الجمعة، 21 مارس 2014

عندما تزوج نزار قباني من ابنة ياسر عرفات
تاريخ النشر : 2013-11-12

عندما تزوج نزار قباني من ابنة ياسر عرفات
بقلم: غادة السمان

قال نزار قباني : لم اكن اعرف ان لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس .. الا في وقت متأخر ..
فليس في حياة القائد الفلسطيني مايشير الى وجود ابنة له .. بل ليس في تاريخه مايشير الى انه تزوج ذات يوم ...
صحيح انهم ينادون ياسر عرفات ( ابو عمار ) ولكن هذه التسمية ليست اكثر من كنية يكنون بها القائد الكبير ، الذي لم يجد اجمل من الثورة الفلسطينية زوجة يعقد قرانه عليها ....
اذن فمن اين جاءت بلقيس ؟
وكيف تناديه ( يا ابي ) ...
ويناديها ( يا ابنتي)
وليس في ارشيف ياسر عرفات ، او في سيرته الذاتية او في سجلات الاحوال المدنية مايثبت ان الرجل كان متزوجا ...
والذي يجعل القضية اكثر اثارة ... ويعطيها بعدها الدرامي ... ان بلقيس هذه .. هي زوجتي ..
فكيف لم اكتشف انني صاهرت ابا عمار وتزوجت ابنته .. وانجبت منها زينب وعمر .. الا يوم قتلت بلقيس في 15/12/1981 تحت انقاض السفارة العراقية في بيروت ..
في هذا اليوم بالذات .. ظهر ابو عمار فجأة في منطقة الخراب ..
كانت امطار الحزن تغطي وجهه .. وكانت عيناه تشتعلان كجمرتين .. وكان يصرخ بصوت متهدج :
' اين انت يا بلقيس ' ؟
اين انت يا ابنتي ؟
' ردي على ابيك يا وردة .. '
' ياوردة الثورة الفلسطينية ' وبقيت الوردة تحت الانقاض خمسة عشرة يوما .. وكان ابو عمار يذهب كل ليلة ، لينكش بين الحجارة والحكام ونثارات العيون المحترقة والاهداب المحترقة .. عن ابنته التي زوجني اياها دون ان يدري .. وتزوجتها انا دون ان ادري ان ياسر عرفات كان اباها .....

خلال اربعين يوما كان ياسر عرفات يمد جناحيه الكبيرين علينا .. ويقعد ساعات الى جانب ام بلقيس .. يلاطفها ، ويداريها ، ويواسيها ، ويكفكف دمعها ...
ولاانسى ابداً نورانية وجهه .. وحنان تعابيره .. وهويقدم لها لقمة الطعام باصابعه .. وكوب الماء بيده .. محاولا ان يبدد غمامة الحزن عن عينيها .. وينتزع الابتسامة من شفتيها بأي ثمن ...

في تلك اللحظات المضرجة بالدم والدمع .. المضروبة بالاعاصير والانواء ...
النازفة كجرح مفتوح
في تلك اللحظات عرفت الوجه الاخر لياسر عرفات
كلكم يعرف ياسر عرفات مناضلا .. وثائرا ... وقائدا تاريخيا للثورة الفلسطينية
ولكنكم لاتعرفون ياسر عرفات حين يتحول الى غمامة ماء ... وجدول حنان .. ومنارة رحمة ...
ياسر عرفات عندما يخلع كوفيته .. وعقاله .. وجزمته .. ويترك غرفة العمليات .. والتقارير .. والخرائط .. وسيارة ارانج روفر .. واخبار عصر الانحطاط العربي ... ليمارس طفولته كأنقى ماتكون الطفولة .. ويمارس ابوته كأعظم ماتكون الابوة ..

ماذا يربط بلقيس بأبي عمار ؟
بعيدا عن تعلق أي امرأة بشخصية البطل .. ورموز البطولة .. فأن ثنة سراَ كان يربط بين زوجتي ، والقائد الفلسطيني الكبير ....
سراَ لم يتضح الا بعدما تحولت بلقيس الى غمامة بنفسجية ... وكوم رماد ..
والحقيقة أن حماس ياسر عرفات لبلقيس ، واصراره على تشييعها بكل المراسم التي يشيع بها ابطال الثورة الفلسطينية ككمال ناصر ، وغسان كنفاني ، وابي حسن سلامة ، وكمال عدوان ، وابي يوسف النجار .. تلقي اضواء على السر كبير
اما جنازة بلقيس ، فقد حولها ياسر عرفات ، الى مهرجان عزة وكرامة وعنفوان .. فمشت خلف نعشها كل رموز الثورة المسلحة من دروع ، ومصفحات ، وصواريخ ومضادات .. ومقاتلين .. كأنما قرأ ابو عمار افكار بلقيس ، فأراد ان يطمئنها ، أن الثورة الفلسطينية لاتزال قوية ، وشابة ، وواثقة من نفسها
وعلى الطريق من الجامع الى مقبرة الشهداء ، كان ابو عمار يشد على يدي بقوة .. وكانت بلقيس تختال بثوب عرسها الابيض... فقد كان من احلامها الكبرى أن تتزوج على هذه الطريقة
والغريب ، أن بلقيس ، رغم عشرتنا الطويلة الجميلة التي استمرت اثني عشر عاما ، ورغم انني كنت اعرف شؤونها الكبيرة والصغيرة ، فقد بقيت محتفظة بسر واحد لم تعلنه هي ، وانما اعلنه الموت ..
.. عندما رجعنا من الجنازة الى مكتب ابي عمار ، بدأ القائد الفلسطيني يتكلم عن بلقيس الراوي ... وبدأ اللغز ينكشف ، ..
قال :
في آذار 1968 ، وكنا خارجين من معركة ( الكرامة) ، جاءتني الى منطقة الاغوار في الاردن فتاة عراقية فارعة القامة ، تجر وراءها ضفيرتين ذهبيتين ..
وطلبت مع زميلاتها في ثانوية الاعظمية للبنات في بغداد ، تدريبهن على حمل السلاح ، وقبولهن مقاتلات في صفوف الثورة الفلسطينية .
وبالفعل اعطينا الفتيات العراقيات ، ومن بينهن بلقيس ، بنادق ، واخذناهن الى ساحة الرمي حيث تعلمن اطلاق الرصاص ، واساليب القتال .
وكانت الفتيات سعيدات بملاسمة السلاح ، وكنا سعداء بأن تنضم الى الثورة الفلسطينية هذه الزهرات من ارض العراق .
... ودارت الايام _ يتابع ابو عمار كلامه _ وكتب لنا القدر ان نواصل نضالنا في لبنان ، كما كتب لبلقيس أن تعمل في سفارة العراق في بيروت .

