الاثنين، 18 يناير 2016

هل يعاقب الشعب فتح وحماس؟

هل يعاقب الشعب فتح وحماس؟

بثينة حمدان

تاريخ النشر : 2016-01-18
 
هل يعاقب الشعب فتح وحماس؟بقلم:بثينة حمدان
هل يعاقب الشعب حماس وفتح؟

بثينة حمدان

من الآن فصاعداً لن يكون هناك شخص واحد يُجمع عليه الكل الفلسطيني، لاسيما بعد الختيار وفي زمن ما بعد الرئيس محمود عباس. واليوم تشتد في فلسطين التقلبات، تستشري التقوّلات فترفع شخصية وتلقي بأخرى في ظلال التاريخ، توقعات يبديها السياسي المحنك وغير المحنك، المواطن البسيط والمثقف، يتكهنون ملامح المرحلة القادمة لاسيما وأن الحلول السياسية السلمية والعسكرية وكأنها نفذت أو لم تُجدِ نفعاً، والعمر يتقدم بالرئيس عباس، والشائعات والأخبار المدسوسة وغيرها لا يسكتها خطاب يطمئن الناس بسلامة صحة الرئيس. السؤال الأكثر شرعية الآن هو بالتأكيد عن شكل المرحلة القادمة؟ وهو ما تحاول أن تجيب عنه استطلاعات الرأي والتي يستند إليها هذا المقال التحليلي وتحديداً استطلاع أوراد (5 تشرين الثاني 2015) والمركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (تشرين أول وتشرين ثاني 2015) مع المقارنة باستطلاعات سابقة عام 2005 و2006 لمركز دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت.

شعبية فتح وحماس قبل انتخابات عام 2006

عند مقارنة شعبية الفصيلين في استطلاعات الرأي الأخيرة، وتلك التي جرت قبل الانتخابات التشريعية عام 2006 بعشرين يوماً، نجد أن وضع فتح ليس في أحسن حال، فيما تراجعت حماس عن الماضي بـ 7%، وزادت نسبة المترددين إلى 10% (ليس تغييراً جوهرياً).

إن استطلاع أوراد الأخير يؤكد حصول فتح على 33% وحماس 22%، وقد تفوقت فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أن كانت شعبية الفصيلين متساوية قبل عشرة سنوات، وهذا يعود لتجربة حماس في غزة والتي أدت إلى تراجع شعبيتها. ولا يُعوَّلُ على هذا التراجع، لأن فتح مرشحة للانهيار بسبب التجاذبات التي تعصف بها وتشتت أصواتها، فيما تتميز حماس بالثبات فشعبيتها ثابتة ويتوقع أن تتضاعف لتماسكها التنظيمي وعملها المنهجي واستراتيجيتها الواحدة لاسيما خلال الانتخابات، وقد تحصل على تأييد يصل إلى 50% على الأقل. ولا ننسى أن تماسكها أفشل استطلاعاً نُفِّذ يوم الانتخابات السابقة وأتى بنتائج عكسية، فلم تشارك عناصرها في استطلاعات يوم الانتخابات فكانت النتيجة فوز فتح استطلاعياً، وذلك تحاشياً للردود الفتحاوية الغاضبة، والتي لم تتوقع في اليوم التالي للاستطلاع فوز حماس!

شعبية الرئيس محمود عباس

طرح استطلاعي أوراد والمركز الفلسطيني مؤخراً خيارين للمستطلعين عن مرشحهم الرئاسي القادم بين الرئيس عباس والقيادي في حماس اسماعيل هنية، وكانت النتيجة حصول الرئيس على 32% وحصول القيادي هنية على 30%، وهذا الفارق البسيط بين المرشحين يؤكد استمرار سيطرة حماس على الشارع. وفي العادة يقدم المنصب أصواتاً اضافية للمرشحين، لكن النتيجة كانت عادية في حالة الرئيس، أما في حالة القيادي هنية فإن مجرد التقارب يعني أنه في مربع المنافسة، وربما يعني أيضاً أن الشارع لا يؤمن أنه "رئيس وزراء مقال" ولا أن "حكومته انقلابية" كما يروج الطرف الآخر.

