السبت، 7 فبراير 2015


الطبيبة الشابة هالة قطناني 
يختارها مشفى سويدي دون غيرها في مركز وظيفي نادر
الكومبس - خاص: تُعتبر الطبيبة الشابة هالة عبد الكريم قطناني، نموذجاً يعكس شريحة من الطبيبات اللواتي نجحن في ممارسة مهنة الطب الإنسانية في السويد، والتفوق فيها، لا بل شغل مراكز مميزة، دون أن يحدث أي تضارب بين شروط مزاولة مهنة الطب، والقيم الدينية أو الثقافية التي تحملها هذه الطبيبة.
تقول قطناني، وهي مولودة في الأردن من أصول فلسطينية، والوحيدة التي تشغل إختصاصاً نادراً في مستشفى يافلي: " كوني طبيبة محجبة فان هذا لا يتعارض مع قيم المجتمع السويدي القائمة على المساوة واحترام الآخر، كما لا يتعارض مع القيم الدينية التي أحملها، وأنا إستشرت العديد من رجال الدين، ولم يروا تعارضا بين الدين وبين قرار السلطات الصحية السويدية بان يكون جزء من اليد ما بعد المعصم مكشوف لأسباب صحية بحتة".
الطبيبة هالة تحب بشغف مهنتها الإنسانية الطب، وترغب أكثر بمزاولتها في مراكز الطوارئ وخدمات الإسعاف، وعلى الرغم من صعوبة المهمة، ترى هالة أن تقديم المساعدات الأولية للمريض عند أول وصوله للمشفى أمر في غاية الأهمية.

بعد تخرجها من كلية الطب في العام 2011، حصلت على مكان لها في مشفى هوغسفال التابع لمحافظة يافلي، للخدمة العامة، التي تأهلها للحصول على شهادة مزاولة المهنة الطبية، وهي الآن تمارس المهنة في مجال الباطنية.
أثناء عملها الحالي في قسم الطوارئ، لاحظت أن هناك حاجة لتخصص "باطنية إسعاف" أي طبيب يحمل اختصاص ضمن اختصاص آخر. فهي من جهة تحمل الاختصاص الأول في الأمراض الباطنية أو الداخلية مثل: القلب والكبد والكلى وكل الأعضاء الموجودة داخل جسم الإنسان، وبنفس الوقت ستصبح طبيبة اسعاف.
هذا الاختصاص غير الموجود حاليا في كل محافظة يافلي، سيكون الآن من نصيب الطبيبة هالة، التي بدأت بالإعداد له. هالة قطناني من مواليد عام 1986 وصلت إلى السويد مع عائلتها عندما كانت في العاشرة من عمرها، الكومبس تحدثت معها وأجرت الحوار التالي:
لماذا اخترت مهنة الطب؟
تعرضت لمرض التهاب في القصبات الهوائية، عندما كنت صغيرة، وبعد وصولنا إلى السويد بسنتين، كنت اضطر للبقاء في المشفى لمدة أسبوع كل شهر. وعلى مدار ستة أشهر عرفت معنى وأهمية الطبيب، كنت أنظر إلى هذا الإنسان الطبيب نظرتي إلى بطل، ينقذ حياة الناس ويخفف عنهم آلامهم ومعاناتهم، أصبحت عندها مهنة الطب بالنسبة لي المهنة المثالية في حياتي، ومن وقتها وعندما كنت في عمر 12 سنة قررت أن أصبح طبيبة.
كيف استطعت الوصول إلى تحقيق هدفك؟

في البداية وبعد انتقالنا من الأردن إلى السويد، اكتشفت مبكرا أنني يجب أن اجتهد واثابر لكي استطيع أن أفهم أولا ما يدور حولي في المجتمع الجديد، كانت البداية صعبة، وكنت في لحظات معينة أتمنى أن تعود العائلة من حيث أتينا، ولكن بعد أشهر معدودة شعرت أنني اتقن اللغة السويدية بشكل لا بأس به، عندها أصبحت أتطور بدراستي واندمج أكثر مع إيجابيات هذا المجتمع العديدة.
ولا أنسى طبعا فضل أهلي، فنحن من عائلة متعلمة، أبي وأمي يحملان شهادات جامعية، حتى أقاربي خارج السويد، يعتبرون العلم في مقدمة أولوياتهم.
أتذكر عمتي أثناء زيارة لنا لعمان، عندما قالت لي أنها تحرم نفسها من عدة أشياء من أجل توفير أقساط الجامعة لابنها، وأن العلم بالنسبة لها يأتي بالأهمية بعد الطعام والماء. طبعا لا يزال الطريق أمامي طويلة، وهدفي أن أحقق المزيد ضمن مهنة الطب.

ما رأيك اجمالا بمهنة الطب في السويد؟
مهنة الطب في أي مكان هي من أصعب المهن، ولكن يمكن أن تكون من أكثر المهن متعة، لأنها تعطيك شعورا رائعا، عندما تساعد الآخرين وتساهم في انقاذ حياتهم. إضافة طبعا إلى المسؤولية التي يجب أن تكون نصب أعين الطبيب دائما. 
خصوصيات مهنة الطب في السويد تتعلق أيضا بطبيعة الرعاية الصحية المتبعة بهذا البلد، وهو موضوع هام من المفترض أن يطلع عليه الجميع، ويمكن أن نتحدث عنه مطولا في مناسبات أخرى.
2.jpeg

هل تجدين صعوبات كونك طبيبة محجبة من قبل الزملاء أو المرضى؟
نعم للأسف يوجد بعض الصعوبات، ولكن من قبل عدد صغير من المرضى، لكنني لا أشعر بأي مضايقات أو تمييز من قبل زملائي أو المسؤولين عني، هم يتعاملون معي بكل احترام، والمقياس دائما هو المهنية في العمل، فهم يرون ويعرفون جيدا أنني أقوم بواجبي على أفضل ما يكون، وهذا هو معيار للعلاقة معي، ولولا تفوقي أيضا لما كنت قد حصلت على ترشيح للتخصص ضمن "باطنية اسعاف" الذي كنت أنا أيضا وراء اقتراحه.

كيف يتقبل أو لا يتقبل بعض المرضى أن يجدوا طبيبة محجبة تعتني بهم؟

في البداية وعندما يراني بعض المرضى يمكن أن تكون لديهم نظرة سلبية، أو نظرة فضول، هناك من ينسى أنه في حالة اسعاف ويعاني من الألم، ليبدأ بتوجيه أسئلة عديدة لي، تتعلق بالدين والسياسة، وهناك للأسف من يوجه هذه الأسئلة بطريقة غير لبقة أو عنيفة.
هؤلاء قلة طبعا، أنا معتادة أن أكون هادئة ولا أنفعل اطلاقا، وأقول لهم بابتسامة: دعونا الآن من السياسة والدين، ولنركز على سبب وجودكم هنا، لتلقي العلاج.
أنا اعتقد أن هناك من يعيش بمناطق لا يوجد بها العديد من الأجانب وعندما يرون طبيبة محجبة هي من ستعتني بهم، قد يستغربون ذلك، وللأسف هناك من يتأثر بما ينقله الإعلام في الفترة الأخيرة، وبما طال الإسلام أيضا من محاولات تشويه، على أيدي متطرفين في عدة مناطق في العالم، وكيف يتم استغلال ذلك.
هل يمكن أن تتخلي عن الحجاب في حال تزايدت المضايقات؟

طبعا لا، لن اتخلى عن الحجاب، لأنه لا يتعارض مع مزاولة مهنتي، ولا يتعارض مع قيم المجتمع السويدي القائمة على المساوة واحترام الآخر، كما قلت لك هذه المضايقات تأتي من قبل أشخاص لا يعرفون الكثير عن الإسلام، هم يعرفون فقط أن هناك مسلمين ينفذون عمليات إرهابية، أنا وبواسطة هذا الحجاب أريد أن أقول لهم، أنني طبيبة ومسلمة وسويدية وأن نظرتهم يجب أن تتغير، لأن الإسلام ليس كما يتصورنه من خلال وسائل الإعلام.
لذلك أنا اخترت أن لا أجلس في المنزل، بسبب هذه المضايقات العابرة، والتحدي هو أن أتفوق بعملي وأمارس هذا المهنة الإنسانية وأن أعطي صورة جميلة عن ديانتي.