وذات يوم ، كنت مدعوا للعشاء لدى احد الاصدقاء في بيروت ، فاذا بالفتاة ذات القامة الفارعة ، والضفيرتين الذهبتين .. التي جاءتني متطوعة الى الاغوار قبل عشر سنوات تدخل ... وتدخل معها ذكريات نصرنا الجميل في( الكرامة ) ... وتصافحني بحماسة رفيق السلاح ...
والتفت اليّ ابو عمار ، والدمعة عالقة باهدابه ، وقال :
' هل تعرف يانزار أن الفتاة التي تزوجتها انت، فيما بعد ، هي رفيقة السلاح التي جاءتنا الى الاغوار في اذار 1968، واكلنا معها خبزاً .. وزيتوناَ .. وبيضا مسلوقاً ' ؟
' لذلك يااخي يانزار ، نحن نشيعها كمناضلة فلسطينية .. وندفنها الى جا نب الشهداء الفلسطينين ، ونلفها بالعلمين العراقي والفلسطيني ، تكريما للارض التي اطلعتها ، وللثورة التي نذرت نفسها لها ... '
' ان بلقيس الراوي لم تكن زوجتك ، بقدر ماكانت ابنة الثورة الفلسطينية ... '
هكذا تكلم ابو عمار .. وفي اليوم الثاني ، ذهبت الى مقبرة الشهداء لأزور حبيبتي فوجدت على رخامة قبرها الكتابة التالية :

الشهيدة بلقيس الراوي
استشهدت في 15/12/1981
يا جبل ما يهزك ريح ... يا جبل ما يهزك ريح



اقرأ المحتوى الاصلي على دنيا الوطن http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2013/11/12/457916.html#ixzz2wc591nCI


دبكة فلسطينية أمام وداخل عدد من متاجر لندن

بالفيديو : دبكة فلسطينية أمام وداخل عدد من متاجر لندن
تاريخ النشر : 2014-03-21
 
رام الله - دنيا الوطن
 أطلقت إحدى المجموعات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، مؤخرا حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية في لندن ونظمت مجموعة " London Palestine Action" حلقة "دبكة" فلسطينية أمام وداخل عدد من متاجر لندن احتفالا بتفريغها من منتجات إسرائيلية وفق ما نشرت على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وارتفعت وتيرة حملات المقاطعة العالمية خصوصا الأوروبية للمنتجات الإسرائيلية والمستوطنات مما تسببت في خسائر لدى الاقتصاد الإسرائيلي بلغت أكثر من 100مليون شيقل خاصة فيما يتعلق بقطاع الزراعة بمنطقة الأغوار.

وأوضحت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن الدعوات الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات ستتعاظم وسيتقلص استيرادها من إسرائيل لافتةً إلى أن مجمل تصدير منتجات المستوطنات إلى أوروبا يُقدّر بـ 300مليون شيقل.





اقرأ المحتوى الاصلي على دنيا الوطن http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/03/21/511086.html#ixzz2wc20ATSK

