الجمعة، 27 يونيو 2014

يضطلع الفنَّانون والمبدعون العرب بدور مهم في الثورات التي يشهدها العالم العربي
حوار مع كلاوس ديتر ليمان، رئيس معهد غوته:

''غوته'' والثورات العربية.....من ميدان التحرير إلى ''صالون'' التحرير

يضطلع الفنَّانون والمبدعون العرب بدور مهم في الثورات التي يشهدها العالم العربي. ويقدِّم معهد غوته في مدن مثل القاهرة والإسكندرية وتونس الدعم لأعمالهم منذ فترة طويلة. ولكن ماذا تعني هذه الثورات في العالم العربي بالنسبة لسياسة ألمانيا الثقافية الخارجية؟ وما هو الشيء المفيد الذي يستطيع معهد غوته فعله في هذه الظروف؟ كلاوس ديتر ليمان، رئيس معهد غوته، يجيب عن هذه التساؤلات في حوار مع آية باخ.

السيد ليمان، يعيش العالم العربي مرحلة انتقالية - وكذلك الحال بالنسبة للحياة الفنِّية والثقافية. فكيف يستطيع معهد غوته دعم هذه العملية؟
كلاوس ديتر ليمان: كان من المفاجئ بالنسبة لنا جميعنا اعتماد هذه الثورة في مصر وتونس كثيرًا على فعاليَّات ثقافية وعلى فنَّانين. يشاهد المرء في ميدان التحرير في القاهرة الذي يبعد عن معهد غوته خمسين مترًا فقط، مسرح الشارع ومغنِّين ورسَّامين وراقصين. يأتي الكثير من هؤلاء الأشخاص إلى معهد غوته، وذلك لأنَّنا أنشأنا هناك "صالون التحرير".
وعلى الرغم من أنَّنا لم نوفِّر في الواقع إلاَّ صالة واحدة، بيد أنَّ الكثير من الفنَّانين يعرفون الصالون، وذلك لأنَّهم كانوا هناك من قبل كمستمعين في معهد غوته، وكمشاهدين أو متعلمين للغة. والآن يتم استخدام هذا الصالون من أجل بناء العصر الجديد بناءً ثقافيًا - كمساحة مفتوحة أو ملتقى للنقاش وتبادل الآراء. وحتى أنَّنا أحضرنا إلى القاهرة موظَّفين من "دائرة غاوك" التي تقوم وظيفتها على تدقيق ملفّات جهاز أمن دولة ألمانيا الشرقية سابقا، لأنَّ موضوع "أمن الدولة" له دور هناك أيضًا. وهكذا من الممكن الحديث حول كيفية التعامل مع الملفَّات السرِّية، وكيف تم إجراء ذلك في ألمانيا. وهذا يعني أنَّ عملنا يمتد من المجال الفنِّي إلى مجال السياسة الاجتماعية.
ماذا يستطيع معهد غوته أن يفعل هنا من دون الخوض في المجال السياسي؟

