السبت، 26 أبريل 2014

السلفيون في مصر… خلطة وهّابية «إخوانيّة»

السلفيون في مصر... خلطة وهّابية «إخوانيّة»
فؤاد عيتاني

تشكّلت الجماعة إسلامية في الجامعات المصرية وراحت تدعو إلى الجهاد، «الفريضة الغائبة»، عن حياة المسلمين لإقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم الانطلاق لإعادة الخلافة الإسلامية من جديد. ويطلق عليها إعلاميّاً اسم «جماعة الجهاد»، إلاّ أنها تختلف عن جماعات الجهاد لنواحي الهيكل التنظيمي وأسلوب الدعوة والعمل بالإضافة إلى بعض الأفكار والمعتقدات.
العناصر والتأسيس
انطلقت الجماعة الإسلامية مطلع السبعينات على شكل جمعيات دينية داخل الجامعات، إبان فترة ركود الحركة الإسلامية، لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة في محيط الطلاب. ومع ذلك، كانت فقيرة العدد، ضعيفة الجهد يوم كانت تسيطر الاتجاهات الماركسية والقومية الناصرية على الحياة الجامعية، خاصة في جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط. فنمت داخل الكليات الجامعية، واتسعت قاعدتها، وتطور مفهومها ونظرتها إلى العمل الإسلامي، فاجتمع نفر من القائمين على هذا النشاط واتخذوا اسم «الجماعة الإسلامية» ووضعوا لها بناءً تنظيميًّا يبدأ من داخل كل كلية لناحية وجود مجلس للشورى على رأسه أمير وينتهي بمجلس شورى الجامعات وعلى رأسه «الأمير العام» أمير أمراء «الجماعة الإسلامية».
في أعقاب حرب رمضان أكتوبر 1973 اتخذ العمل الإسلامي داخل الجامعات المصرية بُعداً أوسع واستطاعت «الجماعة» قيادة الحركة الطالبية، والفوز بثقة الأغلبية الصامتة من الطلاب في الاتحادات الطالبية، في معظم الجامعات المصرية، فازدادت وتعددت أنشطة «الجماعة» الثقافية والتربوية من اللقاءات والندوات والمعسكرات، بل ازداد الاهتمام بحلول المشاكل الاجتماعية للطلاب وتعدى الأمر أسوار الجامعات فازداد الاهتمام بمشاكل المجتمع كافة.
عام 1977 انشقّت بعض قيادات «الجماعة» وانضموا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي عاد نشاطها في ذلك الوقت، ما أدى إلى ولادة «تيار للجماعة الإسلامية» يمثله «الإخوان» في بعض كليات جامعتي القاهرة والاسكندرية، لكنه قليل العدد، محدود التأثير، في حين أن التيار الآخر للجماعة الإسلامية والأكثر عدداً وتأثيراً يمثله التيار السلفي، وكان مستحوذاً على الجامعات كلّها تقريباً واستطاع «تحجيم نفوذ النصارى» حسب تعبير الجماعة.
كانت لـ«الجماعة» العديد من المواقف السياسية، أبرزها موقفها من معاهدة كامب ديفيد حينذاك وزيارة الشاه وبعض وزراء الكيان الصهيوني لمصر، فأقامت المؤتمرات والمسيرات ووزعت المنشورات خارج أسوار الجامعة للتنديد بذلك والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ما أدى إلى تدخل الحكومة في سياسات الاتحادات الطالبية، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب تعرف بلائحة 1979 التي قيّدت الحركة الطالبية. وازداد الضغط الإعلامي والأمني على قيادات الجماعة واشتدت مطاردتهم في جامعات الصعيد بخاصة، إذ اعتقلت بعض قيادتهم وفصائلهم.
عام 1979 التقى كرم زهدي عضو مجلس شورى «الجماعة» بالمهندس محمد عبد السلام فرج العضو في أحد فصائل تنظيم الجهاد وعضو مجلس شورى «الجماعة» في ما بعد وواضع كتاب «الفريضة الغائبة» الذي عرض على كرم زهدي فكر الجهاد، وأن الحاكم كفر وخرج على الملة فوجب الخروج عليه وخلعه وتغيير النظام، وأن لتنظيمه تشكيلاته المتفرعة، ثم عرض عليه فكرة اشتراكهم مع التنظيم للتخطيط لإقامة الدولة الإسلامية، فعرض كرم زهدي الفكرة على مجلس شورى «الجماعة» في صعيد مصر الذي يترأسه الدكتور ناجح إبراهيم، فوافق المجلس على أن يكون هناك مجلس شورى عام ومجلس شورى القاهرة، وعلى أن يتولى إمارة «الجماعة» أحد العلماء العاملين الذين لهم مواقفهم الصلبة ضد الطاغوت، فكان الدكتور عمر عبد الرحمن، فأقرّ تشكيل الجناح العسكري وجهاز الدعوة والبحث العلمي والتجنيد وتطبيق القوانين الإسلامية وجهاز الدعم اللازم للحركة في مجالاته المتعددة. ومنذ تلك الساعة انفصلت «الجماعة» عن توجهات التيار السلفي في الدعوة بشكل عام تحت مسمى «الجماعة الإسلامية».