الفيلم الفلسطيني "عمر" يفتتح المهرجان العربي الخامس للأفلام في برلين

انطلقت في العاصمة الألمانية برلين فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الأفلام العربية، ويعرض المهرجان ضمن قائمة اختياراته الرسمية 30 فيلما، منها التسجيلية والروائية والتجريبية لمخرجين عرب تتناول الأوضاع والقضايا العربية.
Szene aus Film Omar
تحت رعاية جمعية أصدقاء الأفلام العربية تم أمس الأربعاء افتتاح المهرجان الخامس للأفلام العربية في عدة دور عرض سينمائي في مدينة برلين حيث يستمر المهرجان والذي حمل اسم "الفلم" حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري. يعرض المهرجان ضمن قائمة اختياراته الرسمية 30 فيلما متنوعا منها التسجيلية والروائية والتجريبية لمخرجين عرب تتناول الأوضاع والقضايا العربية مثل فيلم "الشتا اللي فات" 2012 للمخرج المصري إبراهيم البطوط الذي يتناول أحداث جمعة الغضب إبان الثورة المصرية على نظام حكم مبارك. وكذلك الفيلم التسجيلي "يا من عاش" للمخرجة التونسية هند بوجمعه، ويفتح هذا لفيلم ملفاً جديداً في المتغيرات في تونس بعد الثورة ورحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما يعرض المهرجان فيلما روائياً بعنوان "سلم إلى دمشق" 2013 للمخرج السوري الشهير محمد ملص.
كما يعرض المهرجان فيلمين تسجيليين موسيقيين هما الكترو شعبي والذي يقدم صورة حية للثقافة الموسيقية الجديدة في ضواحي القاهرة والثاني فلم عراقي بعنوان "قوانة" ويعرض رحلة طويلة للبحث عن أغنية تركمانية قديمة ومنسية وما يرافق البحث من اكتشاف للثراء العراقي الموسيقي.
افتتح المهرجان الفيلم الفلسطيني "عمر" للمخرج هاني ابو اسعد والذي رشح لنيل الأوسكار لفئة الأفلام الأجنبية ويروي الفيلم قصة حياة خباز فلسطيني شاب يدعى عمر ويلقي الضوء على الخيارات الصعبة التي يضطر لاتخاذها بعد تورطه في قتل جندي إسرائيلي وتعرضه لضغوط من جانب المخابرات الإسرائيلية للعمل لصالحها وما يعانيه البطل من تمزق نفسي بين الولاء والخيانة بعد حبه لإحدى الفتيات.
Oscar-Nominierung für Film Omar
فيلم "عمر" للمخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد رشح لنيل الأوسكار لفئة الأفلام الأجنبية
يعتبر المهرجان فرصة كبيرة للأفلام العربية للوصول إلى العالمية وفرصة للجانب الألماني للتعرف أكثر عن العالم العربي عن طريق السينما حيث يوفر منصة عرض للمشهد السينمائي المتنوع في العالم العربي ويهتم المهرجان بالأفلام ذات المحتوى الفني الجيد. وهو مهرجان غير هادف للربح، وإنما يعتمد على الفريق الذي ينظمه بالتعاون مع الرعاة والمهتمين بالسينما.
ويقوم بتنظيم المهرجان فريق نشط وفعال هو جمعية "أصدقاء السينما العربية" التي تأسست عام 2004 وتهدف إلى دعم وتقدير الإنتاج الثقافي للفنانين العرب، برئاسة الطبيب اللبناني عصام حداد والذي يرأس أيضاً اتحاد الناشرين العرب في ألمانيا. يذكر أن المهرجان الأول أقيم عام 2009، ويعد المهرجان حدثاً ثقافياً طموحاً استطاع أن يثبت تواجده في المجتمع والسوق الأوروبية خلال الأعوام السابقة.
جدارية "هنا أرض كنعان" في الأراضي الفلسطينية

هنا أرض كنعان...جدارية فصول الأمل والألم

على قارعة الطريق وسط مدينة نابلس في الأراضي الفلسطينية تتسلق شابة جدارا ضخما لترسم خطوط وقصص من المعاناة والأمل في حياة الفلسطنيين بأكبر جدارية بالوطن العربي، تحمل في طيات ألوانها صراعا محتدما على الأرض والهوية بين الفلسطنيين والإسرائيليين. مهند حامد يطلعنا في هذا التقرير المصور على "جدارية هنا أرض كنعان".
على جدار ضخم في مدينة  نابلس في شمال الضفة الغربية بدأت تتشكل ملامح  جدارية "هنا أرض  كنعان"، بمشهد امرأة كنعانية تعمل  في الأرض "ليبدأ الصراع المحتدم بين الفلسطينين والإسرائيلين على الأرض الذي تجسده اللوحة في مشهدها الذي يمتد إلى أكثر من 3000 عام قبل الميلاد"، كما يوضح الفنان التشكيلي القائم على اللوحة وائل ديويكات في حديثه مع موقع قنطرة.
اللوحة التي تمتد على أكثر من 1000 متر مربع تجسد في أبعادها التشكيلية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما حل بالأرض والشعب من نكبات ونكسات. وتحاول الجدارية بألوانها ومشاهدها أن تروي للعالم بلغة الفن حكاية فلسطين ومعاناتها  تحت وطأ الاحتلال وبحثها عن الحرية والسلام، كما يقول الفنان دويكات.