هل هناك من اختار الجلوس في المنزل من الطبيبات المسلمات؟

نعم حدث ذلك، هناك بعض من اكتفى بالدراسة ولم يعمل خاصة عندما منعت السلطات الطبية السويدية الأطباء والعاملين بالمشافي ارتداء أكمام طويلة، وأصدرت قرارا بان يكون جزء من اليد ما بعد المعصم مكشوفة والسبب هو صحي بحت.
العديد من رجال الدين الذين استشرتهم، لم يجدوا ما يتعارض مع مزاولة الطبيبات المسلمات لمهنة الطب والالتزام بهذا الشرط.
في نهاية الحديث تمنت الكومبس، للطبيبة الشابة هالة قطناني التوفيق بمهمتها ومهنتها الإنسانية، وبالحصول على أول وظيفة طبية من نوعها في محافظة يافلي، وهي وظيفة طبيب باطني في مراكز الإسعاف. وفي كلمة أخيرة قالت إنها تعتبر أن الطموح والمثابرة لا حدود له، شرط أن لا يضع الإنسان لنفسه حواجز ومعيقات هي موجودة فقط في مخيلته.

حاورها د. محمود الآغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية

«داعش» يحيي دور زعيم «الحشاشين»!
كان رئيس وزراء اليابان شينزو آبي ينتظر بفارغ الصبر الجواب الأخير حول مصير الأسير الثاني لدى «داعش» كينجي غوتو. وفي الوقت ذاته، كانت محطات التلفزيون في طوكيو تبث كل ساعة نداء الاسترحام الذي توجهت به والدة الأسير، مناشدة «داعش» العفو عنه كي يعود الى أسرته ومحبيه.
مصير الأسير الياباني الثاني لم يكن، في نظر جلاد «داعش»، أفضل من مصير زميله السابق هارونا يوكاوا. أي الاعدام بالسكين على يدي رجل ملثم في لباس أسود، يرمز الى عزرائيل الموت. وظهر في الفيديو الرهينة بلباس برتقالي جاثياً على ركبتيه.
رئيس الحكومة اليابانية علّق على عملية ذبح الصحافيين بالاعتراف أنه فعل ما بوسعه لمعالجة الأزمة الناشئة عن رفضه الخضوع للإبتزاز، وأنه إمتنع عن دفع مئتي مليون دولار كثمن لانقاذ المراسلين. واختتم تصريحه بالقول: «لن نغفر أبداً للارهابيين. واليابان عازمة على تحمل مسؤولياتها بالتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة هذه الظاهرة، ومحاكمة المسؤولين عن أعمالها».
ويُستدَل من مراجعة ظروف هذه الأزمة التي خبرتها دول أخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة، أن تشابكها مع وضع السجينة ساجدة الريشاوي والطيار الأردني معاذ الكساسبة، قد ضاعف من تعقيدات الحل.
وكان «داعش» قد هدّد أيضاً بقتل الطيار الأردني ما لم يُفرَج عن ساجدة، المحكوم عليها بالاعدام لدورها في هجوم إنتحاري سنة 2005 أودى بحياة ستين شخصاً بينهم المخرج السوري المعروف المرحوم مصطفى العقاد، علماً أن زوج ساجدة هو الذي فجّر نفسه في أحد فنادق عمّان، بينما فشلت هي في تشغيل صاعق التفجير. وبما أن أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، كان ناشطاً في خلية أبو مصعب الزرقاوي في بغداد، فقد رأى أن مساهمته في الإفراج عن رفيقة الجهاد، ساجدة الريشاوي، ستعزز موقعه حيال أنصاره.
بعض المحللين يميل الى الاعتقاد بأن دحر عناصر تنظيم «داعش» في عين العرب (كوباني) شكّل صدمة قوية للبغدادي. لهذا السبب تراجع عن مبدأ المساومة مع عمّان وطوكيو بحيث يصرف إنتباه الرأي العام العالمي عن هزيمته العسكرية، ويستعيض عنها بكسب معنوي في موضوع الصحافيين اليابانيين. ويتوقع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي أن يكون لعملية إعدام مراسلين بريئين الصدى الشعبي المطلوب لتعديل قوانين حياد بلاده. ويشاطره الرأي الخبير العسكري يوكيو أوكاموتو، الذي يشجعه على تعديل معاهدة الصلح التي وقعت سنة 1947 بغرض منع اليابان من حيازة ترسانة عسكرية. وتنص المادة التاسعة من تلك المعاهدة على حصر شؤون اليابان بالقضايا الاقتصادية، مع النأي بمستقبلها عن أمور التسلح.
ويرى الديبلوماسيون في طوكيو أن الأزمة مع «داعش» ستولد حقائق جديدة على أرض الواقع، بحيث تدفع رئيس الوزراء الى إتخاذ سياسة أكثر مرونة، وأكثر بعداً عن وصاية الولايات المتحدة. والدليل على ذلك أن اليابان في حرب 1973 وقفت الى جانب مصالحها مع الدول العربية كي تؤمن حاجتها من نفط الخليج.
وأبلغ ما قاله رئيس الحكومة آبي في هذا السياق، هو إن بلاده لا تملك فرقة كوماندوس يمكن إستخدامها لانقاذ الذين يتعرضون للإعتداء. كما أن الدستور لا يسمح لها بتأسيس جيش نظامي قادر على صدّ الاعتداءات بواسطة أسلحة هجومية.
والثابت أن رئيس وزراء اليابان سيتخذ من اعتداء «داعش» حجّة لتعديل اتفاقية الهدنة. ويبدو أن الشعب الياباني مستعد لقبول تغيير وضعه السياسي في ظل رئيس حكومة يفاخر بأنه نجل أنجح وزير خارجية ياباني، شينتارو آبي. وهو من جهة والدته حفيد رئيس وزراء عُرِف بالإقدام والحكمة والوطنية. وبسبب هذه الخلفية، سيستغل آبي الوضع المقلق لإجراء إستفتاء شعبي يعلن خوض إنتخابات طارئة على أساسه.
وفي صباح يوم الأربعاء، إتصل بالعاهل الأردني لتقديم واجب التعزية بوفاة الطيار الكساسبة، والإعراب عن إستنكاره الشديد للقصاص الوحشي الذي نفذه تنظيم «داعش» بالرهائن الثلاثة، متحدياً بذلك الأعراف الدولية المتعلقة بمعاملة الأسرى. كما جدّد في الوقت ذاته تعهده بتقديم كل عون يطلبه الأردن من أجل تجاوز هذه التجربة القاسية.
وتؤكد المعلومات المتداولة في عمّان أن «داعش» نفذ حكم الاعدام حرقاً بالطيار معاذ الكساسبة بعد أيام قليلة من تحطم طائرته فوق مدينة الرقة شرق سورية، وذلك في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ثم تعمَّد التضليل عبر إظهار صورة الصحافي الياباني كينجي غوتو، الذي سُمِع يقول: «أي تأخير من الحكومة الأردنية يعني أنها مسؤولة عن قتل الطيار وقتلي أيضاً. وليس عندي أكثر من 24 ساعة فقط.» وكان «داعش» بهذا التحايل يريد الإفراج عن العراقية ساجدة الريشاوي، مع التصميم على ذبح الصحافي الياباني، والاعلان في وقت لاحق عن قتل الطيار الأردني.
