقول بواسطة العلم. ولقد قال رامزى ، الخطيب " سوف نشرح فى الأنسيكلوبيديا ( دائرة المعارف الفرنسية ) كلمة الصناعة الفنية ( تقنية Technique ) . ولن نكتفى بتعريفها تعريفاً لفظياً فحسب ، بل سنعرض تاريخاً للعلوم والفنون ، وسنقدم مبادئها العامة ونبين كيفية ممارسة هذه الصناعة . وهنا ستظهر الأنوار التى أشرقت فى جميع الأمم ، وسوف يقدم هذا العمل كل ما هو جميل وعظيم ومشرق ومنير ونافع فى كافة العلوم الطبيعية وفى كل الفنون والآداب الجميلة . وسوف يزداد هذا العمل تألقاً مع الزمن . وهكذا سوف تنشر فى أوروبا كلها تذوق الآداب والفنون الجميلة " ( ) . 
ولقد بدأت فلسفة الأنوار فى فرنسا بالنقد العنيف للدين فى جميع المجالات . فمثلاً بالنسبة للجنس، اهتم الفلاسفة الفرنسيون فى القرن الثامن عشر اهتماماً قوياً بالمسائل المتعلقة به، ولكنهم كانوا بعيدين كل البعد عن النظر إليه بوصفه وسيلة للتناسل ، لقد كان بالنسبة لهم شيئاً يمكن الاستمتاع به لذاته ، وسخطوا سخطاً شديداً على القيود التى فرضتها عليهم الأخلاق الدينية . كما حاولوا التحرر من كل إلزام دينى فقد أرادوا كذلك تدمير كل القواعد الأخلاقية المنظمة للعلاقات الجنسية ( ) . 
وقام التنوير الفرنسى ، كالتنوير الإنجليزى ، على ثورة العلم وانتصاراته ... فإذا كان لإنجلترا على وجه العموم النصيب الأوفر من العقول البذرية التى انبتت أفكار التنوير ، فإن الفرنسيين فوق كل شىء هم الذين نقلوا هذه الأفكار فى أنحاء أوروبا وروسيا ، بل فى كل الأماكن الخارجية النامية للمجتمع الغربى فى جميع أنحاء العالم . ومن هؤلاء فولتير ، الذى تجد فى مؤلفاته التى تربو على التسعين كل الآراء التى بدأ بها عصر التنوير معروضة عرضاً واضحاً فيه فطنه وذكـــاء فى كثير من مواضعه ( ) . 
وانتهى التنوير الفرنسى مع فشل الثورة الفرنسية ، ولذلك يقول برلين: "إن فشل الثورة الفرنسية فى إنجاز الجزء الأكبر من أهدافها المعلنة هو ما شكل نهاية التنوير الفرنسى كحركة ونظام " . ( ) ومن فرنسا انتقلت فلسفة الأنوار إلى ألمانيا . فكان بعض العلماء والأنسيكلوبيديين الفرنسيين أعضاء فى الأكاديمية الملكية فى بروسيا مثل ديدرو و دالمبير . ثم تفتحت ألمانيا لحركة التنوير الإنجليزى وتأثرت باتجاهاتها النظرية فى مجال الفلسفة والأدب والشعر . ويعتبر ليبنتز ناقل فلسفة الأنوار إلى ألمانيا ومؤسس هذه الحركة التى رسم لها طريقها وحدد لها غاياتها. ولقد قال فى البحث عن الكلمة : " لا شىء يمكن أن يدخل الغبطة إلى نفوسنا إلا التنوير الذهن وخضوع الإرادة له ، وأن نبحث عن هذا النور فى معرفة الأشياء التى تسمو بالذهن إلى الأعلى ( ) . 