الجدارية، التي تعتبر الأكبر في العالم العربي  يعكف على طلائها ورسمها 25 فنانا وفنانة شابة من الأراضي الفلسطينية  أطلقوا على أنفسهم  "فنانين اثينا" تيمناً بمدرسة الفن الإيطالي "لوحة اثينا" الشهيرة، التي رسمها الفنان الايطالي (رافائيل) بينسنتي 1509 – 1510.
الفن في خدمة الرواية...
جدارية "هنا أرض كنعان" في الأراضي الفلسطينية، الصورة مهمد حامد
الحكاية هي جوهر الصراع المرير القائم بين الفلسطيني والإسرائيلي
يقول القائمون على الجدارية إن أعمالهم تهدف إلى "التعريف بالقضية الفلسطينية وما حل بالشعب  الفلسطيني من تشرد واستيلاء على الأرض، والتعبير من خلال مشهد شجرة الزيتون باللوحة على رغبة  الفلسطنيين بالسلام، الذي يستطيع  الزائر والمتامل أن يقرأ فصولها ويستنبط أحداث ما حصل ويحصل  دون أن تقف اللغة عائقا أمامه".
وفي حديث خصت به موقع قنطرة تقول الفنانة الشابة سارة موسىفي، التي تمازجت ثيابها بألوان اللوحة، إن "الجدارية  توصف المراحل التي مرت بها  فلسطين من خلال الانتقال من الوصف الصوري الفوتوغرافي إلى الانتقال إلى الفكر الفلسفي للفن، من  تجريد مشاعرنا واختزال التكوينات التي عاشها الشعب الفلسطيني، وتصوير التناقضات اليومية، التي نمر بها من خلال  صورة غير مباشرة لفلسفة الفن لإيصال رسائلنا".
وتضيف سارة موسىفي إن اللوحة تريد أن توصل للعالم الإحساس الفلسطيني وواقع المعاناة الذي يمر بها بطريقة حضارية وفنية، حيث يستطيع المتامل بالوحة أن يشاهد حكاية الشعب الفلسطيني الذي مر بها، ويستنبض الأبعاد السياسية والثقافية التي  يعيشها، لافتة الانتباه إلى أن الجدارية تجسد الفكر المفتوح على كل الثقافات والشعوب في شتى انحاء المعمورة.
انفتاح ثفافي
وتلفت المشاركة  الواسعة لفنانات شابات  بطلاء اللوحة إلى مدى انفتاح الثقافة الفلسطينة وانحصار تابوهات ومعتقدات مجتمعية حول دور المرأة والفن في معالجة قضايا مجتمعية"، كما يقول دويكات، مضيفا أن مشاركة شابات وسط المدينة وعلى قارعة الطريق لساعات طويلة تحت المطر وأنظار الجميع يشكل تحديا ومرحلة جديدة  في تطور المجتمع الفلسطيني  ووعيه بثقافته وفنه الحضاري.
وبين دويكات أن اللوحة أطلقت العنان للفنانين المهمشين بالمجتمع الفلسطيني  لتعبير عن تطلعات وتناقضات المجتمع من خلال الالوانعلى جدران الطرقات، مضيفا: "نحن أردنا أن نقول نحن موجودون ونستطيع أن نغير ليس في جمالية المكان من خلال طلاء الجدران، بل بالفكر والصور النمطية التي نريد أن نحررها من خلال الفن".
اهتمام شعبي وإعلامي
جدارية "هنا أرض كنعان" في الأراضي الفلسطينية، الصورة مهمد حامد
الفنانة سارة موسىفي: "الجدارية توصف المراحل التي مرت بها فلسطين من خلال الانتقال من الوصف الصوري الفوتوغرافي إلى الانتقال إلى الفكر الفلسفي للفن، من تجريد مشاعرنا واختزال التكوينات التي عاشها الشعب الفلسطيني، وتصوير التناقضات اليومية، التي نمر بها من خلال صورة غير مباشرة لفلسفة الفن لإيصال رسائلنا".
وتستقطب اللوحة التي ما زالت قيد العمل عشرات الزوار والمهتمين من داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وتضيف إلى المدينة معلما جديدا يسعى القائمون عليه ادخاله الى كتاب جنيس كأضخم لوحة فنية متكاملة المشاهد. وفضلا عن ذلك نجح الفنانون الشباب في ادخال الفن التشكيلي بالتعبير عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على الأرض والثقافة من خلال الألوان.
اللوحة في مشاهدها وتكويناتها تشكل رواية مصورة فريدة من نوعها بالعالم من خلال قص أحداث وفصول دارت أحداثها خلال مئات السنوات في المنطقة على جدار ضخم يستطيع الجميع قراءته ومشاهدته ومعايشة أحداثه. كما تمجد اللوحة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي يعتبره الفلسطينيون زعيمهم من خلال لوحة ضخمة له.
وبالاضافة إلى ذلك يسعى القائمون على اللوحة إلى ترسيخ مفهوم الرسم والفن في معالجة القضايا المجتمعية، والمزج بين استخدام الفن التشكيلي كأداة روحانية تعبيرية عما يجري من أحداث في حياتهم اليوم وبين تطلعاتهم للحرية. ويقول الفنانون المشاركون في إعداد اللوحة إنهم سيسعون إلى رسم لوحات مماثلة في كافة المناطق الفلسطينية، ويطمحون ألى نقل مشاعرهم  وآمالهم  إلى العالم من خلال هذا الفن التشكيلي..