العقيد ممدوح العامري، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الأردنية، ردَّ على هذا التهديد بالقول: «إن الأردن لم يتسلم بعد أي دليل على سلامة الطيار معاذ. ونحن في انتظار أي إثبات يؤكد ذلك».
وحيال ذلك الحائط المسدود، إستدعى العاهل الأردني صافي الكساسبة، والد الطيار، ليبلغه حرص الدولة على تحرير نجله من الأسر، وأنه شخصياً على إستعداد لاستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل إنهاء هذه المأساة العائلية والوطنية.
وكان من الطبيعي أن يترك كلام الملك عبدالله الثاني الكثير من الاطمئنان في قلب الوالد المفجوع، وقلوب أبناء محافظة الكرك، الذين يعرفون بالاختبار النجاحات التي حققتها وساطات دولتهم. ففي ليبيا سبق للأردن أن توسَّط لتحرير سفيره الذي إختطفته عناصر تنتمي الى ميليشيات مسلحة. في حين فشلت الولايات المتحدة في حماية سفيرها من عملية إرهابية.
إضافة الى العلاقة الوثيقة التي تجمع أبناء العشائر حول عقيدة الولاء للملك، فإن الأسرة الهاشمية كانت تعتمد دائماً على دعم العشائر التي يشكل افرادها ما نسبته ثمانون في المئة من عدد القوات المسلحة. لذلك قابل الملك عملية إحراق الطيار معاذ بتنفيذ حكم الاعدام بساجدة الريشاوي وزياد الكربولي.
ويتوقع المراقبون في عمّان أن يكون «الزلزال» الذي تحدث عنه وزير الدولة لشؤون الاعلام، محمد المومني، بمثابة إشهار حرب واسعة - براً وجواً - بمؤازرة دول إقليمية ودولية عانت الأمرَّيْن من جرائم هذا التنظيم.
ويحرص الأردن، في هذه الحملة، على إشراك خمس دول كانت ضالعة - عملياً ومادياً ولوجستياً - في خلق «داعش» وتزويده بالمال والسلاح. ولكنه بعدما تركز في الأرض، تقمَّص دور فرانكشتاين، المخلوق الذي تمرّد على خالقه!
في حديث أدلى به الرئيس العراقي فؤاد معصوم الى «الحياة» الأسبوع الماضي، قال إن مصطلح «الدولة الاسلامية في العراق والشام» يشير جغرافياً الى العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين. ووصف أسلوب الترهيب الذي يمارسه أبو بكر البغدادي بأنه مستوحى من أسلوب المغول الذين احتلوا العراق... ومن شخصية الحسن الصبّاح الذي عُرِف بتجنيد الانتحاريين.
ويقول المؤرخون إن الحسن الصبّاح وعمر الخيام ونظام الملك كانوا من مريدي شيخ واحد. وقد أقسموا على أن أول مَنْ يحقق النجاح منهم يساعد الآخرين. وعندما أصبح نظام الملك وزيراً لدى السلطان السلجوقي، ذكّره زميلاه القديمان بالعهد القائم بينهم، فاقترح عليهما منصب الولاية. ورفض عمر الخيام مكتفياً بمعاش يسمح له بالتفرّغ لحريته وهوسه. أما الحسن الصبّاح فقد طالب بمنصب رفيع في البلاط وحصل عليه. ولكنه سرعان ما طمح الى منافسة نظام الملك على الوزارة، فما كان من هذا الأخير إلا أن دبَّر له مكيدة أفقدته الحظوة لدى السلطان. عندها أقسم الصبّاح على الانتقام. وهكذا ولِد مشروعه القائم على التمرّد والعصيان.
في كتاب برنارد لويس المخصص لحكاية الحشاشين، والتي منها جاءت كلمة ASSASSIN باللغات الأجنبية، ومعناها: الحشاش، أو القاتل بدافع التعصب الأعمى، يقول إن ولادته كانت مجهولة ولكنه توفي سنة 1124. وقد نقل مشروعه الى القاهرة، عاصمة الخلافة الفاطمية. وكان في طموحه غير المحدود يسعى الى زعزعة النظام السنّي (بعكس البغدادي) بابتداعه الارهاب السياسي، إستجابة لدعوة تنزع الى بلوغ الجنة. وكان هدفه تسريع عودة الإمام المحجوب ليعلن «القيامة» حيث تبطل الشريعة، وتفتح الطريق أمام حياة تنتهك المحرمات. وهكذا أعلن زوال زمن الشريعة، على أيدي أتباع الحسن الصبّاح الذين عاشوا معه في قلعة «علموت» بالقرب من بحر قزوين.
وبعكس ما يفعله حشاشو «داعش»، فان حشاشي الصبّاح لم يفتعلوا مجازر عمياء، ولم يوقعوا ضحايا أبرياء. كما أنهم لم يستهدفوا الأجانب، باستثناء إقدامهم على إعدام الماركيز كونراد، ملك القدس، بأمر من «شيخ الجبل» الذي كان الصبّاح قد عيّنه لقيادة الفرع السوري. وقد أقام في قلعة مصياف. وقيل في حينه إن ذلك الاعدام لم يكن مجانياً، وإنما الغرض منه إثارة الانشقاق في صفوف الفرنجة. وهذا ما حدث فعلاً، إذ اتهم ريكاردوس قلب الأسد بأنه المحرِّض على عملية الاغتيال.
يُجمع المراسلون في سورية على القول إن عملية إحراق الطيار الأردني معاذ لم تكن وليدة موقف ثأري مرتَجَل. وإنما كانت خطة مدبرة بهدف إحراج النظام الأردني، وإعطاء المعارضة المبرر السياسي لإثارة الفوضى والعصيان. وقد سارع الملك عبدالله الثاني الى تنفيس ذلك الاحتقان الشعبي من طريق مشاركة الدولة بواجب العزاء، والتعهد باقتصاص مروّع بدأه بإعدام ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي. واعتبر كلامه بمثابة إعلان حرب ضد «داعش»، الأمر الذي منع إنزلاق الأردن الى صدامات محلية يصعب التنبؤ بتفاعلاتها الاجتماعية والسياسية.
ردود الفعل على كلام العاهل الأردني جاءت مشجعة ومؤيدة. ولكن الأمم المتحدة تجاوزت الدعم المعنوي، لتطالب بتحرك دولي عاجل بعدما أعلنت هذا الأسبوع عناصر تنتمي الى «داعش» إستيلاءها على حقل نفطي في ليبيا... وبعدما أعلن زعيم «بوكو حرام» أنه يستلهم أعمال «داعش» قبل الاقدام على إفتعال المجازر في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر. وهذا ما دفع باريس الى المطالبة بتشكيل تحالف دولي لمواجهة الارهاب في افريقيا، على شاكلة التحالف الذي أنشىء من أجل الدفاع عن الشرق الأوسط!

