كوبا وفلسطين .. ميلاد ثورتين بين منطق الطير وطلقة الخيانة
نجوى ضاهر
بعد أيام معدودات يطل نهار عامنا الجديد رقما والمحمل كما العادة بأرث عام مثقل بالتعب كما وعد الحلم وتتزامن إشراقة هذا اليوم صدفة مع الإحتفال بمرور ستة وخمسين عاما على أم الثورات ، وسام الشرف الذي حملته الثورة الكوبية في أن تكون ثورة التاريخ ضد الطغيان الأمريكي والصراع المستمر مع رحلة حصار مشددة بدأت بعد تحقيق الإنتصار العظيم عبر محاولات أمريكا إستيراد المعارضين للثورة والعمل الدؤوب على غسيل أدمغتهم، وشراء ذممهم، ولم تسكن حالة الحصار بكل أشكاله حتى الآن ………..
فمنذ أن أنطلقت الثورة الكوبية وأعلنت حرية هافانا من حكم الطاغية حافظت الثورة على مكتسباتها حين أعلن الثائر كاسترو ، بداية العهد الجديد مع رفاقه الأبطال ، وكما تنطق الثورات الحقيقية دوما بإنجازاتها وصمودها يكون عهد من مشوا على نفس درب التحرر من التبعية للأمبريالية المتوحشة ، ومنهم تحضر كلمات الثائر المتمرد الحاضر دوما ، هوغو تشافيز الذي قرر الإحتفاء بالثورة الكوبية بطريقة الثوار المتفردة حين رفع العلم الكوبي في الذكرى الخمسين للثورة التاريخ بشكل دائم خارج قلعة القائد بوليفار الفنزويلية. معلنا الإنتماء والمصير الواحد “كوبا جزء من هذا الوطن… من أجل كوبا نغضب ومن أجل كوبا نقاتل ومن أجل كوبا نحن مستعدون للقتال حتى الموت” .
في ذكرى الثورة الكوبية تلح كثير من علامات الإستفهام في ظل زمن كافر باللون الرمادي و متعطش للثوارت التي يفجرها الأبطال ولا يسرقها الإنتهازيون عبدة الدولار .. لتأتي الأجابة مختصرة في إرادة هزيمة التبعية و حماية الثورة من كل أشكال الحصار و الحفاظ على الفكرة النبيلة التي خلدها التاريخ كما دماء الرفاق الشهداء الذين نزفت دماؤهم لتزهر حرية لكوبا من الطاغية باتيستا الأصغر والطاغوت الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية التي أكثر ما يقض مضاجعها ويلهبها خوفا عزيمة الأصرار .
ولعل من الأسباب التي أدت الى أن يكون الإحتفال بالثورة الكوبية ليس احتفالا بنصر مضى وفات، بقدر ما هو عهد جديد على مواصلة الدرب الثوري يعود الى النهج الرافض بإصرار السقوط في مستنقع كل المغريات والذي أعلنها كل الثوار طلقة في وجه العدو الشرس المخالب ، فليكن الحصار ومن أجل خلود الفكرة يكون نهج الأحرار في مواصلة الدرب بثبات .
فكاسترو الذي لم تشيخ روحه الثورية ، أعلنها بكل مصداقية في خطاب النصر قبل ما يقترب من خمسة وخمسين عاما حين قال بكل شفافية وبعيدا عن خداع شعبه ، أنا أؤمن بأن هذه اللحظة هي لحظة حاسمة في تاريخنا، فقد هُزِمَت الديكتاتورية وإن البهجة كبيرة. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب أن نفعله. دعونا لا نخدع أنفسنا بالقول إن كل شيء سيكون أسهل من الآن فصاعدا، بل ربما سيكون المستقبل أكثر صعوبة.” “فقول الحقيقة هو واجب الثوري الأول. وإن خديعة الشعب وتأليف أوهام خادعة سيأتي دائما بأسوأ النتائج .
وها قد إقترب موعد مرور ستة وخمسين عاما على الثورة الكوبية جابهت خلالها الكثير من المصاعب ، لكنها أستطاعت أن تكون المثال الحي النابض بالحقيقة أمام الشعب فكسبت التأييد الشعبي حد الإنبهار ، ومن هذه المصداقية والبعد عن التذبذب ومواقف المنتصف، يكون نبع الدروس الحية أمام كل الثورات التي أنطلقت قوية وصادرها العابثون بالمنجزات ، ضاربين بالحائط بكل آمال الشعوب وطموحاتها في التحرر من التبعية للولايات المتحدة ألأميركية أساس الخراب …
وفي عالمنا العربي حيث نمر الآن في أصعب المراحل الفاصلة بين أن نكون أو لا نكون ، بين أن نتحول الى أوطان مزورة بأذناب وذيول أمريكية أو أوطان حرة ،تستدعي الحاجة بالحاح لأستلهام الدروس من الثورة الكوبية ومسيرة ثوار الذين عمد التاريخ أسماؤهم ورواياتهم بحروف من ثورة ونار فمن ينسى الأسماء الخالدة فعلا وبريقا ثوريا، لا يخبو كاسترو وجيفارا وكل الرفاق الذين حققوا النصر بعزيمتهم لا بعددهم هذه العبر ضرورة ملحة خاصة في ظل الحرب الكونية الوجودية التي تدفع كل الأوطان الحقيقية ثمنها باهظا دماءا مسفوكة يومية على قارعة الأوطان بسبب تخبط البوصلة وتكاثر الأعداء الذين ما زالوا أدوات بيد الإمبريالية العالمية تحركهم كما الدمى ليؤدوا نفس الأدوار الإنتهازية التي بحاجة الى ثوار كما كاسترو وجيفارا الذي رمى كل معداته الطبية ، وإستبدلها بالذخيرة الحية ليعلن إنتماؤه الحقيقي للفقراء والجياع ولكل من يقاتل لا يهادن ويغرق في الاعيب السياسة ودهاليز وحولها.