مهند  حامد
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2014



ليلة القبض على محمود عباس


ليلة القبض على محمود عباس
نبيه البرجي

هل وصلت هذه الرسالة حقا الى محمد دحلان: لماذا تصر على ان ترث تلك الحقيبة الفارغة التي تدعى…القضية الفلسطينية؟
اميل حبيبي الذي اطلق مصطلح «المتشائل» كان يتهم اللغة العربية بأنها مسؤولة بشكل او بآخر عن ضياع القضية. اليهود اتوا بكلمة «الهولوكوست» من اللغة اليونانية القديمة، فوقف اريسطو الى جانبهم. الفلسطينيون استنبطوا كلمة «النكبة» من لغتهم العربية. لم يقف الى جانبهم عنترة بن شداد بل… امرؤ القيس: قفا نبك…
لماذا الآن محمد دحلان عندما تكاد تسيبي ليفني تطلب من ابو مازن ان يخلع ثيابه لا لكي يذهب الى غرفة النوم كما حدث مع حكام عرب آخرين، وانما لكي يذهب هكذا، عاريا وحافيا، الى ردهة المفاوضات، ويقول للسيدة ليفني «…نحن ايضا على مذهب يهوه نقول ان فلسطين دولة يهودية».
لا حاجة في هذه الآونة لافيغدور ليبرمان الذي يريد ترحيل الفلسطينيين بالقطارات او بالحاويات حتى الى سطح المريخ. هناك المكان المثالي جدا، والواقعي جدا، لاقامة الدولة الفلسطينية.
الآن موشيه يعالون الذي عندما يتحدث عن الدولة اليهودية يبدو وكأنه ينفي اي وجود للفلسطينيين على وجه الارض. لم يقل مثلما قال ليبرمان، الآتي من احد مواخير البلطيق، لهيلاري كلينتون «لماذا ترفضون ان نفعل بالفلسطينيين ما فعلتموه انتم بالهنود الحمر؟».
يتخطى ايضا قول رافاييل ايتان «العربي الجيد هو العربي الميت»، ويسأل ما اذا كان الفلسطينيون موجودين فعلا لتكون لهم دولة؟ لا يرى فيهم، في احسن الاحوال، اكثر من بدو رحّل وتذروهم الرياح، او الازمنة (او الامكنة)…
ألم يقل المؤرخ البارز شلومو ساند، صاحب كتاب «كيف تم اختراع الشعب اليهودي؟»، «في اسرائيل لكي يكون المرء يهودياً عليه قبل اي شيء ألا يكون عربيا؟».
لا احد يدّعي ان ياسر عرفات يمكن ان يشبه تيودور هرتزل. ولكن، هل كان اليهود الاميركيون بالقوة التي هم عليها الآن منذ سبعين عاما؟ حين عقد المؤتمر الصهيوني اجتماعه في فندق بلتيمور في نيويورك عام 1941، تم تشكيل وفد لمقابلة الرئيس فرنكلين روزفلت من اجل ان يعرض عليه مأساة اليهود تحت حكم الرايخ الثالث. لم يستقبل روزفلت الوفد. وقيل هذه هي اللحظة التي صنعت اليهود في اميركا..
لا احد ينفي ان الطهرانيين (البيوريتانز) الذي استقلوا الباخرة «ماي فلاور» من انكلترا الى اميركا في القرن السابع عشر تمكنوا من تسويق اللاهوت اليهودي على نطاق واسع، حتى انهم اطلقوا اسماء المدن التي وردت في التوراة على مدن في الانحاء الاميركية، وكانت اول اطروحة دكتوراه في جامعة هارفارد عن اللغة العبرية، كما ان احدا لا يمكنه اغفال ما قام به الداعية الصهيوني لويس برانديس (1856-1941) لاقناع الرئيس ودور ويلسون بالداخل في الحرب العالمية الاولى لتمكين الجيش البريطاني من الوصول الى فلسطين، وبالتالي الافساح في المجال امام آرثر بلفور واطلاق وعده الشهير بالتفاهم مع لويد جورج واللورد ميلنر.
موقف روزفلت هو الذي جعل اليهود يتنبهون الى ضرورة اعداد الاستراتيجية الخاصة بوضع اليد على مفاصل القوة في الولايات المتحدة وحيث العرب طارئون ولا مكان لهم لا في اللاوعي الاميركي ولا في الوعي الاميركي…
هكذا يستطيع موشيه يعالون ان يكون الند للند مع جون كيري، فيما يبدو محمود عباس ضائعا ومرتبكا ويكاد يتعثر بربطة عنقه، حتى اذا ما قال وزير الخارجية الاميركية ان اشتراط الاعتراف المسبق بالدولة اليهودية، وقبل المباشرة بالمفاوضات، خطأ، كان عليه ان يواجه بحملة عاصفة، حتى ان حيمي شالفي كتب في «هاآرتس» ان كيري يحاول اغلاق ابواب الاسطبل بعد فرار الخيول…
ويقال ان بامكان اللوبي ازاحة كيري ساعة يشاء، لكنه لن يفعل ذلك لان الاسرائيليين لا يرون في الوزير الاميركي الديبلوماسي المتمرس الذي يستطيع الدفاع عن طروحاته او عن وجهات نظره، اما هو فيراهن على انتخابات الكنيست المقبلة. هل يترنح نتنياهو فعلا بعدما اظهرت استطلاعات الرأي حدوث تحولات في الرأي العام الاسرائيلي لمصلحة التسوية؟
فجأة يظهر جورج ميتشل على احدى الشاشات، وكان مبعوثا الى الشرق الاوسط في مطلع القرن، ليسأل « اي عاقل يتصور ان المفاوضات يمكن ان تفضي الى نتيجة في الظروف الراهنة؟». العيون الاسرائيلية على سوريا، يراهنون على تفككها او على تفتتها. اذاً لماذا لا يتم توسيع المملكة الاردنية الهاشمية لتضم منطقة حوران، وحينذاك يمكن للملكة ان تستوعب فلسطينيي الضفة الغربية ايضا. لن يقدم نتنياهو شيئا قبل ان يتبلور المشهد السوري بشكل نهائي، وليواصل جون كيري رقصة الفالس في ذلك العراء. قال لعباس، وبلغة رعاة البقر: جازف…
امام هذه الابواب الموصدة، وبعد فرار الخيول من الاسطبل، فيما الاحتقان الديبلوماسي في ذروته دون ان يؤثر الغضب الاوروبي (المخملي) قيد انملة في استراتيجية نتنياهو، من حمل محمد دحلان الى الضؤ، ليتحدث صحافي فلسطيني من غزة ساخراً «ليلة القبض على محمود عباس».
عباس يتهم دحلان باغتيال عرفات، وهذه تبرئة مجانية للموساد الا اذا كان يعتبر ان العملية تمت بالتنسيق بين الجانبين، ودحلان يتهم عباس بالفساد، ولديه مستندات ووثائق حول تعامل نجليه ياسر وطارق مع شركات اسرائيلية.
هل هذه قضية؟ وهل هؤلاء رجال قضية؟ كل محتويات الحقيبة تناثرت. ثمة قصة قصيرة لنورمان مايلر بعنوان «الكوميديا بشعرها الاسود». ليته قال… الكوميديا بوجهها الاسود!!
الديار



التتار يريدون البقاء أوكرانيين: تعتبر مدينة باخش سراي الأكبر من حيث نسبة السكان التتار، حيث يتظاهر الكثير منهم من أجل السلام ووحدة أوكرانيا رغم سيطرة الميليشيات الموالية لروسيا على القواعد العسكرية في المدينة.
مشاهدات صحفية خاصة لموقع قنطرة من شبه جزيرة القرم