في استطلاعات سابقة عام 2010 وفي إجابة على السؤال المفتوح: من هو المرشح الأفضل لدى المُستَطْلَعين بدون خيارات أو ايحاءات، كانت النتيجة أن الرئيس عباس لا بديل عنه وبفارق شاسع عن القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، اما في الاستطلاعات الأخيرة والتي أخرجت البرغوثي من دائرة المنافسة مع قيادات أخرى، إلا أنه حصل على 17% في اجابة السؤال المفتوح.

وحسب أوراد؛ هناك 38% لم يقرروا بعد من هو مرشحهم بعيداً عن الرئيس عباس والقيادي هنية، وهذه النسبة هي التي ستحسم الانتخابات القادمة، وهي "الفئة الضالة" والتي تزداد مع تدهور المناخ السياسي، وأغلبها في الضفة وبنسبة 40% وفي القطاع كانت 23%. (يتضح أن تجربة حماس في القطاع أدت إلى تراجع مؤيديها بعكس الضفة، كما أن الضعف الذي تعاني منه فتح جعلها تخسر مزيداً من المؤيدين في الضفة، لكنها كسبت مؤيديين في غزة بسبب تراجع حماس فيها لا أكثر).

فتح المشتتة.. حماس القوية

تفوقت فتح على حماس كما ذكرنا من حيث الشعبية بنسبة 10% وهي نسبة غير كافية لحسم النتائج في الانتخابات مع الأخذ بالاعتبار نسبة الخطأ في الاستطلاعات وهي 3% سواء زيادةً أو نقصاناً، لذا تحتاج فتح إلى أكثر من 50% في الاستطلاعات لتضمن فوزها في الانتخابات، فهي الطرف المعرض للانقسامات خاصة مع عدم وجود شخصية جامعة، بعكس حماس، أما اليسار مجتمعاً فقد حصل على 8%... يبقى تأثيره في الشارع ضعيفاً!

وفيما تنشغل فتح في همومها وصراعاتها الداخلية والسلطوية، تبني حماس استراتيجيتها على كسب التأييد الشعبي، حتى لو بدت "انتقائية" في خيار المقاومة، فهي تنام لفترات طويلة ثم تنهض لتلعب على رائحة المقاومة التي تدغدغ عواطف الشارع الفلسطيني وذلك دون أن تحرز هذه المقاومة نتيجة ملموسة، لقد بدأت حماس معركتها ودعايتها الانتخابية فأخرجت مثلاً فيديو لوحدة الظل في حفل شواء مع شاليط بعد مرور عشر سنوات على الحادثة، صورة أغضبت المخابرات الاسرائيلية، وتبادل الفيسبوكيون الفيديو مفاخرين بالذكاء الفلسطيني أو بالأحرى الحمساوي!

معركة كرسي الرئيس (بدون الرئيس)

فيما اشتدت المنافسة بين الرئيس عباس والقيادي هنية، إلا أنها بدون الرئيس تضاعفت شعبية قيادات أخرى  وأبرزها: القياديان محمد دحلان واسماعيل هنية ورئيس الوزراء د. رامي الحمد الله حيث حصل كلاً منهم على 15%. واللافت تفوق القيادي دحلان في غزة بنسبة 24% أي أكثر بـ 10% من القيادات التسعة في استطلاع أوراد الأخير (اسماعيل هنية ود. الحمد الله ومصطفى البرغوثي وخالد مشعل ود. صائب عريقات ود. سلام فياض وماجد فرج وجبريل الرجوب وصبري صيدم)، وكان الأعلى في الضفة د.الحمد الله يليه مباشرة القيادي هنية. وكان نسبة "الفئة الضالة" الذين لم يختاروا من هذه القائمة 14.5%.

بالنظر إلى الفائزين بأعلى النسب، نجد أن رئيس الوزراء الحمد الله بعيداً عن طموح الرئاسي مقارنة بآداء نظيره السابق د. سلام فياض والذي كان يحصل على نسب أعلى في استطلاعات الرأي وهو في منصبه من نظيره الحالي، كما أنه في عهد د. فياض لم يحظ القيادي هنية بالشعبية التي حصل عليها اليوم في الضفة. في حين نجد دحلان يتقدم بشكل ملحوظ (من 3.8% عام 2010 إلى 15% حالياً) لكنه وحسب المؤشرات السابقة، فإنه لم يصل درجة المنافسة في معركة الفوز والخسارة.