الصورة دويتشه فيله
"صالون التحرير" في معهد غوته في القاهرة يجتذب عددا كبيرا من الشباب والفنانين المصريين
​​ليمان:
أعتقد أنَّنا نستطيع النجاح أكثر في هذا المجال، من خلال قيامنا بمهام تعليمية. وهذا يعني أن نمكِّن الناس من تعلّم اللغة الألمانية، لتكون لديهم الفرصة للمجيء إلى ألمانيا. ولكننا كذلك نجمعهم مع ممثِّلين عن الثقافة الألمانية ومع فنَّانين أو مخرجين - أشخاص يمكِّنوهم من الاستفادة من مواهبهم الخاصة وقدراتهم. نحن نخلق فرص إنتاج، وهذا يسير بشكل جيد. والإمكانية الأخرى على سبيل المثال تكمن في المشاركة في بناء قطاع النشر هناك، هذا القطاع الذي كانت تتم إدارته حتى الآن من قبل الدولة. ولدينا أيضًا برنامج لتبادل الصحفيين.
يعمل معهد غوته في المنطقة بنشاط منذ فترة طويلة؛ كما ساهم في ربط الفنَّانين هناك بشبكة دولية. إلى أي مدى نجح ذلك في هذه الظروف؟
ليمان: لم ينجح ذلك إلاَّ بشكل جزئي، لأنَّه لم يكن من السهل بسبب السياسة القمعية الوصول إلى بقية الدول. وعلى الرغم من أنَّنا أتحنا للبعض إمكانية المشاركة في برامج تبادل دولي، إلاَّ أنَّني أعتقد أنَّ ذلك سيكون الآن أسهل بكثير من السابق. ولكن من الواضح أنَّ هذه البلدان يغلب عليها طابع الشباب، والأنشطة الثقافية والإنترنت. وهذا ما لاحظناه في اثنتين من مدوَّناتنا. المدوَّنة الأولى اسمها "ترانزيت" وتساهم في تمكين الناس المنتشرين في مناطق متفرِّقة والذين يريدون التغيير من التواصل فيما بينهم. ويتم استخدام موقع "ترانزيت" كثيرًا، وفي هذه المدوِّنة يتم تدوين كلِّ شيء من الظروف المعيشية وحتى الفرص المهنية والسياسية. ولدينا أيضًا منذ فترة طويلة موقع الشباب العربي الألماني "لي لك". وبالتالي يشكِّل المدوِّنون البداية الحاسمة بالنسبة لهذا التطوّر.
لا شكّ في أنَّ معهد غوته لا يهتم فقط بدعم التواصل في شبكة دولية، بل كذلك بتشجيع الحياة الفنِّية والثقافية. كما أنَّ معهد غوته يهتم دائمًا بالعمل مع شركاء محليين. فعلى أي شركاء يمكنكم المراهنة في هذه المرحلة الانتقالية؟

ليمان الصورة، معهد غوته
يقول ليمان: "نحن موجودون في الواقع هنا من أجل تشجيع الناس على البقاء في البلاد. لأنَّه في حال استمرار هذه الهجرة، فعندها ستصبح هذه البلدان من دون أمل".
​​ليمان:
نحن نعمل مع الأفراد ولا يوجد سوى القليل من العلاقات الهيكلية. ويشكِّل هذا كذلك ضعفًا في الوقت الحاضر. والعمل مع الأفراد يعد أمرًا رائعًا. ولكن يجب علينا إيجاد أشكال تنظيمية من أجل ربط الأمور ببعضها، حتى تزداد قوتها وتتطوّر. وحاليًا نهتم بكيفية تنظيم الفنَّانين ضمن جمعيَّات أو بمعرفة الهياكل السياسية الاجتماعية الموجودة في المنطقة. إذ يوجد اهتمام كبير الآن؛ ولكنه سوف يتضاءل في وقت ما ويتشتَّت ويفقد الاتجاه. ولهذا السبب نحاول الآن تقديم أمثلة على كيفية تطوير عمل تنظيمي. وفي أثناء ذلك لا نتحدَّث حول المضمون - فهذا من شأن العالم العربي، إذ يجب أن يكون لدى العرب أفكارهم الخاصة. لكننا نقدِّم المساعدة التي تمتد إلى بعض القضايا مثل "التغلّب على النزاعات" و"المساواة" أو"الدستور".
يرى الآن الكثير من الفنَّانين في المنطقة أنَّ حكوماتهم هي المسؤولية عن دعم الثقافة والفنون. هل يعني ذلك بالنسبة لمعهد غوته أنَّه ربما يجب عليه الانسحاب والكف عن التخلي عن بعض نشاطاته؟
ليمان: هذا سؤال صعب. أعتقد أنَّ الفنَّانين يأملون أن نستمر في توفير خدماتنا. وأعتقد أنَّهم يخرجون عن وعي من القيود الضيِّقة وأنَّهم يريدون أن يصبحوا قادرين على مقارنة ما يحدث في أماكن أخرى. وفي الواقع ليس صدفة أن يغادر البلاد حاليًا الكثير من الأشخاص الحاصلين على تعليم جيد. نحن موجودون في الواقع هنا من أجل تشجيع الناس على البقاء في البلاد لأنَّه في حال استمرار هذه الهجرة، فعندها ستصبح هذه البلدان من دون أمل، ولن تبقى فيها بعد نخب هي بحاجة إليها. ومن دون وجود تنمية اقتصادية سيكون أيضًا المفهوم الثقافي الذاتي غير كافٍ للنهوض حقًا في عالم جديد أفضل.


أجرت الحوار: آية باخ 
ترجمة: رائد الباش 
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011
دكتاتورية حزب البعث ومستقبل سوريا

الأبد هدف مجانين السلطة...الأسد و"ما بعد الأبد"!