اختير الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن أميراً لـ«الجماعة». وهو أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، فرع أسيوط، وسبق اعتقاله خلال حكم القائد الراحل جمال عبد الناصر، واتهم لاحقاً في قضية قتل السادات وبتهمة إمارة «الجماعة» تنظيم الجهاد والإفتاء بحل دم السادات، إلاّ أن المحكمة برأته ممّا نسب إليه وبرأته كذلك من قضية الانتماء إلى تنظيم الجهاد، ومن ثم واصل نشاطه في الدعوى، متنقلاً بين المحافظات، مشاركاً في المؤتمرات والندوات، عارضاً فكرة الجماعة، محمساً الشباب للجهاد والخروج على نظام الحكم، ما أدى إلى اعتقاله العديد من المرات وتحديد إقامته في منزله في الفيوم بعدما اتهم بالتجمهر وتحريض المصلين على التجمهر عقب صلاة الجمعة، لكن محكمة أمن الدولة برأته أيضاً مما نسب إليه وحفظت القضية وأخيراً استطاع السفر إلى أميركا ليقيم في ولاية نيوجرسي حيث الكثير من اتباعه، وينسب إليه: الفتوى بقتل فرج فوده، ضرب حركة السياحة في مصر، تفجير مركز التجارة العالمي و حكم عليه بالسجن في أمريكا بسببه.
في 6 تشرين الأول 1981 وبعد حادث اغتيال أنور السادات ظهرت «الجماعة» على الساحة بقوة إذ قام الجناح العسكري لـ«الجماعة» بقيادة الملازم أول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي مع زملائه عبد الحميد عبد السلام الضابط السابق في الجيش المصري والرقيب متطوع القناصة حسين عباس محمد بطل الرماية وصاحب الرصاصة الأولى القاتلة، والملازم أول احتياط عطا طالي حميدة رحيل، بقتل أنور السادات أثناء احتفالات انتصارات أكتوبر في مدينة نصر في القاهرة ونسب إلى «الجماعة» الإعداد لخطة تستهدف إثارة القلاقل والاضطرابات والاستيلاء على مبنى الإذاعة والتلفزيون والمنشآت الحيوية في محافظات مصر. في تلك الأثناء، وخلال الحوادث، قبض عليهم جميعاً، وقدموا إلى المحاكمة التي حكمت عليهم بالإعدام رمياً بالرصاص، كما نفّذ الحكم في زميلهم المهندس محمد عبد السلام فرج واضع كتاب «الفريضة الغائبة» بالإعدام شنقاً، أما المقدم عبود عبد اللطيف الزمر، الضابط في سلاح المخابرات الحربية وعضو تنظيم الجهاد في القاهرة الذي انضم حديثاً إلى الجماعة الإسلامية بعد إزالة الخلافات في بعض وجهات النظر داخل سجن ليمان طره، الذي اعترض أولاً على خطة قتل السادات لعدم مناسبة الوقت، إلاّ أنه وافق أخيراً عليها لظروف خاصة، وحكم عليه في ما عرف بقضية تنظيم الجهاد، أربعين سنة سجناً بعد تدخل من جمعيات أميركية لمنع إعدامه!
في 8 تشرين الأول 1981 هاجم بعض أفراد الجناح العسكري لـ«الجماعة» الإسلامية مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة ودارت بينهم وبين قوات الأمن المصرية معركة حامية قتل فيها العديد من كبار رجال الشرطة والقوات الخاصة وانتهت بالقبض عليهم وفي مقدمهم الدكتور ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعصام دربالة، فحكم عليهم في ما عرف آنذاك بقضية تنظيم الجهاد، أشغالاً شاقة مؤبدة 25 عاماً.
مطلع عام 1984، وبعد الإفراج عن الكثير من أعضاء الجماعة من غير المتهمين في قضايا التنظيم، أعيد تنظيم الجماعة برئاسة محمد شوقي الإسلامبولي ومن ثم زاد نشاطها في الدعوة إلى الله في المساجد ومن خلال اللقاءات والندوات والمعسكرات، وبخاصة بين الشباب والتلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات، في معظم محافظات مصر، مستغلة الكَسب الإعلامي لحوادث 1981، داعية إلى الخروج على الحاكم وقتال الطائفة الممتنعة عن إقامة شرائع الإسلام، ودفع ذلك قوات الأمن المصرية إلى الصدام الدائم معهم وإلقاء القبض على الكثير منهم وتعرضهم للتعذيب والتضييق الشديد، بل وصل الأمر إلى استخدام سياسة التصفية الجسدية ضدهم، ما أوجد بين أفراد الجماعة ردود فعل عنيفة راح ضحيتها الكثير من ضباط الشرطة وجنودها وآخرين.
كان للجماعة دورها في الجهاد الأفغاني إذ قدمت العديد من الشباب على أرض أفغانستان، من أبرزهم الشيخ علي عبد الفتاح أمير الجماعة في المنيا وأصدرت الجماعة مجلة «المرابطون».
تنسب إلى «الجماعة» محاولات اغتيال بعض الوزراء ومسؤولي الحكومة والشرطة، وأبرزهم الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري السابق ودكتور فرج فوده الكاتب، ردًّا على أسلوب الحكومة في التصفية الجسدية والعقاب الجماعي لأفراد «الحركة».
الأفكار والمعتقدات
تبلورت معظم أفكار «الجماعة الإسلامية» في صورة كتب ورسائل داخل سجن ليمان طره ومن أهمها كتابة «ميثاق العمل الإسلامي»، وهو دستور «الجماعة» ويمكن تلخيص ما ورد فيه من الأفكار كالآتي:
غايتنا: رضا الله تعالى بتجريد الإخلاص له سبحانه وتحقيق المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
عقيدتنا: عقيدة السلف الصالح جملةً وتفصيلاً.
فهمنا: نفهم الإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
هدفنا: تعبيداً للناس لربهم وإقامة خلافة على نهج النبوة.
طريقنا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله خلال جماعة منضبطة حركتها بالشرع الحنيف تأبى المداهنة أو الركون وتستوعب ما سبقها من تجارب.
زادنا: تقوى وعلم، يقين وتوكل، شكر وصبر، زهد في الدنيا وإيثار للآخرة
ولاؤنا: لله ورسوله وللمؤمنين