تساؤلات مشروعة:

1.   هل يعاقب الشعب فتح وحماس في الانتخابات القادمة، كما عاقب فتح في الانتخابات السابقة؟

2.   إذا فازت حماس في ظل الرفض الدولي للأحزاب الاسلامية هل سيؤدي هذا إلى تغيير شكل الحكم في فلسطين لتصبح المكانة السياسية لرئيس وزراء مقبول دولياً، والمكانة الفخرية هي لمنصب الرئيس الحمساوي "المنتخب"؟؟؟

3.   إذا قدر أن تتوحد فتح خلال الانتخابات وفي ظل وجود حزب منافس قوي يتمثل في حماس، فإنها ستفوز بفارق بسيط وقد تخسر بفارق بسيط، فهل ستتوحد؟

4.   إذا شغر منصب الرئيس، فإن القيادات الطموحة لهذا المنصب ستعمل أكثر خلال الفترة الانتقالية والتي قد تمتد من ستة شهور إلى سنوات، فهل هي مستعدة؟ 

5.   مع شغور المنصب يتوقع اجراء انتخابات المجلس الوطني والمؤتمر السابع، وستكون النتيجة رئيساً لفتح وآخر لمنظمة التحرير فزمن الرجل الواحد انتهى!

6.     مع هذا الشغور هل تعصف الخلافات الداخلية خلال الفترة الانتقالية إلى درجة تحويل الصلاحيات إلى رئيس الوزراء والذي قد يكون د. الحمد الله وقد لا يكون حسب الرغبة الدولية؟

الشعب يريد التغيير

رغم ظلال الهبة الشعبية والخلافات الفتحاوية والانقسام الداخلي إلا أن 56% من عينة استطلاع اوراد متفائلون بمستقبل فلسطين، والغالبية مع اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، هذا مع وعي الفلسطينيين وبنسبة 54% بأن حلم الدولة الفلسطينية أبعد من ذي قبل، فلا حلول سحرية في ظل الاحتلال، لكنهم يريدون التغيير وأن تدار حياتهم بشكل أفضل.



ويسألونك عن "الربيع العربي

عريب الرنتاوي

تاريخ النشر : 2016-01-17
 
ويسألونك عن "الربيع العربي"بقلم: عريب الرنتاوي
تميزت الذكرى الخامسة لاندلاع شرارات الربيع العربي، بكثير من "البكائيات" و"المراثي"، من نائحٍ على الربيع الذي انقلب خريفاً، إلى مروّج نشط لـ "نظرية المؤامرة" و"المخططات مسبقة الصنع"، إلى إحصائي، يجمع كل شاردة وواردة عن الخسائر التي ألمّت بالأمة، بفعل "ربيعها" ... حتى أن كثيرين أخفقوا في محاولاتهم إخفاء نبرة الحنين إلى الماضي، ولولا بقايا "حرج"، لقالوا "سقا الله أيام مبارك وبن علي وصالح والقذافي".

نسي هؤلاء، أو أنستهم التطورات الدامية التي شهدتها السنوات الخمس الفائتة، أن ثورات الربيع العربي، لم تكن "خياراً" بل "ضرورة"، أملتها عقود الركود والاستنقاع المديدة والمريرة، التي اكتوت شعوب الأمة خلالها، بنيران الفساد والاستبداد والتهميش والتخلف والتبعية والفشل في مختلف مناحي التنمية وميادينها ... نسي هؤلاء أو تناسوا، أن "عرب ما قبل الربيع" قبعوا واستقروا في أسفل حواشي كتب التاريخ والحاضر والمستقبل ... نسي هؤلاء أو أنستهم الأحداث المتسارعة، أن جيلاً كاملاً من الحكام العرب، كان يُعد العدة لنقل السلطة بالتوريث إلى جيل الأبناء "الطائشين"، الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، من عدي وقصي في العراق، إلى باسل وبشار في سوريا، مروراً بسيف الإسلام والساعدي في ليبيا، عطفاً على أحمد علي عبد الله صالح في اليمن، من دون إغفال مسلسل التوريث في مصر، والدور الذي اضطلع به الثنائي علاء وجمال مبارك، والأنسباء والأصهار في تونس، الذين جمعوا المجد من طرفيه: المال والسلطة.