*نقلاً عن "الحياة"

رجل الساعة: الملك عبد الله يُكافح من أجل بقاء المملكة الأردنية

يخشى من انقلاب داخلي، يريد إجراء إصلاحات اقتصادية حديثة، ويرغب بالقضاء على داعش، يزدري بشار الأسد ويحاول الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. هذا هو الملك عبد الله الثاني الملقاة عليه المسؤولية الأكبر، لمنع انهيار المملكة الهاشمية

6 فبراير 2015, 17:411
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)
من غير الواضح إذا ما كانت إشارة ملك الأردن، عبد الله الثاني، في المقابلة التي قدّمها للصحفي الأمريكي "تشارلي روز" قبل نحو سبعة أشهر (أيار 2014)، حول ضغوط العمل والمسؤولية الكبيرة الملقاة على أكتافه كملك لدولة صغيرة تواجه موجة من التحدّيات والمشاكل الداخلية، نوعا من النكات أو إشارة جدّية. "عندما أرى ما يواجهه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تفكّك ليبيا، المشاكل الاقتصادية الحادّة، والتعامل الداخلي مع مشكلة الإخوان المسلمين والتعامل الأمني والعسكري الذي يقوم به في سيناء ضدّ الجهاد العالمي، فإنّ ذهني يستريح. إنه يواجه الكثير جدّا من التحدّيات. أما أنا من جهة أخرى فلا أواجه مثل هذا القدر الكبير من المشاكل".
"ملك بمفاجأة"
إذا أردنا مسح المشاكِل التي عدّدها الملك الأردني في المقابلة، والتي تواجهها المملكة الهاشمية الأردنية، فيمكننا ببساطة أن نقدّر بأنّ عبد الله يضع على أكتافه أكثر المشاكل إلحاحا في الشرق الأوسط. بدءًا من مواجهة تهديدات داعش، ومواجهة أكثر من مليوني لاجئ سوري وعراقي يقيمون على حدود بلاده الصغيرة ويخنقون الاقتصاد المحلّي، والمواجهة الداخلية ومحاولة الحفاظ على الوضع القائم بين القبائل الأردنية والسكان الفلسطينيين، الانتقادات تجاه علاقاته مع الغرب، مسألة الحرم القدسي الشريف، مسألة علاقة السلام مع إسرائيل وفوق كلّ شيء محاولة معالجة الصعوبات الاقتصادية الهائلة والملحّة في المملكة الصحراوية.
ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال مع نجله العاهل الأردني عبد الله الثاني (AFP)
ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال مع نجله العاهل الأردني عبد الله الثاني (AFP)
صعد الملك عبد الله الثاني إلى الحكم في 7 شباط عام 1999 بعد وفاة والده الملك حسين. كانت والدة عبد الله إنجليزية واسمها توني جاردنر، وقد كانت ابنة ضابط بريطاني خدم في الأردن. بعد زواجها عام 1961 من حسين، ملك الأردن، أسلمتْ واتّخذت اسم "منى".
تزوج عبد الله عام 1993 من السيدة رانيا، من مواليد الكويت ومن أصول فلسطينية. درس في شبابه ببريطانيا، في الأكاديمية العسكرية البريطانية وفي جامعة أوكسفورد.‎ ‎خدم كطيّار في الجيش الأردني وتولّى منصب قائد القوات الخاصة في الأردن. في المقابل، درس العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون في واشنطن بالولايات المتحدة. منحه كلّ ذلك لغة إنجليزية ممتازة وطليقة. وهناك من سيقول إنّ لغته الإنجليزية أفضل من لغته العربية الفصحى.
لم يتم إعداد عبد الله على مدى سنوات طويلة لخلافة والده كملك للأردن.‎ ‎كان شقيق الملك حسين، الأمير حسن، هو وليّ العهد في غالبية عهد الملك حسين، ولكن قبل وفاته بقليل قرّر الملك تمرير العرش لابنه. كان سبب عزل الحسن، من بين أمور أخرى، رغبة حسين في نقل الملك إلى سلالته. فاجأت هذه الحقيقة عبد الله كثيرا والذي قال في المقابلات لوسائل الإعلام في تلك الفترة إنّه الملكة رانيا وهو كانا متفاجئين من قرار والده.
الوجه الجميل للأردن
يُعتبر عبد الله رجلا غربيّا. يميل الأردن تحت قيادته إلى خطّ سياسي موال لأمريكا وللعلاقات الوثيقة مع الغرب، وهي سياسة تثير في أحيان كثيرة الانتقادات من جانب جيرانه العرب. ويدفع الملك الثمن الأكبر، كما يبدو اليوم، بسبب دعمه وانضمام المملكة الهاشمية لقوى التحالف التي تحارب داعش. صُدِم الملك من نشر مقطع الفيديو الذي يوثّق حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، حتى الموت، وصدم كذلك المملكة الهاشمية بأسرها. قال الملك في رسالة تلفزيونية: "القتل هو عمل إرهابي جبان تم تنفيذه من قبل مجموعة لا علاقة لها بالإسلام".
تساعده زوجته أيضًا، الملكة رانيا، في محاولة تقديم الأردن كدولة تبحث عن شركائها الغربيين، الليبراليين. تشارك الملكة رانيا بنشاط في عدد من مجالس المنظّمات الدولية، وقد أخذت على عاتقها مؤخرا مهمّة عرض "الإسلام الذي تؤمن به هي وأسرتها وملايين المسلمين الآخرين في أنحاء العالم" للعالم. في كل مقابلة مع وسائل الإعلام الأجنبية أو العربية في الموضوع، تنفر رانيا من الربط الذي يقوم به الكثيرون بين الإسلام والإرهاب. وتقول خلال حديثها عن تنظيمات الجهاد العالمي التي تعمل على حدود بلادها، سواء في سوريا أو في العراق: "إنّ الحرب هي حرب على مستقبل الإسلام ومستقبل العالم العربي... إنّ انتصارنا في الحرب متعلّق بقدرتنا (كمسلمين) على كسب المعركة الفلسفية... ذلك أنّ وراء هذه الهجمة الإرهابية تكمن أيديولوجية متطرّفة، لا تتوافق مع روح الإسلام". ويميل الملك عبد الله أيضًا إلى الغضب عندما يصفونه كأنه "زعيم عربي، مسلم معتدل". "أنا زعيم عربي ومسلم نقطة. الأشخاص المتطرّفون الذين يقومون بأبشع عمليات القتل في سوريا والعراق لا يمثّلون الإسلام الحقيقي الذي أؤمن به".
تحرص الملكة رانيا على تقديم أجندة مساواة بين الرجال والنساء في المملكة في مجالات الوصول إلى الدراسات العليا ومجالات العمل وتعمل على تمويل ومرافقة مشاريع عديدة للقضاء على ظاهرة الأمية والبطالة بين النساء. في مقابلة مع تلفزيون العربية في شهر تشرين الأول عام 2013، فتحت رانيا منزلها أمام فريق التصوير وتحدّثت عن أسرتها الصغيرة، أبنائها وزوجها، وسعت إلى نقل رسالة عن سلامة الأسرة الملكية في العصر الحديث، بما في ذلك عرض نموذج لماهية الأسرة المسلمة الصحّية بنظرها.
الحرب على الداخل: الحرب ضدّ داعش
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
في ظهر يوم الجمعة، 20 حزيران عام 2014، جرت في معان، جنوب الأردن، مظاهرة رُفعت فيها أعلام داعش السوداء. العناوين التي تحملها اللافتات ليس فيها لبس: "جمعة دعم الدولة الإسلامية في العراق والشام / معان هي جند الأردن / مؤيدة للدولة الإسلامية".
وقد صدرت في المظاهرة صيحات مثل: "الله أكبر"، "الجهاد" و"بالروح بالدم نفديك يا إسلام". وبعضها الآخر أكثر تميّزا، ويظهر الطابع الذي لا لبس فيه للمتظاهرين: "لا إله إلا الله والشيعي عدوّ الله" و"السنة أحباب الله".
الأمر الأكثر أهمية هو حقيقة أنّه سوى أفراد معزولين، فإنّ جميع المشاركين في المظاهرة كانوا مكشوفي الوجوه، أي إنهم لا يخشون من النظام الأردنيّ، من استخباراته وشرطته. وقد رأى المتظاهرون أيضًا الشخص الذي قام بتصوير المظاهرة ولم يقوموا بفعل شيء ضدّ التوثيق، رغم أنّهم يعلمون جيدا بأنّ النظام قد يستخدم مقاطع الفيديو من أجل التعرّف عليهم والإمساك بالمشاركين في المظاهرة. وعندما يختفي الخوف من الدولة، فإنّ كل عمل يصبح متوقعا.
لم يخف تنظيم داعش نواياه تجاه الأردن أبدا، والذي نشأ هو مثل العراق وسوريا من قبل الاستعمار الأوروبي، ولذلك فحكمه هو الهلاك. حتى اسمه يدل على هذه النية، حيث إنّ منطقة "الشام" هي في الواقع تشمل كلا من سوريا، لبنان، الأردن وإسرائيل.
ومن أجل توضيح نواياه تجاه الأردن وسّع التنظيم مساحات سيطرته في العراق باتجاه الغرب، حتى الحدود العراقية الأردنية. تثير نجاحاته في العراق وسوريا "الأدرينالين الجهادي" لدى السكان المهمّشين في الأردن، والمظاهرة في معان تعبّر عن المعروف للجميع: نجاح داعش يجذب الجماهير، وخصوصا أولئك الذين هم في الأطراف، الذين يرغبون بالانتماء أخيرا إلى شيء ناجح.