عداؤنا: للظالمين على أن الكفر منه أكبر وأصغر وكذا الظلم منه أكبر وأصغر فيوالي من عنده ظلم أصغر على قدر ما عنده من خير، ويعادي على قدر ما عنده من ظلم
اجتماعنا: لغاية واحدة، بعقيدة واحدة، تحت راية فكرية واحدة
الفريضة الغائبة: حكم قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام حيث يعتقدون
أن الجهاد هو القتال أي المواجهة والدم، أما اقتصار الجهاد على الوسائل السلمية مثل الكتابة والخطابة والإعداد بتربية الأمة العلمية والفكرية أو بمزاحمة السياسيين في أحزابهم وأساليبهم السياسية، بل إن الاهتمام بالهجرة يعد من الجبن والتخاذل ولن ينتصر المسلمون إلا بقوة السلاح وعلى المسلمين أن ينخرطوا في الجهاد مهما قلّ عددهم».
الطوائف المنتسبة إلى الإسلام الممتنعة عن التزام بعض شرائعه تقاتل حتى تلتزم ما تركته من الشرائع، كذلك قتال من عاونهم من رجال الشرطة ونحوهم، وإن خرجوا مجبرين يقتلوا ويبعثوا على نياتهم.
يرون أنّ القتال ليس فحسب لمن داهمنا في ديارنا واستولى على جزء من أرض الإسلام، بل هو أيضاً لمن يقف بالسيف والسلطان في وجه دعوتنا رافضاً التخلية بيننا وبين الناس، ندعوهم لدين الله ونحكمهم يشرع الله لأن الاستعمار. هو العدو البعيد والحكام الكفرة هم العدو القريب فهم أولى من قتال العدو قتالاً أي طائفة على وجه الأرض تحكم الناس بغير شرع الله، فهي كافرة وإن تكن منتسبة إلى الإسلام البعيد.
بناء على ذلك، يرون حتمية المواجهة، كما في رسالتهم حتمية المواجهة للأسباب الآتية: يحكمون على الديار المصرية وما شابهها بأنها ليست بدار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون أهلها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق، ويقاتل الخارج على شريعة الإسلام بما يستحق، ولذلك لا يكفرون الأمة إنما يكفرون الحكام الذين يبدلون ويعطلون شرائع الإسلام، ولا يحرِّمون تولي الوظائف الحكومية مثل جماعة التكفير.
يوجبون الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لآحاد الرعية بمراحله الثلاث، ولكن يؤخذ عليهم في ذلك عدم مراعاة الضوابط الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وميلهم للاستعجال والقاعدة: «من تعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه».
تعارض «الجماعة» مشاركة الاتجاه الإسلامي في الحكومات العلمانية المعادية للإسلام، إذ أن هذه المشاركة تترك مفاسد كثيرة وتوقع الجماهير العريضة في الحيرة والتضليل والشك، فهي تدلل على شرعية الحكومة التي تصدر وتطبق القوانين الوضعية.
الجذور الفكرية
تُعد «الجماعة الإسلامية» القرآن الكريم والسنة النبوية مصدري أفكارها، لذا تكثر من الاستشهاد بآيات الجهاد والأحاديث التي تحث على الجهاد. كما تلجأ «الجماعة» إلى فتاوى العلماء وأبرزهم شيخ الإسلام ابن تيمية 661 728 هـ الذي ملئت كتاباتهم بأقواله وفتاواه. وتلجأ أيضاً إلى الوقائع التاريخية وأقوال العلماء أمثال ابن القيم، والقاضي عيا، وابن كثير، والنووي، وسيد قطب، لتدلل على أفكارها ومبادئها.
يؤخذ على «الجماعة» انشغالها بقضية الخروج على الحكام من دون تفريق بين مسلمهم وكافرهم ومن دون إعداد العدة لمن كفر منهم ما تسبب بقتل الأبرياء من المسلمين، والتضييق على الدعوة الإسلامية، وتبعثر الجهود الخيّرة . وتنبه قادة «الجماعة» في الفترة الأخيرة إلى سوء عاقبة مسلكهم الأول، فلعلهم بعد ذلك يُعنون بالعلم الشرعي وبنشر العقيدة الصحيحة بين العامة وتبصيرهم بالبدع والشركيان والمخالفات لتستحق الأمة بعد ذلك النصر والتمكين كما هي سنة الله.
أماكن الانتشار: تتركز القوة الرئيسة لـ«الجماعة الإسلامية» في الصعيد المصري، خاصة في محافظة أسيوط، ولها أنصار في جميع المدن والجامعات المصرية. كما انتشر كثير من أتباعها في الدول الأخرى نتيجة مطاردتهم من قبل الحكومة المصرية
يتضح مما سبق أن «الجماعة الإسلامية» تعتبر الجهاد الدواء الناجح والعلاج الناجع لإعادة الخلافة الإسلامية للمسلمين، وترى أن إقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم الخلافة، فرض عين، وتقول: إن حكام المسلمين الذين يرفضون تطبيق شريعة الله كفار يجب الخروج عليهم. ولا تكفر هذه الجماعة الأمة مثل جماعة التكفير والهجرة، وتعتقد أن الجهاد هو القتال، وهو قمة العبادة في الإسلام، أما الجهاد بالوسائل السلمية فحسب فهو جبن وغباء.
والجدير ذكره أن ثمة مجموعات أخرى عرفت باسم «تنظيم الجهاد» ودعت إلى الخروج على الحاكم بالجهاد المسلح لتغيير نظام الحكم مثل «تنظيم الفنية العسكرية» عام 1974 بقيادة صالح سرية وكارم الأناضولي، كذلك تنظيم «جهاد الإسكندرية» عام 1976، أو»تنظيم سالم الرحال الأردني» وليس لهذه التنظيمات علاقة بالجماعة الإسلامية.
البناء