والأصل، أن خروج ملايين المواطنين الغاضبين إلى الشوارع والميادين، في تظاهرات سلمية، تحوّلت معها ساحات التحرير (القاهرة) والتغيير (صنعاء) والحبيب بورقيبة (تونس) ودورا اللؤلؤة (المنامة)، إلى أيقونات عالمية، ما كان يستدعي أو يستجر بالضرورة كل هذه الخسائر والويلات التي ألحقت بشعوبنا ومجتمعاتنا ... لكن "التآمر" على الربيع العربي من جهة، وتكالب الأنظمة المستبدة في الدفاع عن حصونها وقلاعها من جهة ثانية، ومحاولات امتطاء صهوة الشوارع العربية الغاضبة من قبل قوى دينية متطلعة للتمكين من جهة ثالثة، واصطراع الأجندات الإقليمية والدولية في المنطقة وعليها من جهة رابعة، كل ذلك، أسهم في إغراق المنطقة، ببحر من الصرعات والحروب الأهلية وموجات الإرهاب المتعاقبة، ما أفضى إلى كل ما شهدنا وعرفنا من أزمات وكوارث وويلات.

لقد أخطأنا إذ ظننا أن الثورات المليونية كفيلة بإحداث التغيير المُشتهى في غضون بضعة سنين، وأن سلمية الثورة في جميع البلدان التي انطلقت فيها ومنها، هي الضامن للانتقال الديمقراطي، السلس والسلمي والتوافقي ... وإذ قدّر بعضنا أنه يتعين على المجتمعات أن تدفع أثماناً لا يُدّ للانتقال من الاستبداد إلى الحرية، إلا أن أحداً لم يخطر بباله، أن تكون كلفة هذا الانتقال، باهظة إلى هذا الحد، لم يتخيل أحد، أن طريق المجتمعات إلى الحرية والديمقراطية، سيكون شاقاً ومريراً وطويلاً على النحو الذي تبين لنا بعد عام أو عامين على إضرام البوعزيزي النار بنفسه... لم يتوقع أحد أن تقابل الثورة السلمية، ومنذ أيامها الأولى، بالحديد والنار، لا في اليمن ولا في سوريا وليبيا.

لم ندرك تمام الإدراك، حجم الخراب الذي ألحقته أنظمة الفساد والاستبداد الراكدة، ببنية الدولة والمجتمع العربيين على حد سواء، ظننا أن الخراب مقيم في "البنى الفوقية" لمجتمعاتنا ودولنا، ولم نتلمس حجم الخراب الذي تراكم في "بناها التحتية" ... تحدثنا عن "فشل دولة ما بعد الاستقلالات"، ولم نتوقف طويلاً أمام عمليات التجريف والتجويف، المنهجية المنظمة، التي شنتها نظم الفساد والاستبداد على نخبنا السياسية والثقافية والأكاديمية، بحيث لم تُبق احزاباً سياسياً (غير الحزب القائد) ولا منظمات مجتمع مدني ولا قضاء نزيه أو إعلام مستقل ... أنظمة اختزلت الشعب بالطبقة الحاكمة، والطبقة بحزبها، والحزب بالعائلة، والعائلة بـ"ربها"، القائد/ الضرورة، ومن بعده انجاله، بعد مرحلة انتقالية، لعب فيها الأشقاء وأبناء العمومة والخؤولة، دوراً مركزياً بانتظار "نضج" الأبناء، من وطبان وبرزان، إلى جميل ورفعت، مروراً بقذاف الدم وأركان بيت الأحمر وآل مخلوف وآل الطرابلسي والقائمة تطول.

ولم نتعرف على حجم الأطماع الخبيثة في النوايا الخبيئة لدول جوارنا الإقليمي، حتى بدأت أحوالنا بالانكشاف ... إيران، دولة المركز الشيعي، تسعى في جعل الشيعة العرب، رؤوس جسور لنفوذها ... وتركيا تجد في موجة الربيع وصعود الإخوان وانهيار سوريا، بوابة لإعادة انتاج "عثمانية جديدة"... وإسرائيل، الجار المزروع بقوة الحديد والنار، تسعى في تعميم "النكبة" على مختلف الأقطار والأمصار العربية، وحتى إشعار آخر.