إعدام معاذ الكساسبة (لقطة شاشة)
إعدام معاذ الكساسبة (لقطة شاشة)
ويفهم هذه المسألة جيّدا ملك الأردن الذي شارك في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة وتنفيذ الهجمات ضدّ أهداف داعش في مثلث الحدود الأردنية - العراقية والسورية. يبحث الملك عبد الله في كل لحظة من لقاءاته مع شركائه من الزعماء العرب في السعودية ومصر عن حلول إبداعية من أجل منع انتشار "المرض"، الذي يُسمى داعش.
ومن المفاجئ أن نعرف بأنّه في إسرائيل، يقدّر محلّلون عسكريّون بأنّ "الأردن يكشف عن تصميم وقوة في معالجة الأوضاع. نحن ننظر محدّقين بقدرات الأردن على مواجهة الصعوبات وتجهيز الحلول. هذا مركّب ليس فقط من القوة العسكرية والاستخبارات النوعية، وإنما أيضا من حكمة الأسرة المالكة، ومن قدرتها على إنشاء التماهي مع الجماهير، والشعور بأنّ هناك حكم متيقّظ للضائقات. الأردن، في تقديرنا، مستقرّ ويتعامل بالشكل الأفضل مع التهديدات".
سيرافق الإعدام الهمجي للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، من خلال حرقه حتى الموت داخل قفص، الأردنيين والأسرة المالكة فترة طويلة، حيث أعلنت الأخيرة بأنها ستزيد من هجماتها ضدّ داعش.
رؤيا الأردن الجديدة
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
المشكال الأكثر إلحاحا للتعامل معها هي المشاكل الاقتصادية، التعامل مع موجة اللاجئين السوريين والعراقيين الذين يخنقون الاقتصاد الأردني ويورّطون البلاد من الناحية الأمنية والحرب ضدّ التطرّف الديني والحرب ضدّ التنظيمات السلفية.
ويرغب عبد الله أيضا بمواجهة المشاكل الاجتماعية الداخلية حيث تكون القيادة والسياسية الداخلية أفضل فتمنع تفكّك نسيج الحياة الحسّاس بين الأردنيين من أصول فلسطينية والأردنيين من أصول بدوية. معظم سكان الأردن هم من أصول فلسطينية، وتعود جذورهم إلى الضفة الغربية، ولكن زعماء القبائل هم من الضفة الشرقية، وملوك السلاسة الهاشمية كانوا دائما يعتمدون عليهم لحماية العرش. تحمل العلاقة التي توحّد العائلة المالكة وزعماء القبائل طابعا لاتفاق واضح: مقابل دعمهم للبلاط الملكي، يتوقع زعماء القبائل الشرقيين من الملوك الحفاظ على حقوقهم والحدّ من قوة الفلسطينيين. وعندما يظنّون أنّ الملك لا يهتمّ بهم بما فيه الكفاية، تبدأ المشاكل بالنشوء.
يريد عبد الله رؤية الأردنيين يبنون الأحزاب التي لا تعمل فقط كمراكز لتوفير الفوائد، الإكراميات والوساطات، وإنما أيضا تطوّر الأفكار الأيديولوجية وتنشئ في الأردن ثقافة سياسية ناضجة. إنه يريد أن يرى تمثيلا نسبيا سليما أكثر للفلسطينيين في البرلمان، دون أن يمكّن الإخوان المسلمين من احتكار الإصلاح لأنفسهم باسم الإسلام.
من عدّة نواح، فالملك الأردني هو شخص مليء بالتناقضات. ملك عربي، صادف كونه حفيدا مباشرا للنبي محمد، ويبشّر بنظام ليبرالي، علماني وديمقراطي. عبد الله، وفقا لرؤيته، هو رجل إصلاح سياسي واقتصادي. يقول إنّه يفهم بأنّ الأسرة المالكة الهاشمية، وربما الأردن نفسه، لن ينجحا في البقاء للعقود القادمة، إذا لم ينجحا بسرعة في دفع البلاد للتحرّك صوب العالم الحديث.
علاقات سلام باردة مع إسرائيل
اجتماع نتنياهو مع الملك عبد الله. أرشيف (Kobi Gideon/GPO/FLASH90)
اجتماع نتنياهو مع الملك عبد الله. أرشيف (Kobi Gideon/GPO/FLASH90)
مر عشرون عاما (وقليلا) منذ توقيع معاهدة السلام، والتي أعطت موافقة رسمية وعلنية على المحادثات السرّية التي استمرّت لعشرات السنين، ولكن ليس بشكل مستمرّ، بين إسرائيل والأردن. تأسس الحوار بين البلدين على مصلحة مشتركة لكليهما، والذي بقي منذ ذلك الحين ساري المفعول وهو: احتواء اللاعب المنافس في كلتا الدولتين: الفلسطينيون.
إنّ التفكير بـ "منح الأردن دورا حاسما في حلّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني"، قد أدى بالملك حسين إلى التصريح بفكّ الارتباط رسميّا عن الضفة الغربية عام 1988. مهّد فك الارتباط هذا - الذي أعقبه تغيير في منهج منظمة التحرير الفلسطينية - الطريق إلى اتّفاق أوسلو، والذي تم توقيعه بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وقد منح فكّ الارتباط هذا أيضا شهادة موافقة على المفاوضات بين إسرائيل والأردن وعلى اتفاق السلام بين البلدين، والذي تم توقيعه بعد ثلاثة عشر شهرا فقط من توقيع اتّفاق أوسلو. لم ينتظر الملك حسين ليرى إذا كان الفلسطينيين وإسرائيل سيصلون إلى اتفاق دائم كامل، فقد عجّل في شقّ طريق لإجراء المفاوضات مع إسرائيل وإزالة شبكة التمويه عن العلاقات بين البلدين.
منذ العام 1996، رأى العديد من تشكيلات الحكومة الإسرائيلية بالأردن الوطن البديل للفلسطينيين. وتؤرّق هذه الفكرة قادة النظام الهاشمي، وهو في الواقع، أساس سياسة الأردن الشاملة مع مثلّث العلاقات الأردني - الإسرائيلي - الفلسطيني. إنّ الانتقادات التي يطرحها الملك عبد الله الثاني حول التطرّف في إسرائيل بخصوص قضايا متعلّقة بالصراع مع الفلسطينيين وخصوصا حول مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ينبع من قلق السؤال حول إذا ما رافق اندلاع الانتفاضة الثالثة - التي ستؤدي إلى موجة ثالثة من هروب الفلسطينيين إلى الأردن - تطوّر من شأنه أن يضع حدّا للحكم الهاشمي في المملكة. تعترف معاهدة السلام مع إسرائيل بمكانة الأردن الخاصة في كل ما يتعلق بالمواقع الدينية الإسلامية في القدس. ومن جهتها تحرص إسرائيل على مشاركة الأردن في كلّ ما يتعلق بتلك المواقع في شرقي المدينة، ولكن ولاعتبارات سياسية - داخلية وإقليمية - تفضّل الحكومة الأردنية الاستمرار في توجيه الانتقادات حول ما يحدث في المدينة، حتى لو لم يكن للأحداث مساس مباشر بالمواقع المقدّسة في الإسلام.
رئيس الحكومة الإسرائيلية رابين يتحدث مع ملك الأردن، الملك الحسين، على شاطئ بحيرة طبريا بعد مراسم المصادقة على اتفاق السلام مع الأردن من الحكومة الإسرائيلية (GPO)
رئيس الحكومة الإسرائيلية رابين يتحدث مع ملك الأردن، الملك الحسين، على شاطئ بحيرة طبريا بعد مراسم المصادقة على اتفاق السلام مع الأردن من الحكومة الإسرائيلية (GPO)
ومع ذلك، فإنّ هذه الانتقادات - مهما بلغت حدّتها - لم تُتَرجم حتى الآن إلى عمل ملموس. وذلك رغم أنّ الأردن، ولكونه عضوا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عاميّ 2014 - 2015، قادر على التسبّب بمشاكل وأضرار لإسرائيل في الساحة الدولية. إنّ الاعتراف الأردني بتأثير إسرائيلي في الكونغرس الأمريكي يلعب هو أيضًا دورا مهمّا في اعتدال ردود فعل الأردن لما يراه استفزازات إسرائيلية؛ أي البناء في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويعكس ضبط النفس هذا نظرة واسعة لنظام المصالح الشامل لدى المملكة، وخصوصا على خلفية وبعد الاضطرابات التي جرت في الشرق الأوسط في السنوات الأربع الأخيرة.
إنّ الذكرى السنوية العشرين لمعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن ليست عيدًا، ولكنها أيضًا ليست يوم صيام. يمكننا أن ننظر إلى هذه المعاهدة، وكذلك الأمر إلى معاهدة السلام التي وقّعتْ بين إسرائيل ومصر، كخيبة أمل. ليس هناك أي دفء في العلاقات بين إسرائيل والبلدين. بقيت غالبية المعاهدات المرتبطة بالتعاون في المجالات المختلفة حبرا على ورق، دون أي تطبيق. ليس هناك أي أثر يُذكر للتعاون على مستوى المجتمع المدني، وكذلك فإنّ آلاف السياح الإسرائيليين الذين ارتادوا في الماضي المواقع السياحية المعروفة في هذين البلدين، يبعدون أقدامهم خوفا من الإرهاب. من ناحية أخرى، فإنّ معاهدات السلام مع الأردن ومصر توفّر الإطار الرسمي، الذي يمكّن من التعاون الذي يلبّي المصالح الحيوية لدى إسرائيل وأيضا لدى كلا البلدين الجارَيْن.


