وظلم ذوي القُربى أشد مرارة...
الناشر ورئيس التحرير: جاك خزمو
القادة والزعماء العرب والمسلمون، والأمناء العامون للفصائل، والمسؤولون في مختلف المنظمات والمؤسسات الرسمية والشعبية في العالمين العربي والاسلامي، وكثيرون، يقولون إنَّ "القدس خط أحمر"، ويصدرون بيانات ادانة وشجب للممارسات الاسرائيلية الهادفة الى المزيد من التهويد، وبيانات أخرى تحيي نضالات أبناء القدس في التصدي للاجراءات الاسرائيلية، وفي خوض معركتهم القاسية للحفاظ على عروبة هذه المدينة.
في الأشهر القليلة الماضية شهدت القدس هبّة جماهيرية قادها شبان المدينة عقب محاولات المستوطنين اقتحام الحرم القدسي الشريف، واحتلت أخبارها مقدمة النشرات الاخبارية لمختلف الوسائل الاعلامية العالمية والعربية، ولكن لم يحدث أي رد فعل عربي بدعم هذه الهبة الجماهيرية سوى الحصول على بعض البيانات، وليس أكثر من ذلك.
يقولون أن القدس هي "قرة عين" كل عربي، ولكن هذه مجرد أقوال، ولن تكون يوماً من الأيام ضمن برنامج أفعال، ويطالبون أبناء القدس بمزيد من الصمود. والأنكى من كل ذلك أنهم، ويا ليتهم لا يقدمون الدعم الكلامي فقط، بل انهم يتعاملون مع أبناء القدس بصورة فظة، وكأنهم يشكلون خطراً على أمن الدول في العالم أجمع.
وخير مثال على ذلك أن المواطن المقدسي يحمل جواز سفر أردنياً، ولكنه اذا أراد زيارة أية دولة عربية فيحتاج إلى تأشيرة دخول، وفي معظم الأحيان لا يحصل عليها. وأكدت ما نقوله محاولة مواطن مقدسي زيارة دينية للبنان فلم يفلح في الحصول على "عدم ممانعة" من السلطات اللبنانية لان جواز سفره لا يتضمن رقماً وطنياً.. وهذا المواطن ان اراد السفر الى الدول العربية الأخرى، فانها تطلب منه الحصول على تأشيرة.. وقد يبرر المسؤولون هذه الاجراءات بأنها ضرورية وأمنية، وآخرون قد يقولون أن هذه الاجراءات تأتي من أجل عدم السماح لأبناء القدس بالهجرة للخارج، ولكن لا يعرفون أن المواطن المقدسي يستطيع الحصول على وثيقة سفر مؤقتة اسرائيلية يستطيع من خلالها السفر الى الخارج، الى دول العالم، طبعاً بعد الحصول على التأشيرات اللازمة، ويستطيع ألا يعود اذا أراد أو خطط لذلك.
أبناء القدس يعانون من اجراءات اسرائيلية قمعية، فهل يجوز أيضاً لعالمنا العربي أن يفرض حصاراً من نوع آخر علينا؟ وهل الدعم الكلامي أو الشفوي يكفي لصمودنا والحفاظ على عروبة المدينة؟ وهل البيانات قادرة على فعل أي شيء، وهل تغطية أخبار القدس هي دعم كاف؟
هناك تساؤلات عديدة يطرحها أبناء القدس، فجميع القادة يستخدمون القدس في خطاباتهم وكلماتهم وبياناتهم كي يحصلوا على دعم الجماهير، وهذا استغلال واضح ومرفوض، وفي الوقت ذاته لا نجد دعماً حقيقياً لأبناء القدس.
يقال ويُشاع أنه تقرر اقامة العديد من الصناديق العربية لدعم أبناء القدس، ولكن يبدو أن هذه الصناديق كانت مجرد الضحك على الذقون، أو لامتصاص نقمة الجماهير على التقاعس العربي نحو القدس، أو "للتسلق" على هذه القضية لتحقيق مكاسب ذاتية.
والمؤلم أنه كلما أعلن العرب عن اقامة صندوق "وهمي" أو "خيالي" أو "نظري" لدعم أبناء القدس، نجد أن رد الفعل الاسرائيلي يكون برصد الميزانيات الكبيرة لتعزيز السيطرة على المدينة العربية، من خلال البناء الاستيطاني أو من خلال العديد من المشاريع "التهويدية" للمدينة، أي أن اسرائيل تتعامل مع قضية القدس. بجدية، في حين أن العالم العربي وكذلك الاسلامي يتعاملان مع هذه القضية "كلامياً" ودعائياً فقط، وليس أكثر من ذلك.
إننا في القدس العربية الصامدة في وجه كل المخططات والمشاريع والممارسات والاجراءات الاسرائيلية نطالب الجميع عدم ارسال بيانات دعم ومساندة، ولا نريد أفكاراً وآراء حول طريقة الدعم، لأن ذلك يؤذينا ان لم يتحول الى فعل.. فالافضل اذا أرادوا الدفاع عن القدس، ودعم مواطنيها، أن يضعوا مشاريع وينفذوها من دون ضجة اعلامية، فالعمل أهم جدا من الاعلام.
لقد مللنا من التصريحات حول القدس، وتأذينا منها، لذلك نقول لقادتنا: اذا أردتم دعم أبناء القدس، فليس فقط باصدار بيانات تعاطف وتضامن، بل عبر ممارسات على ارض الواقع، وعبر ازالة الظلم الذي تمارسونه بحق أبناء المدينة عبر المشاركة في حصارهم، وتقييد تحركاتهم في العالم العربي.
ارحمونا، وكفى ضحكا على الذقون، فاذا كنتم حريصين على القدس، فطريقة التعامل مع أبنائها يجب أن تتغير كاملاً، حتى يشعر المقدسي أن هناك تغييراً في أسلوب الدعم والتأييد على أراض الواقع.
إذا أردتم الحفاظ على عروبة القدس، فلا تسمحوا لمؤسساتها بأن تُغلق نتيجة عجزكم و"تواطئكم" وتخاذلكم وبياناتكم الدعائية الفارغة من الفعل الحقيقي! واذا أردتم أن تستخدموا "القدس" للحصول على مكاسب أو امتصاص نقمة، فنقول لكم وبكل جرأة ووضوح: حلّوا عنا واسكتوا، لأن صمتكم أفضل لنا من بياناتكم ودعمكم الوهمي.