حتى إذ انهار المبنى بسقوط "حجر سنمّار" أو انتزاعه من مكانه "السرّي"، تحولنا إلى شيع وقبال متحاربة، يقتل بعضنا بعضاَ على "الهوية"، لنفاجئ بأن هوياتنا الوطنية الجامعة والجمعية، لم تكن سوى سراب وخيوط دخان، وأن وظيفتها تكاد تختزل بكونها مادة دسمة لـ "الأغاني والأناشيد الوطنية" المصحوبة عادةً، بالاستعراضات العسكرية المهيبة ... فالزعماء الملهمين، لم يتركوا وراءهم سوى "العشيرة" و"الطائفة" و"المذهب" ... ولم يخلفوا بعد هبوطهم الاضطراري عن مقاعدهم الوثيرة، سوى القصور والسجون والمساجد والحسينيات ودواوين العشائر ومجالس الطوائف والمذاهب.

والحقيقة أن المتأمل في جذر "الإعاقة المزمنة" التي أصابت مجتمعاتنا، يجد أنها تمتد إلى "ما قبل مرحلة الاستقلالات"، فنحن أمة أخذتها "الحداثة" على غير استعداد منها، وهي الخارجة لتوها من ربقة الاستعمار الغربي و"مشرط سايكس – بيكو" و"لغم بلفور" مطلع القرن الماضي، وقبلها عقود الذل والتخلف العثمانية، خصوصاً في سنوات الرجل المريض، لتأتي "الاستقلالات" بأنظمة الجنرالات والانقلابات العسكرية، التي قطعت الطريق على "النهضة والأنوار"، وأدخلت المدينة العربية منذ مطلع النصف الثاني من القرن الفائت، في مرحلة مديدة من "الترييف"، لتعقبها في المنقلب الأخير من سبيعنياته، مرحلة طويلة هي الأخرى، من "البدونة" المصاحبة لثورة النفط والسلفية التي هبت رياحها الصفراء من عمق الصحاري والرمال.

ويسألونك بعد ذلك عن الربيع العربي ... بل ويمضون حتى نهاية الشوط في تدبيج بيانات النعي لثورات الشوارع العربية وانتفاضاتها، مع أن جذوتها لم تنطفئ بعد، وهي تتنفس اليوم في شوارع القدس والخليل وغزة، مثلما استعادت بعضاً من روحها في حراك بغداد وبيروت الشبابي المدني قبل أشهر، والمؤكد أن الشعوب التي غادرت "ثقافة الخوف" و"الاسترقاق"، لن تعود إلى سكونها وسكينتها قبل أن تنتزع حقوقها التي عرفتها وتعرفت عليها... وإن بعد حين... وإن بثمن مكلف... وأن بخطوة للأمام وخطوة للوراء.