اقرأ المزيد: رجل الساعة: الملك عبد الله يُكافح من أجل بقاء المملكة الأردنية - المصدر http://www.al-masdar.net/%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%83-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%8a%d9%8f%d9%83%d8%a7%d9%81%d8%ad-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84/#ixzz3R3TNUJWW

قوي ضدّ حماس: حرب السيسي ضدّ الإرهاب

اضطر الرئيس السيسي الآن إلى مواجهة الإرهاب المستشري في سيناء، والذي يجذب الاهتمام والموارد عن التحدي الحقيقي والأهم: الاقتصاد المصري المضطرب

5 فبراير 2015, 19:340
عبد الفتّاح السيسي يؤدي القسم كرئيس لمصر (AFP)
عبد الفتّاح السيسي يؤدي القسم كرئيس لمصر (AFP)
لم تتقبل حركة "الإخوان المسلمون" هزيمتها. بعد عزل مرسي بالقوة عن الحكم من خلال انتفاضة شعبية واسعة وبمساعدة عسكرية، أطلقت الحركة عصيانا مدنيّا مستمرّا ومبادرات احتجاج في الشارع بشكل مستمرّ. ويعمل أعضاؤها الذين لا يزالون في مناصب حكومية وعامة رئيسية كطابور خامس للإضرار بالبنى التحتية للبلاد. وبفضل معلومات قاموا بنقلها، تم تفجير أعمدة ضغط عال مما أدى في لحظة ما إلى هبوط بنسبة 5% من الجهد الكهربائي في مصر. وقد تضرّرت أيضًا خطوط السكك الحديدية عدة مرات في أعقاب تفكيك أجزاء من السكة الحديدية أو تفجير القطارات.
رغم استمرار المظاهرات، وفي حين أن عدد المشاركين لم يتجاوز بضع مئات، ازداد عنفهم وكذلك ردود فعل القوى الأمنية التي تفقد صبرها. ويتهم النظام أيضًا الحركة بتنفيذ هجمات في أرجاء البلاد. كان أشهرها الهجوم على محطة الشرطة في كرداسة، وهي قرية سياحية معروفة غربي القاهرة، والذي قُتل خلاله 16 شرطيًّا. تم إلقاء القبض على المنفّذين، وهم من أعضاء "الإخوان المسلمون"، وتمّت محاكمتهم وسيتم الحكم عليهم بالإعدام هذا الأسبوع. وبالمجمل فإنّ الأضرار الناجمة عن المظاهرات والهجمات، باستثناء سيناء، ليست كبيرة، ولكنها تُنشئ شعورا بفقدان الأمن العام. أضرّ النظام إلى توجيه موارد عديدة من أجل محاربتهم ولا يستطيع التركيز على التحدّي الاقتصادي، كما كان يريد.
في مصر، حماس هي داعش
تنبع مشكلة الأمن الرئيسية من عمليات التنظيمات الجهادية في سيناء. في الأشهر الـ 18 الماضية منذ إسقاط "الإخوان المسلمون" من الحكم توسّع نشاط التنظيمات الإرهابية الإسلامية كثيرا في شبه الجزيرة. تجمّعت معظمها تحت مسمّى "أنصار بيت المقدس"، الذي تبيّن أن لديه قدرات عمليّاتية مذهلة. حيث استطاع التنظيم في شهر تشرين الأول الماضي قتل 31 جنديًّا في هجمة على موقع عسكري، وهي العملية التي أدت إلى فرض حظر تجوال ليلي على شمال سيناء وإنشاء منطقة عازلة من 1000 متر على طول قطاع غزة. تم إخلاء المنطقة من سكانها، الذين رغم تلقّيهم للتعويضات إلا أنّ ذلك بالتأكيد لم يزد محبّتهم للنظام المصري المكروه على أية حال.
في الأشهر الـ 18 الماضية منذ إسقاط "الإخوان المسلمون" من الحكم توسّع نشاط التنظيمات الإرهابية الإسلامية كثيرا في شبه الجزيرة سيناء
خرج الجيش المصري، الذي أدخل تعزيزات كبيرة إلى شمال سيناء بموافقة إسرائيل، في عملية واسعة النطاق. تم اكتشاف وتدمير 1850 نفق، وقُتل واعتُقل المئات من الإرهابيين وتضررت العشرات من بؤر التنظيمات. بدا في الأسابيع الماضية أنّ عمليات التنظيم قد تقلّصت، ولكن الهجمة الإرهابية الكبيرة والتي تمّ تنفيذها الأسبوع الماضي ضدّ منشآت الشرطة والجيش في العريش ونجم عنها وفاة ما لا يقلّ عن 30 جنديّا مصريّا، أثبتت بأنّ الإرهاب الإسلامي في سيناء حيّ يرزق. وعلاوة على ذلك، فقد أعلن تنظيم "أنصار بيت المقدس" مؤخرا ولاءه لأبي بكر البغدادي؛ زعيم الدولة الإسلامية، وتم تغيير اسمه إلى "ولاية سيناء" (التابعة للدولة الإسلامية). وقد أعلن مسؤوليته بهذا الاسم عن العملية الأخيرة في العريش.
وفي مصر نفسها كانت هناك تعبيرات عديدة للتضامن مع الجيش، والذي يرمز إلى وحدة البلاد أكثر من أي جسم آخر ويحظى بالتبجيل باعتباره المدافع الأخير عنها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك ردود فعل منتقدة في الإعلام والذي يتمتع بحرية أكثر اليوم من الماضي. والأسئلة شرعية: كيف يُمكن للجيش الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط ألا ينجح في السيطرة على تنظيم إرهابي يعمل داخل مناطق السيادة المصرية، وذلك بعد أن أدخل إلى سيناء تعزيزات واسعة النطاق، والتي تشتمل على مروحيّات، ناقلات الجند المدرعة وأمور أخرى؟ والانتقادات موجّهة إلى السيسي بطبيعة الحال، وهو في الأصل رجل عسكري، والذي وعد بضرب الإرهابيين حتى الموت. قطع السيسي زيارته لأديس أبابا، حيث شارك هناك في القمة السنوية للاتحاد الإفريقي، وعاد إلى القاهرة لإدارة الحدث.
ألقى السيسي بالمسؤولية عن الهجمات على "الإخوان المسلمون"، وأعلنت محكمة محلية عن الجناح العسكري لحركة حماس تنظيمًا إرهابيًّا. وذلك بعد أن أعلنت محكمة أخرى قبل عام حظر نشاط حماس في مصر، في أعقاب مشاركة التنظيم في المظاهرات ضدّ مبارك عام 2011 ومشاركة أعضائه في اقتحام السجون في القاهرة. وقد تم في هذه الهجمات إطلاق سراح مجموعة من قادة "الإخوان المسلمون"، ومن بينهم مرسي نفسه، والذين اعتقلوا قبل أسابيع من ذلك. وكان من بين من أطلق سراحهم أيضًا أحد مسؤولي حماس وهو أيمن نوفل، الذي نجح في الهروب إلى غزة، وتم تعيينه قائدا للواء المركزي في قطاع غزة، وسامي شهاب، رئيس خلية حزب الله في مصر والذي خطّط لهجمات في قناة السويس، وهرب إلى لبنان. يُعتبر قطاع غزة قاعدة لوجستية لعمليات التنظيمات الإرهابية في سيناء. حيث تستطيع هناك التدرّب والتنظيم من أجل عملياتها في مصر.