ورفض ليبنتز وجود أى تمييز حاد بين ما هو فطرى وما يأتى عن طريق التعلم : " أنا أوافق على أننا نتعلم الأفكار والحقائق الفطرية إما باعتبار مصادرها أو بالتحقق منها من خلال الخبرة .. وكذلك فأنا لا أستطيع أن أقبل القضية القائلة " إن كل ما يتعلمه الشخص هو غير فطرى" . فحقيقة الارقام هى فينا ، ولكن مع ذلك فنحن نتعلمها إما بانتزاعها من مصادرها حين نتعلمها من خلال برهان إيضاحي ( وذلك مما يؤكد فطريتها) أو بواسطة اختبارها ، مثلما يفعل الرياضيون العاديون .. وهكذا فالرياضيات والهندسة بكاملها فينا فعلياً بحيث نستطيع إيجادها هناك حين نتأملها بانتباه وننظم ما فى عقولنا . ( وبصورة عامة ) لدينا كمية غير محدودة من المعرفة التى لا نعيها دائماً حتى حين نحتاجها . أما الحواس مع أنها ضرورية لكل معرفتنا الفعلية فإنها ليست كافية لتمنحنا إياها بشكل كامل ، فهى لا تعطينا أى شىء غير أمثلة من الحقائق الجزئية والفردية . فالحقائق الضرورية كما نجدها فى الرياضيات الخاصة وبخاصـــة فى علم الحساب والهندسة لا تخضع مبادئها للحواس ولحكمها على الرغم من أننا لا نستطيع أحياناً أن نتفق التفكير فيها إلا باستخدام الحواس . . . . فالعقل وحده هو الذى يضع القواعد الضرورية والروابط اللازمة بينها ... " ( ) . 
وكثيراً ما ينظر إلى كانط على أنه الفيلسوف الذى قام بتجميع إنجازات التنوير ، وتحديد حدوده المعرفة التجريبية وتأسيسها وفقاً للعقل الخالص وفى ضوء الأخلاقية الخاصة بها بعيداً عن مظاهر عالم الفينومينا . لكن الفلسفة الكانطية بكاملها بعظمة تكوينها كانت معروفة لعدد قليل جداً من الناس فى القرن الثامن عشر ومن الصحيح ، من خلال دراسة مثل هذا النمط الفلسفى ، معاملة فيلسوف كونجسبيرج على أنه رجل حول أفكار عصرة إلى نظريات فلسفية ، بدلاً من دراسة عمله بطرق فلسفية خالصة أو كنقطة بداية لطرق جديدة فى التفكير( ) . 
لقد تناول الفيلسوف كانط موضوع التنوير فى مقال له بعنوان " جواب عن سؤال : ما التنوير ؟ " نشره عام 1784 فى مجلة برلين الشهرية . ويعد هذا المقال المختصر إحدى أكثر المحاولات المدونة لمعرفة معنى "التنوير " . وفيه يقول كانط : " التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذى أقترفه فى حق نفسه ، وهذا القصور هو عجزه عن استخدام عقله من دون معونة الأخرين " .. و" ان تكون جريئاَ فى أعمال عقلك " أو " تكون لديك الشجاعة للمعرفة. وهذا هو شعار التنوير كما قال كانط فى بداية مقاله". ويقدم كانط صورة أكثر تعقيداً للتنوير فيقول" يجب أن يكون الاستخدام العام لعقل الإنسان دائماً من أجل الحرية وهذه الحرية هى وحدها التى تؤدى إلى تفشى التنوير بين الناس ( تنير الناس ) فربما يكون الاستخدام الخاص للعقل محدوداً للغاية " . فيجب على الحكام أن يعملوا من أجل الحرية ويقللوا من تفشى الفوضى وعدم الأمان فى المجتمع . وكانط يطرح المشكلة بطريقة مختلفة. كما فعل مندلزون : ماذا يحدث لو فكر الناس من دون حدود ؟ هل هذا التفكير يؤدى بالضرورة إلى نتيجة إيجابية ؟ ويعلن كانط عدم رضاه عن هؤلاء المعاصرين الذين يرون عصرهم فى حالة من التطور غير المحدود تجاه تحقيق الإمكانيات البشرية أو تنفيذ أولويات اجتماعية وسياسية " عقلية " . ويتفق كانط مع مندلزون فى أن " التنوير " كان عملية ولم يكن مشروعاً متكاملاً ، عملية مليئة بالمشاكل والمخاطر . فإذا سئلنا الأن : هل نحن نعيش فى عصر الاستنارة ؟ ، فإن الإجابة هى : لا ، لكننا نعيش فى عصر التنوير . ( ) 
إن التنوير عند كانط يعنى ألا سلطان على العقل إلا العقل ذاته.. فلقد نادى كانط بمبدأ البقاء على العقل بالعقل : "نعم يا أصدقاء الإنسانية ويا أصدقاء أقدس المقدسات فى نظرها . لا تجادلو فى شأن العقل ، فهو الخير الأسمى على الأرض وحجر المحك لكل حقيقة " ( ) . 