على خطى التتار المسلمين: رحلة الى عاصمة مملكة تتار القرم المنسية

تبدو شبه جزيرة القرم للوهلة الأولى وكأنها جزيرة على قاب قوسين أو أدنى من السقوط في البحر. حكمها التتار بعد تفكك مملكة قبيلة المغول الذهبية لمدة أربعمائة عام، وثم حكمتهم روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي لمدة مائتي عام. الصحافي عباس الخشالي في رحلة بحث عن أرض خصبة متعددة الأعراق ووادي يحتضن ثلاثة أديان، في الطريق إلى بخش سراي.
عند أحد أطراف أوروبا القريبة من الشرق يعيش شعب منسي. في الساحل الشمالي للبحر الأسود يسكن شعب مسلم كان يوما ما، يشكل غالبية على أرضه، التي سكنها منذ العصور الوسطى، ليصبح أقلية بفعل القتل والترحيل بعد سقوط عاصمة مملكته، بخش سراي: "حديقة القصر"، عاصمة تتار القرم.
حملت حقيبتي على ظهري وأخرى أصغر منها على صدري وبدأت رحلتي أبحث عن عاصمة التتار المنسية في شبه جزيرة القرم. وقررت الانطلاق اولا من العاصمة الاوكرانية كييف.
ركبت القطار المغادر من كييف إلى مدينة أوديسا الساحلية في الجنوب. كانت الغرفة التي استاجرتها لقضاء الرحلة بسريرين. لكني شغلت الغرفة وحدي طيلة الطريق الذي استغرق 13 ساعة تقريبا، في غرفة مريحة على طراز القرن التاسع عشر. بجانب غرفتي كان هناك شابان روسيان، جاءا في رحلة لأوكرانيا. الشابان اللطيفان من موسكو، جنديان في سلاح الجو الروسي، لم يناما طيلة الطريق، بل انطلقا في شرب الفودكا منذ مغادرتنا مدينة كييف وحتى وصولنا أوديسا عند الفجر. حدثاني عن عملهما بحذر، بدا لي أنهما غير راضيان عن سياسة الكرملين. قال لي أحدهما:" نحن جنود هذه مهنتنا، رواتبنا جيدة ونحاول الاستمتاع بحياتنا ولاتهمنا السياسة". حاول الشابان استمالة شابتين من العربة المجاورة، لكن من دون نجاح، لأنه صحوتهما كانت على ما يبدو متأخرة.
اوديسا مدينة البحث عن متعة الحب
"الناس هنا طيبون، نحن شعب واحد وأوديسا مدينة روسية، بنتها الأمبراطورة كاترينا نهاية القرن الثامن عشر. الناس هنا طيبون. نقول نحن الروس، إن قلوب الناس هنا في اوكرانيا من ذهب".
"قلوب من ذهب"
بعد وصولي مدينة اوديسا، اكتشفت أن توقيت مجيئي كان صحيحا جدا، وخاطئا أيضا في نفس الوقت، فقد كانت كل فنادق المدينة مشغولة، إذ أن يوم وصولي للمدينة وهو الرابع والعشرين من آب/ أغسطس، والذي يصادف عيد استقلال اوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي. المدينة تكتظ بالأوكران القادمين من المدن الأخرى، لكن بالروس أكثر. "فلا أجمل من أوديسا للأحتفال والرقص"، مثلما قالت لي احدى الشابتين، في القطار، "اوديسا مدينة البحث عن متعة الحب".
أثار تواجد الروس الكثيف في اوديسا في هذا اليوم استغرابي الشديد . فلماذا يحتفلون مع الأوكران في عيد استقلالهم عن موسكو، التي حكمت هذه الأراضي لمائتي عام؟. أجابني عن سؤالي صحفي روسي التقيته بالصدفة، حينما كنت أسأل صاحب متجر عن مكان للمبيت. قال لي الصحفي، الذي يعمل باحدى صحف موسكو المؤيدة للكرملين:" الناس هنا طيبون، نحن شعب واحد وأوديسا مدينة روسية، بنتها الأمبراطورة كاترينا نهاية القرن الثامن عشر. الناس هنا طيبون". أعاد ذلك لمرات. ثم قال:" نقول نحن الروس، إن قلوب الناس هنا في اوكرانيا من ذهب".
لم تفلح رحلة البحث عن سكن ملائم، وقد أصابني التعب والجوع. مررت بمحل لبيع الشاورما، نظرت بوجه الشاب الواقف داخلة فتوقفت، فقد شعرت أنه عربي. سلمت عليه، فأعاد التحية، وصنع لي ساندويتشا فاخرا. أكتشفت أنه من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا. ترك سوريا منذ ثلاث أعوام بعد حصوله على قبول دراسي في احدى الجامعات باوديسا. لكنه لم يفلح بسبب ظروفه المادية. ورغم ذلك  فالامر لايهمه، فهو لا يكف عن الضحك والمرح ومغازلة الفتيات المارات امام محله.
دعاني لاستضافته في مسكنه، لكني شكرته. قضيت ليلتين في فندق طوكيو المتواضع قرب محطة القطار. لم أطق البقاء هناك فقررت إكمال رحلتي والسفر نحو شبه جزيرة القرم، إلى سيفاستوبول.
"الجدة"
اقلني قطار الليل المتجه إلى هناك. كنت محظوظا هذه المرة أيضا، فقد شغلت الغرفة ذات السريرين لوحدي. لكني اكتشفت أن السبب لا يعود إلى حظي الطيب في الحصول دائما على غرفة أشغلها وحدي بالقطار، بل لأن كثيرين لا يستطيعون دفع أجرة الدرجة الأولى، رغم ثمنها الرخيص نسبيا، فهي لا تكلف سوى 40 يورو، وهذا مبلغ كبير بالنسبة للاوكران.