الجيش المصري (صورة: المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)
الجيش المصري (صورة: المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)
مقابل الحرب على الإرهابلا مبالاة من قبل الأمريكيين والغرب
السؤال هو لماذا لا ينجح الجيش المصري في إيقاف الإرهاب. يبدو أنّ المشكلة تكمن في عدم استعداده للقتال ضدّ حرب العصابات وخصوصا إذا كانت في المدن
السؤال هو لماذا لا ينجح الجيش المصري في إيقاف الإرهاب. يبدو أنّ المشكلة تكمن في عدم استعداده للقتال ضدّ حرب العصابات وخصوصا إذا كانت في المدن. اتضح أنّ الجيش لم يُجهّز لمهامّ من هذا النوع من قبل قادته ولم يُجهّز أيضًا في إطار المساعدة العسكرية الأمريكية التي تشتمل على تدريب ضباط الجيش المصري في الأكاديميات العسكرية الأمريكية (حيث أقام هناك أيضًا عبد الفتاح السيسي بنفسه) وعلى المناورات العسكرية المشتركة، التي خُصّصت للحروب التقليدية غير الموجودة اليوم في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة. وُيضاف إلى ذلك أنّ على الجيش أن يواجه، جزئيّا على الأقل، سكانا بدوًا عدائيين لا يميلون للتعاون مع السلطات، التي أهملتهم وأهانتهم في العقود الأخيرة. سمحت نتيجة هذه السياسة الحكومية الفاشلة لحماس في البداية بإقامة شبكات لتهريب الصواريخ والأسلحة من السودان إلى غزة عن طريق سيناء بمساعدة البدو، وسهّلت في المقابل على التنظيمات الإرهابية الإسلامية إغراء البدو للانضمام إلى صفوفها والكفاح ضدّ السلطة باسم الإسلام. بدأت هذه العملية في شمال سيناء منذ فترة مبارك.
بلراك أوباما وجون كيري (AFP)
بلراك أوباما وجون كيري (AFP)
عاد السيسي ليقول إنّه سيبذل كلّ جهده من أجل القضاء على الإرهاب ولن يسمح بتدهور مصر إلى الفوضى. وقد أعلن هذا الأسبوع عن إنشاء مقرّ خاصّ لمكافحة الإرهاب ينسّق بين جميع الهيئات. ويمكن أن نقول عن ذلك من الأفضل أن يكون متأخرا من ألا يكون مطلقا.
ومن المثير للدهشة، فإنّ مصر التي تحارب الإسلام الأصولي، لا تحظى بالمساعدة من الغرب. خصوصا بالنسبة للولايات المتحدة المرتبطة مع مصر باتفاقات للمساعدة الأمنية منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. تستمرّ حكومة أوباما في التعبير عن دعمها لحركة "الإخوان المسلمون" واعتبارها تيّارا سياسيا أصيلا وشرعيّا في الإسلام. وقد ظهر هذا الدعم في الأسبوع الماضي بشكل حادّ ويمسّ بمصر عندما تمّ استقبال وفد من "الإخوان المسلمون" هرب أعضاؤه من مصر إلى محادثة في وزارة الخارجية في واشنطن. التقط أحد أعضاء الوفد صورة بجانب شعار وزارة الخارجية وهو يشير بأصابعه بإشارة تأييد حركة "الإخوان"، ونشر الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي في تحدّ واضح للسيسي.
ورغم أن واشنطن قد أرسلت مؤخرا العشرات من مروحيّات الأباتشي التي كانت تنقص مصر في حربها بسيناء ضدّ الإرهابيين، ولكن المساعدة الأمنية التي تمّ تعليقها كعقاب للسيسي لا تزال لم تُجدّد بنطاقها الكامل. يواصل أوباما تجاهله للسيسي ولا تحظى مصر بالمساعدة في مجال القوى الخاصة وإدارة حرب العصابات، مما يمكن أن يرفع من قدراتها في حربها ضدّ قوى الإرهاب في سيناء. أيضًا الاتحاد الأوروبي لا يقوم بأيّ جهد لمساعدة مصر.
إلغاء الدعم وتطوير مشاريع جديدة
إنّ السؤال الكبير الذي يقف أمام مصر اليوم هو إذا ما كانت ستنجح بالمضيّ في طريق النموّ الاقتصادي أم سيحبط الإرهاب جهودها. تحاول مصر اليوم الخلاص، ليس فقط من أربع سنوات من الأزمة السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية، والتي غرق فيها الكثير من الضحايا ودهورت اقتصادها، وإنما أيضًا من سوء إدارتها في فترة مبارك.
تعاني مصر من تخلّف اقتصادي حادّ. يعيش أكثر من نصف السكان الذين يبلغ تعدادهم نحو 90 مليون نسمة تحت خطّ الفقر، والذي يعرّف بحسب الأمم المتحدة براتب دولارين يوميّا
تعاني مصر من تخلّف اقتصادي حادّ. يعيش أكثر من نصف السكان الذين يبلغ تعدادهم نحو 90 مليون نسمة تحت خطّ الفقر، والذي يعرّف بحسب الأمم المتحدة براتب دولارين يوميّا، ويعيشون فقط بفضل الدعم السخيّ للمنتجات الأساسية ولمنتجات الطاقة التي تقدّر  بنسبة 20% من ميزانية الدولة. يصل عدد العاطلين عن العمل إلى أقل من 15% من القوى العاملة، وتزداد البطالة في أوساط الشباب من خرّيجي الجامعات إلى نحو 40%، ونحو 12% من السكان لا يزالون يصابون بأمراض الملاريا، البلهارسيا والتهاب الكبد C، ولا يعرف ثلث السكان، على الأقل، القراءة والكتابة.
يضاف إلى ذلك بأنّه ليست لدى مصر صناعة حديثة تليق باسمها وهي تعتمد على استيراد المنتجات المتطوّرة والتكنولوجية من الغرب. صادرات مصر الأساسية هي القطن ومنتجاته، والمواد الكيميائية على أساس النفط، والآخذة بالنفاد. وقد توقف تصدير الغاز بعد أنّ لم تُنفّذ منذ عهد مبارك الاستثمارات المطلوبة لتطوير حقول الغاز وتسويقه. ليس فقط أنّ مصر ينقصها الغاز بالنسبة للسكان المحليّين وإنما لأنها تلبّي الاتفاقات التي وقّعتها مع شركة "بريتيش غاز" وشركة "فينيسيا" الإسبانيّة لتوفير الغاز بشكله المسال - LNG - إليهما، وهي مُدينة لهما بمليارات الدولارات كتعويضات.