المزيد .. 

سفيرنا في الصين .. صحّ النوم

سفيرنا في الصين .. صحّ النوم
تاريخ النشر : 2014-04-13
 
كتب غازي مرتجى

تُعتبر جمهورية الصين الشعبية الدولة الأكثر تأثيراً سياسياً بعد أمريكا وروسيا وإقتصادياً بعد أمريكا وربما قبلها -لكن لا نعرف- , وبها مليار مواطن بإمكانهم ليس فقط ترجيح كفّة "قضية ما" وإنما كسر الميزان أصلاً .

صديق يعمل تاجراً ويتردّد على الصين منذ سنوات يقول لي أنّه في إحدى المحطات شاهده احد المواطنين الصينيين وهو يلبس الكوفية الفلسطينية فجاءه على عجل وطلب صورة تذكارية معه وبعد حديث لم يفهم صديقي منه شيء قال له "فلسطين – ابو عمار" وأشار له بعلامة النصر .. وبدءاً بالعلاقات التجارية وبعيداً عن الصيت السيء للبضائع الصينية ليس بسبب الصين وإنما بسبب "وسع ذمة" من يستورد من الصين فإن العلاقات التجارية الفلسطينية – الصينية واسعة جداً والسوق الفلسطيني سوق مستهلك ومفيد جداً , سالت صديق آخر توجّه منذ فترة إلى الصين ليعقد صفقة تجارية كما نقول عنها بالعامية "محرزة" عن سفيرنا هناك ودور السفارة الفلسطينية في متابعة احتياجات التجار وتسهيل مهامهم فضحك صديقي بوجهي وقال لي :"ماهو اسم سفيرنا بالصين اصلاً" ؟

أتمتع بعلاقات ومعرفة جيدة بسفرائنا في بقاع الارض , وعلى الاقل من لم اتحدث معه هاتفياً وصلني خبر من الملحق الاعلامي الخاص بسفارته وتعرّفنا عليه بالصور والتصريحات , لكن سفيرنا في الصين لا أذكر أن قرأنا له خبراً واحداً , وفي الحقيقة.. لم نسمع باسمه سابقاً .

محرك البحث "جوجل" لم يعد يُخف شيئا , فقد بحثت عن سفيرنا بجمهورية الصين فوجدت خبراً يتيماً عن السفير هناك صادر قبل عام عن استقباله مجموعة من الطلبة الفلسطينيين لإحياء فعالية فلسطينية , ولم نسمع بعدها عن أي خبر للسفير ! , ربما لا يوجد سفير هناك .. ربما !

