كتب غازي مرتجى
تشتعل الهبة الجماهرية يوماً بعد الآخر حتى أصبح خيار استمرارها وتصاعدها لتتحوّل إلى انتفاضة شاملة مطروحاً على الطاولة لكن نسبة تحققه من عدمه تعتمد فقط على "إسرائيل" .
فإسرائيل التي استفادت كثيراً من الانتفاضة الثانية -الأقصى- ستحاول الاستفادة بلا شك من الهبة الحالية أو كما يحلو تسميتها للبعض "انتفاضة القدس" .. عندما أقامت اسرائيل جدار الفصل العنصري في بدايات الانتفاضة وكان المخطط مرسوم منذ فترة في أروقة الحكم الاسرائيلية وعندما جاء وقت تنفيذه بحجة العمليات التفجيرية واشتعال الانتفاضة لم تجد إسرائيل من يقف بوجهها في العالم وأنجزت مخططها الأول لتبدأ بعدها مباشرة بعملية فصل عنصري بين شطري الوطن ونجحت ولا تزال مآسي الانتفاضة الثانية قائمة إلى حينه .. مع عدم نسيان ما أنجزته الانتفاضة في بعض المجالات المحددّة .
في هذه الهبّة وإن استمرت دون مرجعية معروفة كما هو حاصل حالياً - نوعاً ما - ودونما أي هدف مرسوم فإن نسبة الاستفادة الاسرائيلية من هذه الهبة ستكون أعلى , بتقديري فإن ما تُخطط له إسرائيل أبعد بكثير من تأصيل قرارها بالتقسيم المكاني والزماني للأقصى ليصل إلى طرد بعض العرب المتواجدين في الداخل .
هنا يجب التفريق بين عرب الداخل "48" وعرب 67 , ففلسطينيو الـ48 هم مواطنون إسرائيليون يحظون -ولو صُورياً- على مزايا المواطن الاسرائيلي , أما عرب 67 فهم تائهون بين "حانا ومانا" مع بعض تسهيلات العمل التي تقدمها لهم اسرائيل مقابل الضغط المُضاعف في قضايا أخرى "كإيجار السكن والبناء والعمل بأماكن محددة .. إلخ" .
المخطط الاسرائيلي البعيد والذي يُروج له نتنياهو وتبنّت رؤيته أمريكا هو فرض "يهودية الدولة - قومية الدولة" وهو القرار الذي يعني أن كل من غير يهودي غير مرحب به في إسرائيل .. وقبل أن تعمل إسرائيل على انفاذ قانونها حاولت بعدة أساليت ترويض العرب في الداخل إلاّ أن كل معترك ومأزق للقضية الفلسطينية تجد الروح الوطنية العروبية الفلسطينية تجري في عروقهم ويكون لهم الدور الأبرز في إجهاض أي مخططات ضد القضية الفلسطينية .. هؤلاء تسعى إسرائيل بلا شك إلى "طردهم" لتستطيع تطبيق ما تصبو اليه من اعلان يهودية الدولة .
دأبت في الآونة الأخيرة اسرائيل بتشبيه أبناء القدس بداعش وتنشر بعض فيديوهات "الطعن" في محاولة لتبرير عمليات الاعدام بدم بارد التي ينفذها جيشها ليل نهار هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى تقول للعالم :"هل تقبلون بمواطنين في دولتكم يقاتلون مواطنيكم بالسكاكين ؟ " وهي بهذه الرواية المزعومة تستطيع عبر ضعف ذراع القيادة الديبلوماسي ممثلاً بغالبية السفارات وكذلك ضعف الماكينة الاعلامية الفلسطينية ستتمكن إسرائيل من فرض هذه الرواية على معظم الدول في العالم لتجييش الرأي العام العالمي ضد ما يقارب من 400 ألف فلسطيني يعيشون بعد جدار الفصل "عرب 67" كما أسلفنا في وصفهم سابقاً .
كعادتها تستغل إسرائيل ما يثير الرأي العام العالمي المُتحد حالياً في محاربة إرهاب داعش لتصف الفلسطينيين بهذه الصفة ولم تكتف بذلك بل قام رئيس حكومتها "نتنياهو" بوصف الرئيس بأنه داعش .
المرحلة الأولى من المخطط الاسرائيلي سيتم تنفيذه فور شعور اسرائيل بأنّ العالم لن يضغط باتجاهها في حال قررت ترحيل وسحب "شبه الجنسية" الممنوحة لعرب الـ67 وهي بذلك تكون قد انتهت من "ثلث" مشكلتها في اعلان يهودية الدولة ويتبقى المهمة الأصعب لتصبح دولة يهودية دون أي شواغر بالعمل على طرد فلسطينيي 48 .
في "بروفا" لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو تحدث الأحد أن اسرائيل لن تسمح بأن ينتمي أحد من مواطنيها لداعش وذلك على خلفية هروب أحد فلسطينيي 48 الى سوريا بطائرة شراعية للانضمام لداعش , وفي تصريحه اعلن نتنياهو انه سيقوم بسحب الجنسية الاسرائيلية عن الفلسطيني الهارب بزعم الانضمام لداعش .
التفكير للأمام يُعطينا هامشاً من التخطيط وحرية في القرار , والقرار المُتأنّي دوماً سيكون أنجع من قرار اللحظة ومُجاراة العاطفة .
إن نجاح الهبة الشعبية مرتبط بشيء واحد فقط وهو تحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح فوراً ودون أي تأخير بدلاً من استنزاف الطاقات الداخلية الفلسطينية في مناكفات لا تُغني ولا تُسمن وعلى التوازي يُخطط حُكام اسرائيل لشكل دولتهم اليهودية .
الرهان على نجاح الهبة الجماهيرية مطلوب , لكن في البداية يجب أن يُحدد لها أهدافاً معروفة ومُعلنة بدلاً من حالة "اللعم" الحالية والتي تُشتّت الجهد الشعبي الشبابي دون أدنى شك .
**
نشر ت وكالات الانباء العبرية أنّ منفذ عملية بئر السبع اتصل بعناصر من حماس قبل تنفيذه العملية , في ذات السياق نفى موقع واللا الاستحباري الاسرائيلي ان تكون حماس تنوي تنفيذ عمليات تفجيرية في الداخل , لكن صحف عبرية وقنوات التلفزة تشير الى يد طُولى لحماس في ارسال منفذي عمليات الطعن الى الحواجز .. وخبر غريب نشرته منتديات وقيسبوك اسرائيلي -غير مؤكد- أنّ منفذي عمليات الطعن يوم الاحد (25.10) ارتدوا ملابس حاخامات اسرائيلية لعدم تمييزهم والتعرف عليهم وهو ما ساعد احدهم على الهرب , وفي حال تأكدّ ذلك فهذا يعني أن "جهة مُنظمة" سواء كان تنظيماً أو شخصية تقف خلف إرسال منفذي عمليات الطعن وهو يعني بلا شك أنّ الهبة العفوية الشعبية بدأت تتحول تدريجياً نحو انتفاضة قد تكون غير محسوبة النتائج .
***