لكن مع هذا فإنه حتى بالنسبة لكانط و مندلزون ، كلمة التنوير لم تكن سهلة التعريف ، فلقد بدا لهما أن التنوير يقدم نفسه كسلسلة من العمليات والمشاكل أكثر من كونه قائمة مشاريع فكرية يمكن وصفها بشكل دقيق . وبوجه عام ، فإنه حتى عشرين عاماً مضت كان مؤرخو هذه الفتره يفكرون – عادة فى التنوير على أنه ظاهرة موحدة نسبياً فى تــــاريخ الأفكار ، والتى تنتج بواسطة القاعدة التى وضعها " مفكرون كبار " مثل مونتسكيو(1689– 175)وديدرو(1713– 84) وكانط. فلقد تقاسم هؤلاء الثلاثة الخصائص الواضحة بكونهم بيضاً وذكوراً ، ومن أوروبا الغربية . وبمعرفة الخلافات الكثيرة بين هؤلاء " المفكرين الكبار " فإن المؤرخين مازالوا يتجهون عادة لرؤية أفكارهم ، أفكار التنوير فى التحليل الأخير على أنها متماثلة نسبياً . فهم يتفقون فى عدة نقاط منها : النظر إلى التنوير على أنه كان رغبة لأن توجه الأعمال البشرية بالعقل أكثر من الإيمان ، أو الخرافة أو الإلهام ( الوحى ) ؛ والإعتقاد بقوة العقل الإنسانى وقدرته على تغيير المجتمع ، وتحرير الفرد من سلطان العادة أو الإلف واستبداد السلطة أيا كان نوعها ؛ والإيمان بالعلم والتمسك به عالمياً أكثر من الدين أو التراث . ( ) 
ورأى مندلزون أن مصطلح " التنوير " يصعب تعريفه لأنه عبارة عن " عملية " لم تكتمل بعد ، تربية الإنسان أو تعليمه ، تعليمه كيفية استخدام "العقل " – الكلمة المفتاح فى التفكير " التنويرى " . وفى الوقت نفسه كان مندلزون على وعى تام بأن التطور غير المحدود " للعقل " فى الأفراد يمكن أن يتعارض مع دورهم كذوات ومواطنين ." فالعقل " إذا استخدام بشكل كبير ومن دون حدود فى البحث والدراسة ، فإنه قد يحلل النظام الإجتماعى والدينى والسياسى إلى عماء أو فوضى ويترك الناس منعزلين فكرياً ، فتظهر صور عديدة من ( الواحدية الفكرية) . ( ) 
وبوجه عام ، فإن عصر التنوير هو عصر العقل : لكن ما طبيعة العقل فى عصر التنوير ؟، وبعبارة أخرى ما هى الخصائص التى يتميز بها العقل فى هذا العصر من عصور الفكر؟ أولاً : لم تعد وظيفة العقل الأساسية هى القدرة على القياس والأستنباط مثل أرسطو . لكن مع تقدم العلم أصبحت وظيفته الأساسية هى الكشف عن قوانين العالم فى كافة مجالات العلم والمعرفة مثل نيوتن . 
ثانياً : أصبح للعقل فى هذا العصر منهج جديد للتفكير يتفق تماماً مع تقدم العلوم الطبيعية . وهذا المنهج هو منهج التحليل ، أى تحليل الظواهر من أجل الكشف عن المبادىء التى تخضع لها . ومن هنا بدأ العقل يسير فى طريق مختلف عن الطريق الذى رسمه له ديكارت من قبل . كان منهج ديكارت يبدأ بالحقائق الأزلية الأبدية أو بالمبادىء اليقينية بينما العقل فى عصر التنوير والعلم يبدأ أولاً بالتنقيب والبحث عن الظواهر والوقائع ثم يحللها ليكشف المبادئ 
والأصول التى تخضع لها ، وقد زالت فكرة الضرورة فى هذا العصر وأصبحت المبادئ مجرد قواعد مقنعة بالنسبة لما تعرفه من الظواهر .