كنت أعاني من قلة النوم بسبب فندق طوكيو، فنمت حتى الصباح، ولم أستيقظ إلا عند وصول القطار إلى عاصمة القرم سيمفيروبول. أخذت قطارا قديما آخر وبعد قضاء ساعتين بعربة ملئ بالشباب والشابات بسن المراهقة، وأمهاتهم، وصلنا إلى سيفاستوبول. مر القطار حول الميناء. قالت لي احدى السيدات، فيما أنا احمل كاميرتي وأصور الخلجان التي تقف فيها السفن الروسية، هذه روسيا. فاجأتني ودخل الشك للحظة في نفسي، إن كنت حقا قد أخذت القطار الخطأ ودخلت إلى روسيا!!
بخشة سراي.. عاصمة مملكة تتار القرم المنسية
تعيش في القرم غالبية ذات أصول روسية. وتنقسم شبه الجزيرة إلى جمهورية القرم التي تتمتع باستقلال ذاتي ومدينة سفاستوبول التابعة بشكل مباشر لكييف.
لم أكن مخطأ، فهذه اوكرانيا، لكن روسيا تستأجر القاعدة البحرية الوحيدة لها في المياه الدافئة من أوكرانيا في القرم. القرم الذي احتلته جيوش الأمبراطورية الروسية عام 1774، ومنحه زعيم الأتحاد السوفيتي خروتشوف عام 1954 إلى أوكرانيا. ولأن روسيا لاتمتلك ميناء آخر لها في البحر الأسود يضم أسطولها البحري هناك، فقد أستأجرت القاعدة السوفيتية سابقا لمدة طويلة.
لكنني شعرت أنني حقا في روسيا. فرغم وجود العلم الأوكراني. لكن جميع من التقيت يتحدث الروسية. حتى الأجواء وفخامة الأبنية القديمة المبنية على الطراز القيصري الروسي، وخاصة ودار الأوبرا المطلة على الخليج. كل شييء، عدا المقهى الذي تناولت فيه طعام الغداء، كان اوكرانيا، تديره سيدات فقط، صاحبة المقهى سيدة مسنة وطباخته أيضا، لكن المقهى يحمل أسما روسيا أوكرانيا مشتركا. "بابوشكا"، أي الجدة.
"محظوظة"
بدأت أقترب شيئا فشيئا من هدفي، مدينة بخش سراي. ما علي إذن سوى الرحيل إلى مدينة يالطا ثم التوجه بعدها إلى عاصمة تتار القرم. أخذت الباص المتجه نحو يالطا. وبعد أن اخترق الباص الجبال صعودا، ظهر البحر الأسود من جديد. ولعل تسميته بالأسود عن غير حق، فقد كان رائعا تختلط فيه زرقة السماء بأفق أبيض. لم يكن هناك شيئ أسود إلا بعض السفن البعيدة. كان الباص يقطع الطريق الواقع بين الجبال الخضراء والساحل، بعض الركاب نزلوا عند القرى المخفية بين الغابات. منهم شابة جميلة كانت تتحدث الأنكليزية معي، بينما كان على الطرف الآخر رجل مسن يراقب ثيابها الفضفاضة من خلف نظارته السوداء.
بعد أن وصلت إلى يالطا ووجدت غرفة في دار بقلب المدينة، انطلقت مع جموع الناس المتحركة، على غير علم. وليس بعيدا عن سكني وصلت إلى سوق الخضار القديم. الباعة من كل الجنسيات، تختلط ألوانهم وأشكالهم، يتحدثون بلغات مختلفة ويتفاهمون بالروسية فيما بينهم. الأوكران والتتار يبيعون التين والرمان والعسل الطبيعي، فيما يصيح الأذربيجانيون بصوت عال محاولين جذب مشترين لبضاعتهم الرئيسية، عصير الرمان الطبيعي.
في نهاية السوق، يقع مطعم تتاري. جلست عند طاولة أراقب شابا يعمل في المطعم يقوم بشواء اللحوم وطبخ الرز التتاري. اسمه رمضان وهو في العشرين من العمر. اتجهت إليه محاولا التقاط صورة، ابتسم وعندما علم إنني عربي، كبرت حجم ابتسامته ودعاني لدخول المطعم. وما هي إلا لحظات حتى التف حولي فتيات المطعم التتاريات،  بعد أن أثرت فضولهن. "عربي يحمل كاميرته ويجلس في مطعمنا، أمر لم يحدث من قبل"، قالت لي حميدة، شابة قصيرة لا تكف عن الابتسام.
سألتني حميدة:" مسلمان؟" أجبتها بالإيجاب، ليبدأ بعدها سيل لا يتوقف من الأسئلة. ثم بدأت تتحدث عن أوضاعهم، قالت :" الوضع الاقتصادي سيئ، نعمل 12 ساعة يوميا وأحيانا أطول لنحصل في اليوم على مبلغ 70 ريفنه". الريفنه الأوكرانية تعادل حوالي عشر اليورو. أي أن سبعة يوروهات لليوم فقط. حميدة تعمل مع خطيبها في المطعم أيضا، ويحاولان جمع الأموال لتكوين أسرة.
حميدة محظوظة بالحصول على خطيب، في بلد فيه عدد النساء ضعف عدد الرجال. رفضت حميدة أخذ أجرة الشاي. سألتها عن الطريقة الأمثل للوصول إلى عاصمة مملكتهم المفقودة بخشه سراي. وفرحت كثيرا عندما عملت إنني أريد الذهاب إلى هناك.
مشاهدات صحفية خاصة لموقع قنطرة من شبه جزيرة القرم
"تجلس أمام مقهى خال من الزوار. أخفت وجهها عن كاميرا السائح الفضولي. واتجهت عيناها نحو طريق مازالت فيه آثار الزمن السوفيتي حاضرة".
مازال لينين هنا