الحاشية المحيطة بآية الله الخميني من المتطرفين هم الذين تخلصوا من الإمام الصدر


كشف باحث إيراني كبير ظل لسنوات صديقاً شخصياً للإمام موسى الصدر خلال سبعينيات القرن الماضي، كشف أن الحاشية المحيطة بآية الله الخميني من المتطرفين هم الذين تخلصوا من الإمام الصدر، ليضمنوا استيلاءهم على الحكم في إيران واستمرارهم فيه، وهو ما حدث فعلاً في صيف العام 1978 عندما اختفى الصدر في ليبيا مع اثنين من مرافقيه.
وقال الدكتور علي نوري زادة، وهو صديق شخصي للصدر ويرأس مركز دراسات متخصصاً في الشؤون الإيرانية في لندن، إن الصدر كان أول من استشعر خطر وصول المتطرفين إلى الحكم في إيران أواخر سبعينيات القرن الماضي، وأجرى اتصالات سرية مع الشاه محمد رضا بهلوي، وهو ما علم به الخميني ومن حوله، فقرروا التخلص من الصدر الذي كان يشكل خطراً عليهم وعلى طموحهم بالاستيلاء على الحكم في إيران، وهو ما تم بالفعل بالتواطؤ مع نظام القذافي في ليبيا الذي كان على علاقة سيئة مع نظام الشاه في إيران.
وأوضح زادة في مقابلة خاصة مع “العربية.نت” إنه كان في سبعينيات القرن الماضي يتردد على بيروت ويقيم في منزل الصدر شخصياً، وأنه يعلم بالاتصالات التي جرت بين الصدر والشاه، مشيراً إلى أن واحدة من الرسائل وصلت إلى الخميني بدلاً من الشاه نتيجة خيانة ما حدثت، وعندها قرر الخمينيون في إيران التخلص من الصدر الذي يشكل خطراً عليهم، ومنافساً للخميني في البلاد.
وتأتي هذه المعلومات لتؤكد ما نشرته “نيويورك تايمز” قبل أيام والذي سيظهر في كتاب جديد سيصدر في الولايات المتحدة للكاتب الأميركي البروفيسور أندرو سكوت كوبر، وهو الكتاب الذي سيثبت كيف أن الخميني هو الذي تخلص من الصدر، وأن القذافي لم يكن سوى منفذ للعملية، لكن الكاتب الأميركي يقول إن الصدر تم قتله في ليبيا ومن ثم وضع في تابوت خرساني وألقي في وسط البحر الأبيض المتوسط، بينما يقول زادة إن القذافي وضع جثة الصدر في بركة من الأسيد وقام بتذويبها حتى أصبح أثراً بعد عين.
اختفاء مريب
وكان الصدر سافر إلى ليبيا في أغسطس من العام 1978 وفي 31 من ذلك الشهر شوهد آخر مرة في مطار طرابلس وهو يهم بالمغادرة، حيث يزعم نظام القذافي منذ ذلك الوقت أن الصدر ومرافقيه الاثنين غادروا ليبيا إلى إيطاليا، بينما تنفي إيطاليا أن يكونوا قد وصلوا مطارها أو دخلوا أراضيها، ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر أي منهم، كما لم يتم العثور على أي جثة لهم.
الدكتور علي نوري زادة
الدكتور علي نوري زادة
ويوضح زادة ملابسات رحلة الصدر الأخيرة إلى ليبيا بقوله إن “القذافي أرسل مبعوثاً خاصاً إلى لبنان من أجل دعوة الإمام الصدر لزيارة ليبيا وحضور احتفالات ثورة الفاتح من سبتمبر، لكن الصدر فوجئ بمعاملة سيئة في ليبيا فقرر المغادرة قبل بدء الاحتفالات، مشيراً إلى أن رجال القذافي اصطحبوا الصدر من الفندق الذي يقيم فيه بطرابلس إلى المطار حيث شوهد هناك لإجراءات المغادرة، ومن هناك تم اختطافه وإعدامه مع مرافقيه الاثنين.
أما ما يؤكد تورط حاشية الخميني بالتدبير للتخلص من الصدر فهو – بحسب زادة – أنه منذ وصول الخميني إلى الحكم وسقوط الشاه في إيران لم يعد النظام في إيران يطالب ليبيا بمعلومات عن الصدر، بل تلقى الخمينيون أموالاً وأسلحة من نظام القذافي مقابل إغلاق ملف الصدر وسكوتهم عن اختفائه.
إحراق سينما “ريكس”
وأضاف زادة في حواره مع “العربية.نت”: “قصة غياب الإمام موسى الصدر تعود إلى مرحلة دقيقة من الثورة الإيرانية، فنحن نتحدث عن مرحلة ما بعد إحراق سينما “ريكس” مباشرة، حيث كان الإمام موسى الصدر على علم بمن هو وراء هذه الجريمة، حيث كان في تلك الفترة ثمة دعاية موجهة ضد النظام في إيران وتتهم جهاز الاستخبارات الإيراني (السافاك) بالقيام بإحراق السينما، بينما كان يعلم الصدر بمن وراء العمل، فأرسل رسالة إلى السفير الإيراني في السعودية السيد جعفر الرائد وأبلغه بأنه يعرف من قام بهذه الجريمة، وقال له إن هؤلاء لن يتوقفوا عن أعمالهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى السلطة، ولم يذكر حينها اسم الخميني، وإنما حاول الاتصال مع الشاه”.