في ذكرى الثورة الكوبية تتطلع العيون التي لا يخفت وهج الثورة فيها الى رحلة شاب على دراجة نارية شاب كما كاسترو وجيفارا ، تجري في عروقهم دماء المتمردين الذين تتجه بوصلة إنتماء قلوبهم ونبض فكرتهم فقط صوب هموم الفقراء ، القادة الثوار الذين لا يهابون لدغات البعوض ليس في الغابات كما أيام الثورة الكوبية بل لسعات الأفاعي الجديدة في زمن تكاثر الجراثيم و سيادة ضعف المناعة أمام أغواء عمى الأوهام ، ثوار يؤمنون أن درب الحرية لا يمر تحت الطاولات وأن طعم الحرية لا يمكن أن يذوقه الا من يتنفس هواء الجبال ولا يعبأ بغبار الخنادق ثوار يدركون عميقا إن الثورة تتجمد ، وإن الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي كما قال جيفارا يوما وصدق قوله حين قرر مغادرة كوبا وكتب رسالته التاريخية ، بخط يده الى رفيق دربه كاسترو حاملا قضية الظلم أينما كان حين قال لكاسترو أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية معلنا عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، واعدا بالعودة الى كوبا كثائر يبحث عن ملاذ آمن بين الحين والآخر ، لا كصفة رسمية .
وبغض النظر عن التساؤلات التي أثيرت حول توقيت الرسالة تبقى
الحقيقة الجيفارية الحصرية في عدم الأرتهان لحدود الثورة على الطغيان فجيفارا يحمل في قلبه وفكره حلما أمميا يطمح الى عزف نشيد الثورات في كل بقاع العالم المقهور.
هكذا يكون الرجال المثال على وعد دائم مع صراط الحرية في أي مكان وعلى العهد في معاقبة الخونة وكل المنشقين عن الدرب الذي يرجع فيه التراب الى أرضه التي تجعله يزهر خصوبة أبدية وعودة الى المصادفة الثانية بتزامن ذكرى الثورة الكوبية مع الذكرى الخمسين لأنطلاقة الثورة الفلسطينية الثورة التي تعتبر الأطول زمنا في التاريخ والأكثر كلفة أنسانيا كما وصفها الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية طلال سلمان وكما هو الواقع على الأرض، فعلى الرغم من إختلاف الظروف بين الثورتين في وجه الدكتاتورية والثورة ضد الأحتلال الأستيطاني و الحركة الصهيونية الموغلة في عنصريتها ، وبرصد كل التحديات التي واجهتها الحالة الكفاحية الثورية الفلسطينية من مسلسل الخيانات المتكررة عربيا من أجل الإلتفاف على القضية الفلسطينية المقدسة التي عبدت دروبها بدماء الشهداء وعذابات الأسرى خلف القضبان الحديدية لأكثر الجلادين تعطشا للدم وفناء صاحب الحق من أجل إستمرارية الوجود الواهم، نجد أن أكبر المآزق التي عانت منها الثورة الفلسطينية على إمتداد العقود التي مرت تتمثل في سيطرة المواقف الهلامية لمن يسمون أنفسهم قيادات ثورية بخطاباتهم المغلفة بالكلمات الحماسية ، وفي باطنها كل مواقف الخزي والعار هؤلاء الذين غرقوا في تيه المفاوضات واللهاث وراء الصفقات الغير مجدية والتي إستنزفت القضية وحولتها الى قضية هامشية تقتات على التبرعات و إنتظار مؤشر التنازلات المستمرة أين يقف ولا يصل ، هؤلاء العرابين لنهج التفريط الذي فاق الحدود بعلنية القفز على كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني منذ أوسلو النكبة الكبرى الذي وجه ضربة قاسية للقضيّة الفلسطينيّة وأداة تمثيلها الرسمية منظمة التحرير التي لم يعد لمؤسساتها المصداقية، حيث فصل الإتفاق ما بين القضيّة والشعب والأرض، وقسم القضية الى فروع قضايا، والشعب إلى شعب غزة ورام الله والشتات المنسي في دهاليز وكواليس لعبة إستثمار رحلة شقاء النازحين حيث تحولت قضيتهم التي من المفروض ان تكون لها الأولوية الى حق ضائع في متاهات إختلاط أوراق الزور والبهتان في رحلة بحث مقيتة بإسم الحلول الإنتقالية تارة والمرحلية تارة أخرى، طبعا دون نسيان تكرار التأكيد العلني على الإعتراف بحق ”( إسرائيل ) في الوجود الشرعي، ورفض ما سمته وروجت له القيادة المهترئة العنف ضد الصهاينة المترافق مع حملات المداهمات والإعتقالات لكل المقاومين للعدو الصهيوني تحت الغطاء المكشوف المسمى بالتنسيق الأمني المدنس وواجب الالتزام بالاتفاقيات مع الكيان الغاصب من جانب واحد بينما يستمر العدو الصهيوني في قضم الوطن بالمستوطنات وتهويد القدس .وتحويل سياسة ما يعرف بـ«الطرد الصامت» أو إثبات الإقامة، وهي سياسة بدأتها في منتصف الثمانينيات وبلغت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي، وتواصلت بعد ذلك حتى اليوم. الى سياسة تطهير عرقي مفضوحة ..