يعتبر الكاتب والروائي اللبناني اللبناني المعروف الياس خوري أن هوس الاحتفظ بالسلطة الى الأبد هو ما دفع نظام الأسد الى إحراق سوريا الجميلة بشكل همجي لا مبرر له. فالعنف الفائض الذي استخدم لم يكن بهدف قمع المتظاهرات والمتظاهرين من أجل اطفاء نار الاحتجاج الشعبي فقط، بل كان يهدف أيضا الى تلقين الشعب السوري درسا لن ينساه الى الأبد.
منذ انفجار الاحتجاجات الشعبية في سوريا في آذار- مارس 2011، رفع انصار النظام الاستبدادي أو ما يطلق عليه السوريون اسم ‘الشبيحة’، شعارين:
الشعار الأول هو ‘الأسد او نحرق البلد’، واشتعلت الحرائق، وامتلأت شوارع المدن والبلدات السورية بجثث الشهداء والضحايا. بدأ النظام باحراق البلد قبل ان تطلق المعارضة السورية رصاصة واحدة. الأزهار والمياه التي قدمها غياث مطر للجنود السوريين، قابلها النظام بإعادة جثة الشاب الى ذويه مشوّهة. والرد على مظاهرات درعا السلمية اتى عبر جثة الفتى حمزة الخطيب الممزقة، وحنجرة القاشوش اقتلعت قبل ان ترمى جثة المنشد الشعبي في نهر العاصي.
لم يسبق ان استخدمت الدبابات في قمع المظاهرات، ولم يسبق لسلطة ان تجبّرت كما فعل نظام الابن الذي لم يحفظ من تاريخ والده سوى مجزرة حماه، ووأد المجتمع السوري في الصمت، وسحق المعارضة في سجن تدمر الرهيب.
بدأ النظام في إحراق البلد بشكل همجي لا مبرر له. فالعنف الفائض الذي استخدم لم يكن بهدف قمع المتظاهرات والمتظاهرين من أجل اطفاء نار الاحتجاج الشعبي فقط، بل كان يهدف أيضا الى تلقين الشعب السوري درسا لن ينساه الى الأبد.
الأبد... هدف مجانين السلطة
 الاسد انتخب على أطلال براميل النظام السوري المتفجرة; Foto: Getty Images
يرى الكاتب اللبناني البارز إلياس خوري أن استبداد نظام الأسد نجح في تحويل سوريا إلى رقعة شطرنج يتبارى فيها اللاعبان الدوليان فوق أنهار الدم والدموع، مشيرا إلى أن نزع الكيماوي يعطي مظلة حياة مؤقتة لنظام الأسد، وهذا ما يريده الروس، ولا يسمح بانتصار الشعب السوري على جلاديه، وهذا ما تريده الولايات المتحدة وروسيا!
والأبد، كما يعلم القاصي والداني، هو هدف مجانين السلطة، ونقطة ضعف جميع المستبدينواذا كان الجنون قد قاد الامبراطور الروماني كاليغولا الى ان يعلن انه يريد القمر، كما في مسرحية البير كامو التي تحمل اسم الامبراطور عنوانا، فإن الملك المحتضر كان له طلب واحد هو الخلود المستحيل، كما في مسرحية يوجين يونيسكو ‘الملك يموت’. غير أن الأسد الأب تفوق في خياله الإستبدادي على خيال أسلافه جميعا، فانتقلت اليافطات المؤيدة له من كونه رئيسا ‘الى الأبد’ الى اعلانه رئيسا ‘الى الأبد والى ما بعد الأبد’.
لم أستطع فهم معنى ما بعد الأبد إلا حين رأيت كيف يقوم الإبن بتنفيذ أبد والده عبر إحراق سوريا وتدميرها، ثم ينتقل الى مرحلة ما بعد الأبد عبر ترشيح نفسه كي يكون رئيسا على الركام.
الأسد أو نحرق البلد’، لقد نجح الشبيحة وحلفــــاؤهم الروس والإيرانيون والميليشيات التــــابعة في إحــــراق البلد، بل نجحوا في استدراج ميليشيات تشبهـــهم في استبدادها كي تتسلط على الشعب السوري، وتدعشه وتنصره على نفسه.