ويقول زادة: “كان الصدر على صلة وثيقة مع الحكومة في إيران، ولكن حصل خلاف بينهما، والسبب وراء ذلك أن سفير إيران في بيروت بتلك الحقبة كان ضابطاً في الاستخبارات الإيرانية اسمه منصور قدر، وهذا الرجل كان معارضاً للإمام الصدر، حيث سافر الصدر إلى إيران وقابل الشاه وطلب منه إنشاء مستشفى ومعهد للشيعة في جنوب لبنان، فوافق الشاه على تحويل مليوني دولار إلى لبنان لتنفيذ المشروع، وعندها بدأ السفير المماطلة في تسليم المبلغ للإمام الصدر من أجل استكمال المشروع، وبعد ذلك اشتكى الإمام الصدر وامتنع عن قبول المال”.
ويتابع زادة: “كان في السفارة الإيرانية ببيروت رجل متعاطف مع الصدر، وهو رجل معروف ويقيم في فرنسا الآن واسمه معين زادة، حيث أتى به الصدر وسلمه رسالة إلى الشاه كان مضمونها: “يا جلالة الشاه: أنا أستطيع أن أتوسط بينكم وبين المعارضة، وقادة الجبهة الوطنية كلهم أصدقائي، عليكم تشكيل حكومة وحدة وطنية بزعامة مهدي بازركان، وأنا سوف أشجع معارضيكم مثل قطب زادة، وشمران، أن يعودوا إلى إيران وأن يساعدوكم”.
تسليم الرسالة لجماعة الخميني
وبحسب الدكتور علي زادة فإن الوسيط تسلم الرسالة من الصدر وسافر بها إلى إيران، لكن رئيس الاستخبارات الإيرانية آنذاك الجنرال مقدم أخذ منه الرسالة لتسليمها إلى الشاه، لكنه بدلاً من تسليمها إلى الشاه، سلم نسخة إلى جماعة الخميني في إيران.
ويقول زادة إنه “على الرغم من التقارب العائلي بين الخميني والصدر، حيث إن ابن الخميني متزوج من ابنة أخت موسى الصدر، إلا أن الخميني وحاشيته شعروا بأن الصدر سوف يكون حائلاً بينهم وبين الحكم في إيران، وبدا واضحاً حينها أن الصدر يستطيع أن يفعل شيئاً، بما في ذلك إنقاذ نظام الشاه بتشكيل حكومة وحدة وطنية وحل البرلمان وإجراء انتخابات حرة، وكان الشاه سيوافق حينها بالتأكيد على مبادرة الصدر لأنه لم يكن في وضع يسمح له بغير ذلك”.
ويتابع زادة حديثه لــ”العربية.نت”: “جماعة الخميني – ولا أقول الخميني نفسه – جميعهم كانوا أعداء للصدر، وكان من بينهم من هو على علاقة جيدة بالقذافي، وعلى رأسهم رجل اسمه جلال الدين الفارسي.. والفارسي هذا كان ببيروت يتزعم خلية من الثوار الإيرانيين الذين تلقوا تدريبات في معسكرات المقاتلين الفلسطينيين، وجلال الفارسي كان زعيماً لكتيبة تدعى (كتيبة الفارسي)، وقد أصبح لاحقاً عضواً في البرلمان، وقد تم تكليفه بترتيب زيارة الصدر إلى ليبيا، حيث كانت علاقة الصدر سيئة جداً مع القذافي، لأن موقفه في الحرب الأهلية اللبنانية كان ضد المجموعات المرتبطة بالنظام الليبي”.
“الإمام اختفى.. والخميني انتصر”
كما يلفت زادة إلى رجل آخر كان قريباً من القذافي ويُدعى محمد صالح الحسيني، وهو عراقي من أصول إيرانية، وهذا الرجل سافر مع جلال الفارسي إلى ليبيا وتحدثا إلى القذافي بشأن ضرورة إخفاء الصدر، في الوقت الذي كان معروفاً كم كان القذافي يكره الشاه وكان بينهما عداء كبير.
وينتهي الباحث الإيراني زادة إلى القول: “الإمام اختفى، والخميني انتصر، وكان الجميع يتوقعون أن يكون أول شيء يفعله الخميني أن يذهب مع من يدعون أنهم ثوار للتحقيق في مصير الصدر بليبيا، لكن ما حدث أن رجال القذافي ذهبوا إلى ليبيا فقبضوا الأموال من القذافي وعادوا إلى طهران ليصدروا أمراً بمنع الكتابة في قضية الصدر أو الحديث بها في وسائل الإعلام، لا بل نشروا الكثير من المقالات والتقارير التي تحاول تشويه صورة الصدر”.
كما لفت زادة إلى أن نظام الخميني حصل على 40 صاروخاً من طراز “سكود” أيضاً، إضافة إلى الأموال من أجل إغلاق ملف الصدر بشكل كامل.