والفخ الأكبر للقضية والوطن والشعب يكمن في العمل الدؤوب من قبل قيادة رخويات أوسلو على تفريخ حرب التصريحات اليومية التي تتلاعب بالعقول وتعزف الأنغام الثورية يوميا وتتسلق على صمود الأسرى وأبطال المقاومة في توقيت تتزامن عقارب ساعته مع متطلبات إنتهازية الموقف حيث ركوب موجة التباكي على مسيرة تضحيات الشعب الذي يقدم الشهداء يوميا، حماية للخيار المقاوم الوحيد القادر على صياغة أبجدية الحرية وحماية الحقوق والثوابت الفلسطينية التي أنتهكت جميعها بفعل السراب الزائف ..من أجل تحقيق مكتسبات تتضخم في عقليات الخرافة وهي لا تتعدى حدود الحضيض .
ولعلها من الصدف الغير عبثية ان تتزامن ذكرى الثورة من أجل حرية كوبا مع إنطلاقة الثورة الفلسطينية في الأول من يناير من عام 1965 لتكون فرصة ذهبية لإستلهام العبر والدروس للثورة الكوبية من قبل للمقاومين الشرفاء المتمسكين حتى آخر نفس بأحقية النضال المتواصل ضد العدو الغاصب لأدراكهم العميق أن الحرب وجودية ولن تكون يوما على الحدود في وطن المقاومة والصمود الأسطوري الذي لا يمكن شطب تضحياته التي يعادل سجل شهداؤه واقعا أشجار الزيتون والبرتقال وأغصان الياسمين التي كانت تغطي البيوت ممتزجة بأنفاس بناتها الذين عاصروا السيد المسيح وأقاموا عمارة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وما زالوا يمشون فوق درب الالام بأنتظار قيامة قريبة..
على الأرض تكون عقابا لكل المفرطين بحقوق الشعب وأنجازات المرابطين بحجر وبندقية وزجاجات مولوتوف على المعابر وفي المخيمات حيث قلاع الصمود الحقيقية وحيث تصدح كل الأصوات بوصية جيفارا الذي ما زالت صوره تملأ جدران المخيمات منشور الأنتفاضة وأغنيات ::::
خلاص خلاص ملكوش خلاص غير بالقنابل والرصاص
ده منطق العصر السعيد عصر الزنوج والأمريكان
الكلمة للنار والحديد و العدل أخرص أو جبان
صرخة جيفارا يا عبيد في أي موطن أو مكان
مفيش بديل مفيش مناص يا تجهزوا جيش الخلاص
يا تقـولوا علـى الـعـالم خلاص
فتحرير الأرض، ودحر الإحتلال وتحقيق حلم المستقبل الذي يعي أن الثورة هي فن تحقيق المستحيل لا الممكن كما أكد دوما حكيم الثورة حين دعا الشعب بعبارته المفعمة بالعنفوان الثوري ( ثوروا فلا شئ تخسروه الا القيد والخيمة ) هكذا فقط تتحقق أهداف الثورات الحقيقية والأهداف النبيلة للفكرة التي تتوحد مع النجاحات الصامدة في وجه أعتى أشكال الخناق والحصار التي واجهته الثورة الكوبية وكل الثورات التحررية ضد الأمبريالية بصلابة السواعد النابضة بنبؤءة وطن لم يصنع مجده الا ببيان ثوري نفذ . فعلا على الأرض مدونا أكثر الحقائق وضوحا .. من ينزل الى أسفل لم يصعد يوما ومن صعد الى فوق لم ولن ينزل أبدا.
كوبا وفلسطين .. ميلاد ثورتين بين منطق الطير وطلقة الخيانة
المزيد ..