ثالثاً : إن أروع ما أكده العلم الحديث فى هذا العصر " عصر نيوتن " هو أن الظاهرات تنتظم فى الوجود وفقاً لنظام رياضى دقيق وعلى العقل أن يعين هذه الصورة الرياضية للوجود . فالتوافق بين العقل والوجود أصبح أمراً مؤكداً بالعلم ويقيناً ولا شك فيه .( ) 
رابعاً : كان العقل للرجل العادى فى العصر التنوير هو كلمة السر الكبرى لعالمه الجديد . العقل هو الذى يسوق الناس إلى فهم الطبيعة ، وبفهمه للطبيعة يصوغ سلوكه طبقاً لها ، وبذلك يتجنب المحاولات العابثة التى قام بها فى ظل أفكار المسيحية التقليدية الخاطئة وما يحالفها فى الأخلاق والسياسة مما يناقض الطبيعة .. والرجل المستنير كان يعتقد أن العقل شىء يمكن لكل إمرئ أن يستناره ، فيما خلا قلة بائسة معيبة . كان العقل مكبوتاً بل كان ضامراً بفعل سيطرة المسيحية التقليدية أمداً طويلاً . أما فى القرن الثامن عشر فإن العقل استطاع مرة أخرى أن يسترد سلطانه ، وأن يؤدى لكل إنسان ما أداه لرجال أمثال نيوتن و لوك استطاع والعقل أن يبين للناس كيف يسيطرون على بيئتهم وعلى أنفسهم ( ) .
وقد لعب التنوير دوراً مؤثراً تجاه التحول من النظرية إلى الممارسة ، من مجرد النقد إلى القيام بعمل لتحسين التعليم ، والزراعة ، والعلاقات الاجتماعية ، والحياة السياسية وإصلاحها . وأدى لظهور المطلقية المستنيرة ، وكذلك اثنان من النظم الجماهيرية الكبرى – فى فرنســــــــا وفى أمريكــــا الشــــمالية وكـــــان رد فعـــــــل ضد الباروكيه ، والأرثوذوكسية ، والحركات المضادة للإصلاح . وكما وجدت التيارات الدائمة للنزعة الإنسانية طريقها المتحرر من كل القيود ، وكما قال ألبرخت فون هاللير أن الإنسان الذى يفكر بحرية يفكر بشكل جيد ... بدأ الناس فى عصر التنوير ينظرون إلى المستقبل وليس إلى الماضى ، للأمام لا للوراء ؛ إذا نظروا إلى الماضى يكون ذلك بالتركيز على فترات القوة والإبداع كما هو الحال فى اليونان القديمة وعصر النهضة الإبداعي ، وإعادة اكتشافها الآن . ( ) 
وهذا ما أكده جيدنز حيث قال : " لقد انطلق فلاسفة عصر التنوير من رؤية بسيطة لكنها كانت شديدة القوة . فقد اعتقدوا فى القول بأنه كلما أمكننا أن نفهم أنفسنا والعالم بقدر أكبر من التعقل ، كلما تمكننا من أن نوجه التــــاريخ لأغراضنا . ولذلك يجب أن نحرر أنفسنا من عادات الماضى وتحيزاته حتى نستطيع التحكم فى المستقبل " . كما صاغ ماركس ، الذى يدين بقدر كبير من أفكاره لفلاسفة عصر التنوير، هذه الفكرة فى بساطة شديدة . فقد قال بأن علينا أن نفهم التاريخ لكى نصنع التاريخ . ( ) 
لكننا نلاحظ مع ذلك ، أن حركة التنوير كانت تعمل بجلاء على هدم النظم القائمة . . وأن رجال التنوير لم يكونوا على اتفاق فى الرأى ، بل إن انقساماً عظيما ً نجده فى صفوفهم انقساماً لم تلتئم ثغرته بعد ... وحركة التنوير ليست عقيدة جديدة كل الجدة تقتلع أخرى قديمة كل القدم . إنما هى سلسلة من التجارب ، والاتجاهات ، والنظرات ، قديماً وحديثاّ ، وهى جزء من الأجزاء التى تتكون منها عصارة أو لب الثقافة الحديثة كما يرى العاشق المفتون للسلام والبساطة . ( )