في الدول المحورية يجب أن يكون السفير الفلسطيني صاحب بصمة واضحة في البلد نفسه وفي التواصل مع اهله وقيادته في الداخل , فعلى سبيل المثال السفير الفلسطيني في روسيا فائد مصطفى يتمتع بحضور مميز ويُنسّق زيارات لشخصيات كبيرة وهامة للأراضي الفلسطينية , وبقراءتي لأحاديثه وتصريحاته أجده شخصاً ذو وعي سياسي كبير ويُمكن القول أنه وبحكم منصبه الحساس كسفير لدولة فلسطين في روسيا يُعتبر من الحلقة الأولى في القيادة الفلسطينية .

سفيرنا في مصر وفي السعودية قبلها وفي الامارات سابقاً وفرنسا وبلجيكا وحتى مكتب التمثيل في امريكا نشطوا بشكل كبير وكان لهم دور ملموس وصوت مسموع دائماً ويحفظ أسماء السفراء هناك أو من لهم لمسات واضحة على الاقل كل فلسطيني عدا عن النخبة بالطبع .

تعتبر الصين ثالث أهم دولة تستطيع تغيير مجريات الاحداث في الشرق الاوسط وبشكل خاص في القضية الفلسطينية فيما لو اقتنع حُكامها بأننا لا زلنا نُكن لهم الاحترام والتقدير , وما يثير الحزن والحنق من العمل الديبلوماسي الفلسطيني نية شركة تنوفا بيع أصولها لشركة صينية ! و"تنوفا" هي الشركة الاكبر في اسرائيل ولا تعتبر شركة اقتصادية فقط بقدر ما تحمله هذه الشركة من تاريخ مزعوم لدولة اسرائيل .. فـ"تنوفا" بدأت قبل انشاء اسرائيل بمجموعة من المزارعين بتوزيع الحليب والمواشي وبيعها حتى تحولّت اليوم إلى الشركة الاولى في اسرائيل .. وما يهمنا .. الصين ستشتري تنوفا !

تشتهر الصين بالتزامها بتوفير احتياجات مواطنيها المحلية ولا يُسجّل أن الصين تستورد اي صنف آخر سوى بعض مشتقات البترول , وفي عالم الانترنت الواسع تعتمد الصين على موقع "ويبو" كبديل عن الفيسبوك و"بايدو" كبديل عن الجوجل , وتعتبر "ويبو" هي شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بمواطني الصين الشعبية و يشترك فيها الملايين من المواطنين الصينيين .

في اسرائيل شيمعون بيريز الرئيس الاسرائيلي أنشأ حساباً على موقع "ويبو" وجمع في مدة قصيرة 50 مليون صديق ! , على الرغم من ان الصين ومواطنيها تاريخياً يقفون بجانب الشعب الفلسطيني . تخيلّوا معي الرئيس الاسرائيلي بيريز لديه 50 مليون صديق على "الفيسبوك الصيني" وسفيرنا في الصين اكاد اشك ان لديه حساباً على "ويبو" أصلاً .. بالطبع لأنّ سفيرنا يغفو في "سبات عميق" فربما تُفاجأ القيادة الفلسطينية من وجود شبكة "ويبو" أصلاً وليس من 50 مليون بيريز !

من اهم واجبات سفير فلسطين في اي دولة في العالم التعريف بالثقافة الفلسطينية والقضية الفلسطينية ومدى الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الاسرائيلي , تخيلّوا معي لو كتب "بيريز" على صفحته على " ويبو" ان شعب اسرائيل يتعرض لمجزرة صواريخ من الفلسطينيين كم ستجد من المؤيدين له . سيقول احدهم ان ذلك لن يؤثر على سياسة الدولة والحكومة فهو مخطيء , فصفحة فيسبوك تجمع 10 آلاف شخص في اي بلد  ربما تغير سياسة الدولة تماماً كما حدث في السعودية والكويت بعد انتشار صفحات تحرّض على ثورة هناك  فقرر "الملوك" منح شعوبهم مزيداً من الامتيازات ،ولاننسى هنا أوكرانيا التي انقسمت غربية وشرقية بسبب الفيسبوك.

اللوم ليس فقط على سفيرنا في الصين الذي ربما حالفه حظه ليكون سفيراً هناك , اللوم يُوجّه الى القيادة السياسية والى وزارة الخارجية التي أوّد الطلب منهم علناً تعريف الشعب الفلسطيني بأسس ومعايير اختيار السفراء في كافة البلدان وليس فقط السفراء بل كل الطاقم الديبلوماسي .. وبدلاً من "طبخات" الغرف المظلمة فليكن اختيار السفراء علناً ووفق أسس ومعايير يعرفها الجميع !

في الوضع الحالي لا يُمكننا التحدث عن خيارات فلسطينية غير تلك الديبلوماسية , وبقدر ما نملك من مهارات ديبلوماسية نستطيع زيادة النقاط التي بصالحنا على طاولة المفاوضات , ربما نُسهل من مهمة صاحب النوبات القلبية "د صائب عريقات" الذي ملّ من مراوغة الاسرائيليين ويفقد الأوراق يوماً بعد يوم .