أخذت الـ"مارشروتكا" وهو باص صغير لنقل الركاب واتجهت إلى بخشه سراي. كان الطريق مغامرة، وقد حذرني البعض من الركوب مع سائق تتاري. وصدقت التحذيرات، فسائق الـ"مارشروتكا" لا يستعمل المكابح إلا عند مروره أمام تقاطع طرق. حبست أنفاسي طيلة الطريق وزاد من هول السرعة حادث مروري وقع أمامنا، لكن سائقنا لم يتوقف، استمر بالإسراع أكثر، بينما تسببت الموسيقى التتارية في شعوري بصداع مؤلم حتى وصولي إلى بخشة سراي.
غيرت الباص وركبت باصا آخر من العهد السوفيتي. كنت متلهفا للوصول إلى المدينة القديمة، كانت عيناي على الطريق. لكني لم أرى أثرا للمدينة القديمة، فكل ماراه هو بناء سوفيتي كئيب، وشوارع غير مبلطة، تنقل الباص في شوارع عريضة ومتاهات مختلفة، فيما كنت انتظر أن تقع عيناي على قصر خان التتار. لكن لا اثر له، كل ما أثار انتباهي هو تمثال قديم للينين في منتصف ساحة خالية من الأشجار. عاد بي الباص إلى نقطة الانطلاق الأولى. فتحت دليلا سياحيا كان بحوزتي وأشرت إلى سيدة تتارية إلى صورة تشير إلى قصر الخان. ضحكت، فهمت عندها إنني أخذت الباص الخاطئ.
توقف الباص الصحيح هذه المرة أمام القصر القديم، وتوقفت أنا لبرهة أمامه. تحدثت معي شابة تعمل كدليل سياحي للسياح الألمان، بعد أن لاحظت أنني ابحث عن مكان للمبيت، أشارت إلى شاب تتاري، فأوصلني الأخير بعد أن قطعنا بضعة أمتار إلى فندق صغير جميل يقع مباشرة خلف قصر الخان. صاحب الفندق بولوني يعيش هنا منذ عشرين عاما. سألته عما الذي جاء ببولوني إلى هنا؟ قال:"كنت أتنقل منذ أيام الاتحاد السوفيتي بين دول الكتلة السوفيتية، لكني لم أرى أجمل من هذا المكان للعيش، الهواء هنا نقي، ولاشي أجمل من الصيف بين الجبال". سألته إن كان عمله يدر عليه ربحا وهل هو مرحب به من قبل الناس؟ فأجابني: "التتاريون طيبون هنا، يعملون بجد وظروفهم صعبة، لكن عليك التأكيد عليهم خلال العمل أحيانا. أعيش هنا منذ سنين ولم أواجه أي مشكلة".
وأد وثلاثة أديان
مشاهدات صحفية خاصة لموقع قنطرة من شبه جزيرة القرم
هرول سريعا لأداء الصلاة داخل باحة مسجد القصر. فتى تتاري يصلي العصر في مسجد مدينة منسية على حدود الشرق والغرب. بخشه سراي.
يقع قصر الخان بين الجبال الصخرية وتحيط به قناة مائية، تمتلئ في موسم الأمطار. في داخل القصر يقع مسجد الخان ومسكنه ومسكن حريمه ومقبرة ملوك التتار الذين حكموا القرم منذ نهايات القرون الوسطى.
دخلت إلى مسجد القصر. كان المكان فارغا، فقد انتهت صلاة العصر قبل ساعة. لكن شابا تتاريا كان في الزاوية يؤدي الصلاة لوحده. فيما ينقل خادم المسجد سجادة طويلة على الأرض إلى خارج المسجد. في باحة المسجد، معلق لفظ الجلالة فوق المنبر، وبجانبه اسم نبي الإسلام.
برزت على جدران الباحة أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة وحفيدا الرسول، الحسن والحسين. سلمت على خادم المسجد، فرد السلام. سألته عن تاريخ بناء القصر. فقال:" بني القصر في منتصف القرن السادس عشر، على يد معماريين من الدولة العثمانية والفارسية. حكم التتار القرم منذ بدايات القرن الثالث عشر، بعد تفكك مملكة القبيلة الذهبية للمغول والتتار، الذين حكموا روسيا وأجزاء كبيرة من أوروبا الشرقية".
اعتنق التتار الإسلام منتصف القرن الرابع عشر، وأسس حفيد جنكيز مملكتهم في القرم خان الحاج غيراي، ثم أصبحت المملكة تابعة للدولة العثمانية، حتى سقوطها على يد الجيش الروسي بقيادة إمبراطورة روسيا كاترينا الثانية في منتصف القرن الثامن عشر.
كان القصر مليئا بالسياح الروس والألمان. في حديقة القصر الخارجية وقفت مدرعة روسية قديمة بدا لي أنها تشير إلى السيطرة الروسية على القرم ومملكة التتار منذ أكثر من مائتي عام.
غادرت القصر واتجهت إلى الوادي المليء بالمغارات التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. على الطريق داخل الوادي تقع أديرة لكهنة ارثذوكس حفرت في الجبال وبنيت جدران أمامها لتصبح بيوتا للمتعبدين في الوادي الوادع. كان الطريق صعبا للوصول إلى المغارات المحفورة في الصخور. عندما وصلت لم يفاجئني منظرها وهي محفورة بعناية منذ آلاف السنين، بقدر وقع المفاجئة أن أشاهد منازل قربها مكتوب عليها بالعبرية. فقد كان هذا الوادي ملجأ لليهود الهاربين من أوروبا في العصور الوسطى وبعدها، الذين عاشوا تحت حماية الدولة العثمانية.
في بخش سراي، واد هادئ يختصر التاريخ ويحتفظ بعبقه ويحتضن أتباع ثلاث ديانات توحيدية بسلام الهي ومحبة سماوية. 

عباس الخشالي
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2014