يكرّس الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، كلّ طاقته من أجل تعزيز الاقتصاد. فهو يعي أنّ الشعب متعب من فترة عدم الاستقرار الثورية ويرى فيه الملاذ الأخير لتغيير حقيقي. منذ أن قرّر السيسي ترشيح نفسه للرئاسة، كرّر التصريح بأنّ هدفه الوحيد هو إخراج مصر من الجمود الاقتصادي، وإلا فستغرق في الفوضى ومن يدري ماذا ستكون نتائج ذلك.
تتفاوض شركة الغاز المصرية الآن مع "نوبل إنيرجي" و "ديلك" الإسرائيلية من أجل شراء الغاز من حقل تمار الإسرائيلي من خلال هذه الشركات، حتى تستطيع تلبية التزاماتها تجاه زبائنها في آسيا وأوروبا. تأتي إيرادات مصر بالعملات الأجنبية في الأساس من السياحة، الضرائب في قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج. وهو هيكل اقتصادي معيب لا يسمح بتقدّمها إلا إذا تمّ إصلاحه بشكل كامل. تجدر الإشارة إلى أن عدد سكان مصر سيبلغ 100 مليون مواطن عام 2020.
قال السيسي للشعب إنّه سيقوم بإصلاحات بعيدة المدى والتي ستُثقِل على المدى القريب على المواطن وستكون هناك حاجة للانتظار لنحو عامين قبل الشعور بالتحسّن. بعد تولّيه لمنصبه فورا، ألغى السيسي نحو 80% من الدعم على الوقود والغاز ووفّر بذلك مليارات الدولارات، التي وُجّهتْ لتمويل البنى التحتية، التعليم وغير ذلك. أدى ارتفاع أسعار المواصلات الذي جاء عقب ذلك إلى استياء في أوساط الشعب، ولكن ذلك هدأ بعد مرور زمن قصير، وكان يمكن أن نفهم بأنّ المواطنين يقبلون سياسة التقشّف التي يقوم بها ويعتبرونها أملا لتغيير ملموس في المستقبل. وقد بدأ السيسي أيضًا في تنفيذ برنامج عملاق في مجال البنى التحتيّة مثل بناء قناة السويس الموازية، بهدف مضاعفة حركة السفن في القناة، وكذلك مثل إنشاء مناطق صناعية وسياحية بين القناتين، مما يُفترض أن توفّر فرص عمل لمئات الآلاف من المصريين وأن تسرّع أيضًا التنمية في سيناء.
هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)
هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)
في الوقت الراهن، توفّر السعودية ودول الخليج لمصر مساعدات مالية، ولكن ذلك دواء مؤقّت وليس بديلا عن النموّ الاقتصادي
وهناك برامج أخرى عديدة ومثيرة للإعجاب في مجالات مختلفة، ولكن السؤال إذا ما كانت مصر قادرة على تنفيذها على أرض الواقع. في الوقت الراهن، توفّر السعودية ودول الخليج لمصر مساعدات مالية، ولكن ذلك دواء مؤقّت وليس بديلا عن النموّ الاقتصادي. ومن أجل زيادة الاستثمارات والتكنولوجيا، فقد بادر السيسي إلى انعقاد "المؤتمر الدولي من أجل مصر" والذي يُفترض أن ينعقد في نصف شهر آذار القريب في شرم الشيخ. دُعي للمؤتمر 1,500 شركة من جميع أنحاء العالم. هناك نتائج إيجابية فعلية لهذه السياسة. بدأ الدَّيْن الوطني بالانخفاض قليلا وتتنبّأ التوقعات بنموّ اقتصادي بنسبة 3% في الفصول القادمة. وهو تغيير متواضع جدّا ولكنه على الأقل يغرس أملا صغيرا.
هناك تحدّ آخر ومهمّ جدّا وهو جلب الاستقرار للنظام السياسي الذي لا يزال يعتمد بشكل أساسي على الرئيس، بينما لا تنجح الأحزاب في إقامة أطر سياسية قابلة للحياة قبيل الانتخابات البرلمانية.
إنّ الانتخابات التي يُفترض إجراؤها في نهاية شهر آذار هي المرحلة الثالثة في خارطة الطريق التي قدمها السيسي للشعب المصري بعد عزل مرسي. وقد تمّ تنفيذ المرحلتين الأولين بنجاح وهي: صياغة الدستور والموافقة عليه من خلال استفتاء شعبي والانتخابات الرئاسية. ستمثّل الانتخابات البرلمانية اختبارا للمشهد المصري المحلّي. إنّ برلمانا منتخبا مكوّنا من أحزاب ليبرالية هو فقط ما يمكنه أن يمثّل وزنا ضدّ الرئيس، وينتقد السياسات الاقتصادية، ويحافظ على حقوق الإنسان ويوقف التطرّف الإسلامي. في الوقت الراهن، لم تنجح عشرات الأحزاب القديمة والجديدة المفتقدة للتقاليد الديمقراطية في الانتظام وإقامة كتلة ليبرالية كما هو مطلوب، وهناك خشية من أن تستغلّ جهات إسلامية هذا الوضع. وقد يأتي الأمل من جهة رئيس الحكومة السابق الجنزوري الذي يعمل على تأسيس قائمة موحّدة للأحزاب الليبرالية، ولكنه مضطر إلى مواجهة زعماء أحزاب ضيّقي الأفق يحاولون استنزاف أكبر قدر من الأماكن الحقيقية في البرلمان منه ويرفضون التخلي عن مكانتهم. ولذلك ينبغي الانتظار لعدة أسابيع حتى يتّضح الموقف.
الإرهاب قد يتدفّق إلى الخارج
تعيش مصر - والتي هي أكبر وأهم دولة عربية - اليوم في ذروة جهود هائلة مبذولة لتجديد اقتصادها، ولإقامة نظام سياسي جديد ومستقرّ في الوقت الذي تدير فيه صراعا مريرا ضدّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة. ومن المفارقات، أنّ مصر المحتاجة للتفهّم والمساعدة، قد تُركت بمفردها ولا تحظى بتشجيع ومساعدة من الغرب. إنّ الافتراض هو أنّ مصر ستهزم الإرهاب الإسلامي، ولكن سيكون ذلك بسعر حرب طويلة ودموية ستؤثّر على جميع دول المنطقة. سيستمرّ الصراع في مصر، مثل صراع الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، دون شكّ في إلهاب المشاعر وجلب تدفّق آخر للشباب من الدول العربية ودول الغرب، وسيزيد من مخاطر الإرهاب سواء في إسرائيل أو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
تسفي مازال، هو مستشرق ودبلوماسي إسرائيلي، تولّى منصب سفير إسرائيلي في رومانيا، مصر والسويد. باحث زميل في المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة.
نُشرت مقالة الرأي هذه للمرة الأولى في موقع ميدا