أما بالنسبة لإسرائيل التي تعمل ليل نهار على اثبات حقها الكاذب بفلسطين ولم تترك لغة إلا تحدثت بها , وافتح على صفحتك على الفيسبوك واكتب "اسرائيل" ستجد عشرات الصفحات الخاصة بالحكومة الاسرائيلية تتحدث بالعربية وافيحاي درعي نموذجاً صغيراً وتجد عليها اعداد المعجبين تفوق صفحات القيادات والاحزاب الفلسطينية مجتمعة !

سيصف بعض "الكبار" حديثي بالترهات وسيدعّون :"كيف للفيسبوك او تويتر او ويبو او الانترنت بشكل عام" ان يغير توجهات وسياسة دول .. سأقول له انظر حولك وكيف تحولّت سوريا بسبب "عشر بوستات فيسبوك" الى حرب اهلية لن تفيق منها إلا بعد سنوات ضوئية , وكيف قهرت صفحة واحدة نظام مبارك صاحب الارث التاريخي والمدة الاطول في الحكم .. والامثلة كثيرة .

رسالتي الى الرئيس ابو مازن , ما دمنا نتحدث عن معارك ديبوماسية فأذرع الديبلوماسية لديك مكسورة وربما غير موجودة ومنها من تعفّن منذ أمد طويل , ولو بحثت ستجد العشرات من حملة الشهادات الديبلوماسية العليا والمئات من المثقفين يفترشون المقاهي ويلعبون الديبلوماسية مع اصدقائهم فقط ! كان بالامكان الاستفادة منهم لو لم يكن لدى القيادة الفلسطينيية رؤوس الديبلوماسية ممن لا يفقهون إلا بصفقات الظلام !

تنويه : الصورة التعبيرية أعلاه تُعبّر عن مدى الكثافة السكانية في الصين , وكيف يُمكن استغلال تلك الكتلة البشرية  نحتاج -1 بالألف منها- فقط .. لصالح فلسطين !

ghazi@alwatanvoice.com




هل ستشارك حماس في اجتماع المجلس المركزي؟

هل ستشارك حماس في اجتماع المجلس المركزي؟
تاريخ النشر : 2014-04-26
 
Ad by Browser Extension 
رام الله - خاص دنيا الوطن
يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية اليوم السبت اجتماعا له في رام الله، حيث من المرجح ان يتواصل هذا الاجتماع لمدة يومين.

وقالت مصادر مطلعة ان هذا الاجتماع سيبحث اجراءات الانضمام الى كافة المنظمات والمعاهدات الدولية، الى جانب بحث تشكيل حكومة "التوافق الوطني" بموجب اتفاق المصالحة الذي وقع مؤخرا، اضافة الى دراسة سبل الرد على الاجراءات والخطوات الاسرائيلية الاخيرة والمتمثلة في وقف المفاوضات ووقف تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية وغير ذلك من الاجراءات العدوانية.

والمجلس المركزي يعتبر الحلقة الوسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وله صلاحيات اتخاذ القرارات في حال غياب أو عدم انعقاد المجلس الوطني، الذي يشكل أعلى سلطة في النظام السياسي الفلسطيني.

وقد أعلن واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تصريح لـصحيفة "الأيام" أن الرئيس محمود عباس سيوجه ظهر اليوم خطابا يوضح فيه تفاصيل التطورات الأخيرة بما فيها التوصل إلى اتفاق المصالحة الفلسطيني والأزمة التفاوضية مع الحكومة "الإسرائيلية".

هل ستشارك حماس في اجتماعات المجلس المركزي؟
من جانبه أكد القيادي في حركة حماس" حسن يوسف" لدنيا الوطن أن حماس لن تشارك في اجتماعات المجلس المركزي

وشكر يوسف توجيه دعوة لهم للمشاركة في الاجتماع موضحا: " ستكون لنا مشاركة بعد انتخابات المنظمة والمجلس الوطني ولكننا الان نحن لم ندخل بعد في إطار تلك المنظمة".

فيما قالت النائب سميرة الحلايقة أنها لم توجه اليها دعوة لحضور اجتماع المجلس المركزي مبينة أن مشاركة حماس سيدعم المصالحة

وقالت لدنيا الوطن: "المفاوضات لم تقدم  شيء للشعب الفلسطيني لذا ايقاف المفاوضات واستمرار المصالحة ضرورة ملحة واعتقد  انه في حال ايقاف المفاوضات يجب ان تستمر المصالحة بكل السبل وهذا متعلق بكل الفاصائل"

وحول الانضام للمؤسسات الدولية بينت: " يجب ان يعلم الشعب الفلسطيني والفصائل برنامج الانضمام للمؤسسات الدولية ومعرفة كافة التفاصيل حول ذلك"