وهذه مسألة يجب ان تفتح صفحتها كي نفهم من يتحمل مسؤولية هذا الإنهيار، وكي تتم محاسبة قيادات المعارضة والجيش الحر ايضا، من دون ان ننسى دور النفط الخليجي، ولؤم الغرب ونذالته ونذالة من عوّل على مساندته لقضية الحرية في سوريا.
كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.
بشار الاسد في مكان ; Foto: Screenshot Twitter
ألياس خوري: كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.
الأسد أو لا أحد
لذا اندفع الإستبداد الى تطبيق شعاره الثاني، الأسد او لا أحد’.فإذا كان الأبد يعني إحراق سوريا، فإن ما بعد الأبد يعني الدخول في عالم يصنعه خيال مريض، لا يشبع من سفك الدماء، ولم يعد له سوى هدف واحد هو استمرار الانتقام من ‘العبد’ الذي تمرّد على سيده الى ما لا نهاية.
الدعم اللامحدود الذي تلقاه ولا يزال يتلقاه النظام، سمح له بالذهاب الى شعاره الثاني، لكن الواقع السوري المأسوي أحدث عليه تعديلا، فاستبدل ‘أو’ ب ‘و’، والمسألة لا تقتضي جهدا لغويا خاصا، فاستبدال حرف عطف بحرف عطف آخر، مسألة في غاية البساطة. هكذا صار الشعار الفعلي هو ‘الأسد… ولا أحد’.
أي أن الخيار بين ‘السيد الرئيس′ (وهذا عنوان رواية أستورياس عن مآلات الاستبداد في أمريكا اللاتينة)، وبين الفراغ او اللا أحد لم يعد مجديا، لأن الرئيس نفسه صار هو هذا اللا أحد.
بشار الأسد اننتخب رئيسا على إيقاع البراميل المنفجرة والدماء وفي بلد ممزق الأوصال، وسينعم باللقب سبع سنوات أخرى، أو هكذا يظن.
الكاتب اللبناني المعروف الياس خوري; Foto: dpa/picture-alliance
ولد الكاتب اللبناني إلياس خوري عام 1948 في بيروت. ويعمل محرررا في جريدة النهار البيروتية. شارك في إصدار العديد من المجلات الدورية السياسية وعمل لفترة معينة مديرا فنيا لمسرح بيروت. ومن روياته "باب الشمس" التي تتحدث عن تاريخ الفلسطينيين الحديث.
ولكن من هو هذا الرجل اليوم؟
هل هو الأمين القطري لحزب البعث، الذي تدعمه وتقاتل بالنيابة عنه ميليشيات أصولية عراقية ولبنانية؟
أم هو زعيم الممانعة الذي سلّم سلاحه الكيميائي مقابل ان يبقى في السلطة؟
أم هو بطل استكمال ذاكرة مذبحة تل الزعتر بحاضر مأساة مخيم اليرموك؟
أم هو بطل الجولان الذي لم تطلق فيه رصاصة واحدة منذ أربعة عقود؟
أم هو القائد العام لجيش لا يقود، بل يقاد من قبل الحرس الثوري الايراني؟
أم هو الإبن الذي نسي سر أبيه بأن تكون سوريا لاعبا إقليميا على جماجم أبنائها، فأبقى سور الجماجم الهولاكي، متخليا عن دوره كلاعب ومحولا سورية الى ملعب لكل من هب ّودب ّمن القوى الإقليمية والدولية؟
هل يحكم هذا الرجل ركام بلاده أم أنه صار جزءا من هذا الركام، وما عليه سوى ان يدفع الجزية لأسياد سوريا الجدد؟
الأسد … ولا أحد
الأسد هو اللا أحد
انه كائن ضبابي يسبح فوق الدم والأشلاء، ويدّعي انه سيكون رئيسا لجمهورية لم تعد موجودة.
هذا هو ‘ما بعد الأبد’، الذي بشرتنا به يافطة علقها الأزلام، في يوم مضى، على مداخل طرابلس الفيحاء، أو طرابلس الشام، او مدينة القهر والدم، التي لا تزال تدفع من دم أبنائها ثمن الأبد الأسدي وما بعده.

حقوق النشر: الياس خوري 2014

هتلر وستالين وموسيليني وتطرف كاثوليكي تحت راية الأسد: لماذا يدافع متطرفون من أوروبا عن نظلم الأسد