ولذلك يرى برلين أن التنوير حركة فكرية ، يتم تعريفها فى إطار محتواها الفكرى . وهذا هو الأقرب لما نسميه تصور الفلاسفة لطبيعة التنوير . لكن برلين لم يعترف بالرؤية الكانطية الأكثر حسماً للتنوير لدى الفلاسفة : والتنوير كحركة فكرية ربطه برلين أساساً بالفلاسفة الفرنسيين ، وظل تصوره له متاحاً للمؤرخين العاديين ؛ وعلاوة على ذلك ، فإنه بعيداً عن المؤرخين ، كان التنوير عنده متاحاً للقارئ العادى وللجمهور المحتل بسماع خطبه الشهيرة ، سواء بشكل مباشر أو عبر الراديو . وحتى بالرغم من أن اهتمامه بالتنوير يتفق تماماً مع رغبته فى استكشاف الحركة " المضادة للتنوير " فمن المحتمل أن يكون الشعب البريطانى بحد الحرب قد فهم التنوير وتعلم مثله منه أنه ميراث مهم للحداثة أكثر من أى شخص أخر . ( )
ولا شك أن عرض برلين لأفكار الحركة المضادة للتنوير كان على المدى الطويل مفسداً بشكل كبير لسمعة التنوير فلقد ربط التنوير بعدة أفكار بسيطة : تماثل الطبيعة البشرية ، والعمومية الدائمة للقانون الطبيعى كقاعدة للسلوك البشرى الأخلاقى ، والإيمان بإمكانية اكتشاف غاية مثالية للمجتمع البشرى ووجوب السعى إليها . وضد هذه الأفكار تعامل برلين مع أسس الحركة المضادة للتنوير : أن تنوع الطبيعة البشرية كان أكثر وضوحاً وقيمة ؛ وأن الأعراف والقواعد الأخلاقية البشرية قد اختلفت عبر الزمان والمكان ؛ وفوق كل ذلك ؛ أن المحاولة لتعريف ثم رفض منتج مثالى مفرد للمجتمع البشرى كانت خاطئة وشديدة الخطورة . وكان برلين حريصاً على أن لا يتخذ أى جانب . وهو لم يخف الجانب المظلم للرواد المؤيدين للحركة المضادة للتنوير ، جوزيف دمستر على وجه الخصوص . ومع ذلك فإن الاهتمام الذى خصصه للحركة المضادة للتنوير يلقى الضوء على التنوير الذى تتصف أفكاره بإنها شديدة الصرامة كما لخصها . وسواء قصد ذلك أم لا ، فإن طريقة برلين فى دراسة التنوير قدمت تشجيعاً لهؤلاء المفكرين الذين رغبوا فى الإيمان بأن مثله الكونية تمكن وراء بعض الشهور الكبرى فى العالم الحديث . ( ) 
ومن خلال تأثر برلين بالرومانسية والحركة المضادة للتنوير فإنه اهتم بعقلانية التنوير التى أصبحت التدعيم التقليدى لليبرالية .( ) 

وبشكل أكثر تحديداً فإنه رفض المبدأ التنويرى للقانون الطبيعى ، الذى بناءً عليه يوجد نسق كونى من القيم يتمسك به أفراد الجنس البشرى . وبرغم ذلك فإان برلين ظل ليبرالياً مصراً على أن المبادىء الليبرالية الرئيسية يجب أن تبنى على قبول مختلف للقيم غير المتكافئة بل والمتناقضة . ورأى أن المشكلة الرئيسية لليبرالية فى عالم ما بعد الحداثة كانت كيفية تفسير قيمها الرئيسية من دون فروض عقلانية التنوير المثيرة للمشاكل .