العالم العربي والوحدة العربية

اللغة العربية...حلقة الوصل الأخيرة بين الدول العربية

يرى الصحافي الألماني كِرستن كنيب أن الدول العربية تسير في طرق مختلفة سياسياً واقتصادياً ودينياً، وأن الوحدة العربية باتت وعوداً من الماضي. لكنه يعتبر أن شيئاً واحداً فحسب ما زال يربط بين سكان هذه الدول: وهي اللغة العربية. ويرى أن هذه اللغة هي التي ما زالت تتخطى حدودهم وتؤدي إلى تماسك عالمهم العربي، وتساهم في هز أعماقهم، مثلما حدث في ثورات الربيع العربي، وأنها هي التي في النهاية سوف تدفعهم إلى الأمام.
"اقرأ!" كان الأمر الذي تلقاه نبي الإسلام محمد واضحاً لا لبس فيه. ومن المأثور في التراث الديني المتعلق بنشأة الإسلام في مطلع القرن السابع أن الله نفسه هو الذي أصدر هذا الأمر، ولم يستطع النبي سوى أن يلبي الأمر، فقرأ بصوت عال أمام أتباعه ما أُملي عليه من السموات العلا. ما استمعوا إليه كان وقعه على الأذن مميزاً وفريداً تماماً. وليس من المصادفات أن يكون اسم الكتاب المقدس للمسلمين هو القرآن، المشتق اسمه من جذر مؤلَّف من ثلاثة حروف: "القاف" و "الراء" و "الهمزة" غير المعروفة في اللغات الأوروبية. "القرآن" إذن هو ما ينبغي أن يُقرأ.  بصوت عال ينبغي قراءة القرآن حتى يستمع المرء إلى الجرس المميز للغة الضاد.
الوحي بالعربية
التعرف على الذات عبر اللغة العربية، وإدراك قدرتها على التعبير عن الأفكار اللاهوتية لعصرها: هذا، حسبما يرى شتيفان فيلد، الباحث في العلوم الإسلامية من مدينة بون، هو ما أدى إلى نجاح الدين الجديد إلى حد كبير.
"يمكننا القول إن القرآن لم يُكتب مصادفة باللغة العربية، بل إنه – وهذا شيء مذكور في النص المقدس نفسه – قرآن عربي في المقام الأول. وفي بدايات هذا الدين العربي لم تكن السمة الرئيسية للدين الجديد أنه جاء بأفكار جديدة عن الله والملائكة والأنبياء، بل كون كل هذه الأمور - التي قيلت وتم التفكير فيها قبل ذلك بلغات أخرى – قد نزل بها الوحي الآن بالعربية."
تكوّن اللغة العربية مع الإسلام وحدة متماسكة متلاحمة. وإذا كان العرب منذ القرن السابع الميلادي قد توغلوا شيئاً فشيئاً غرباً وشرقاً، وغزوا خلال ذلك مناطق كانت تتضخم يوماً بعد يوم، فإنهم كانوا ينشرون ثقافتهم على نحو مزدوج، أي دينياً ولغوياً. بالتأكيد كان يعيش في ظل حكمهم أتباع ديانات أخرى. ولكن على الأقل لغوياً توثقت صلة الخاضعين بسادتهم الجدد منذ ذلك الحين. "صحيح أن غير المسلمين – مثل المسيحيين في لبنان والعراق – لم يدخلوا دين الإسلام، غير أنهم قبلوا استخدام لغة الحضارة السائدة، أي العربية"، يقول شتيفان فيلد.
صفحة من القرآن. Foto: picture alliance/Godong
وكأن القرآن، العمل اللغوي النثري الأقدم في اللغة العربية، "لم يكتب مصادفة باللغة العربية، بل إنه – وهذا شيء مذكور في النص المقدس نفسه – قرآن عربي في المقام الأول"، يقول الباحث في العلوم الإسلامية شتيفان فيلد.
هِردر وفيشته في الشرق
وكما كان الوضع في زمن التوسع الإسلامي كانت اللغة العربية هي الرابطة الموحدة الجامعة عندما سقطت الممالك التي امتدت من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي. وفي القرن السادس عشر واصل العثمانيون توغلهم في المنطقة، وبسطوا سيطرتهم على الأقطار العربية قطراً بعد الآخر. عبر ثلاثة قرون كانت تلك الأقطار خاضعة لسيطرة القسطنطينية (اسطنبول).  منذ ذلك الحين أصبحت اللغة العثمانية، وهي الشكل الأسبق للغة التركية الحديثة، هي اللغة الرسمية في العالم العربي. لكن الأقطار التي كانت عربية بدأت في القرن التاسع عشر تلتفت إلى جذورها وتتمرد على الحكام الأجانب.
عن ذلك يقول شتيفان فيلد إن "اللغة العربية لعبت دوراً مهماً كلغة قومية خلال المقاومة التي واجهت بها الدولة العثمانية التي ضمت شعوباً متعددة تتحدث لغات كثيرة. آنذاك استند العلماء العرب على (الفيلسوفين الألمانيين) فيشته وهردر لكي يشرحوا إلى أي حد يمكن للغة العربية أن تكون رابطة جامعة موحِدة. وتمت الإشارة إلى التشابهات القائمة مع اللغة الألمانية كحلقة وصل بين الدويلات الألمانية المتعددة – هذا التصور كان شائعاً تماماً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. استلهم العرب إذن هذه الفكرة من الألمان؛ فكرة أن اللغة العربية يمكن أن تكون الرابطة الموحدة للأمة العربية الكبيرة، وذلك إذا قام العرب بدعمها ونشرها بشكل كافٍ".
الانقسام الآيديولوجي
وفي القرن العشرين أيضاً لعبت اللغة العربية أيضاً دوراً كبيراً، بل ربما دوراً حاسماً في الشعور بالهوية في المنطقة. لقد اتضح بشكل متزايد أن دول المنطقة تسير في اتجاهات مختلفة. فمن ناحية كانت هناك دول، وعلى رأسها مصر وسوريا والجزائر واليمن (الجنوبي)، بدأت في تطبيق تجارب اشتراكية قومية، والسعي إلى الاقتراب من الاتحاد السوفيتي.
كما كانت هناك دول أخرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والدول الأخرى في شبه الجزيرة العربية، سعت إلى رعاية الإسلام المحافظ الذي ينظم قطاعات كبيرة من الحياة العامة. آيديولوجياً لم يحدث تلاقٍ بين الاتجاهين، وبدأ الحديث عن وحدة الدول العربية يخفت شيئاً فشيئاً. ويقول شتيفان فيلد موضحاً إن هذا ينعكس على الهيئة المركزية للدول العربية، أي على الجامعة العربية. "لدي الانطباع بأن الشيء الوحيد الذي أدى ويؤدي إلى تماسك الجامعة العربية هو لغة الضاد. اللغة وحدها، اللغة العربية الفصحى، هي القادرة على جعل هذا العالم متماسكاً."
يوهان غوتفريد هِردر. Foto: imago
كان الشاعر والمترجم الألماني يوهان غوتفريد هِردر، والباحث اللاهوتي والفيلسوف في التاريخ والثقافة، أيضاً أحد آباء القومية العربية.
تصدعات وشقوق عبر المجتمع
في الألفية الجديدة أظهر الربيع العربي بكل وضوح كيف أن هوات عظيمة تفصل بين المجتمعات في الدول العربية، كما تفصل أيضاً مجتمعات البلد الواحد. الأغنياء والفقراء، المتعلمون والأميون، المؤمنون وغير المؤمنين: كلٌ من هؤلاء له مصالحه وتصوراته ونمط حياته المختلف. السؤال حول ما يمكن أن يؤدي إلى تماسك المجتمعات هو سؤال مطروح أيضاً في الدول العربية بإلحاح كبير. وفي بعض الأحيان كانت الإجابات عنيفة للغاية على هذا السؤال، كما هو الحال في سوريا على وجه الخصوص.
وهكذا فإن الدول العربية المختلفة أصبحت لها علاقات هشة فيما بينها، تماماً مثل العلاقات القائمة بين الطبقات المختلفة داخل حدود البلد الواحد. هناك وحدة جديدة تتكون بفضل رقمنة المحطات الإخبارية والإعلامية العربية. وهكذا تعمل قناة "الجزيرة" وقناة "العربية" وقنوات أخرى على أن يكون العرب في العالم كله على نفس المستوى الإعلامي. وإن كانت الآراء تتباين تباينا كبيراً بخصوص تقييم الأخبار المُذاعة فإنها تتلاقى حول ضرورة بقاء هذه الوحدة اللغوية. وهذا ما يراه عديد من الكتاب العربي، مثلما يقول شتيفان فيلد:
"كثير من الكتاب يحذرون من توغل اللهجات العامية في الأدب المعاصر. وهم يخشون أن يتطور الأمر حتى نجد يوماً ما لغة عربية مصرية أو مغربية أو عراقية. وينتابهم القلق من أن هذه التنويعات اللغوية قد تتباعد فيما بينها شيئاً فشيئاً."
مشاعر ارتباط تلقائية
ما الذي يجعل العالم العربي متماسكاً إذن؟ لم يعد هناك الكثير. إن دول المنطقة تسير في طرق مختلفة سياسياً واقتصادياً ودينياً وثقافياً. ولكن إذا كانت الثورة التي تفجرت في تونس قد استطاعت أن تنقل شرارتها بهذه السرعة إلى البلدان الأخرى، فإن السبب الرئيسي لذلك يرجع إلى أن الناس في المنطقة تشعر بارتباط تلقائي فيما بينها. قد يختلفون حول القيم وأنماط الحياة، غير أنهم يفعلون ذلك باللغة العربية.
إنها اللغة العربية - هي التي تتخطى كل حدود عالمهم العربي وتؤدي إلى تماسكه، وهي التي تساهم في هز أعماقهم، مثلما يحدث في الثورات الحالية، وهي التي في النهاية - وهذا هو المأمول - سوف تدفعهم إلى الأمام.


كِرستن كنيب
ترجمة: سمير جريس
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2014