اغتيال العلماء العرب ، كل هذا الصمت
أحمد الحباسى تونس
من ” حق ” إسرائيل أن تقتل و تستهدف العلماء العرب ، فهذا الصراع صراع وجود حتى بالنسبة للعصابة الصهيونية الماكرة ، و إسرائيل التي صنعت القنبلة النووية و اختارت عن نية مسبقة أن تصبح أول دولة نووية في الشرق الأوسط تعلم علم اليقين أنه ليس مسموحا للعرب مجرد النية أو التفكير ، مجرد التفكير ، في صنع و امتلاك القدرات النووية الرادعة ، لذلك قلنا من البداية أنه من ” حقها” أن تمارس كل جهودها المختلفة لإسقاط بعض الأحلام العربية في نواة نووية و ممارستها تبدأ طبعا باغتيال العقل العربي توصلا إلى اغتيال الحلم العربي ، و إسرائيل كدولة مارقة خارجة عن القانون الدولي تعلم علم اليقين أن أياديها غير مقيدة بأية ضوابط دولية أو أخلاقية في هذا المجال و على كل حال فهي لا تنتظر الإذن من أحد لتنفيذ أراضها الدموية .
تقوم إسرائيل بتصفية العلماء العرب منذ بداية وجودها في فلسطين المحتلة، قوائم الاغتيالات الصهيونية للعقول العربية فيها المعلن و فيها الخفي لحد الآن ، و ما ينشر في الإعلام من تسريب مقصود يحتمل الصواب و الخطأ و لكنه تسريب يقصد منه الإيحاء للدول العربية بكونها لن تقدر على إنشاء بنية نووية ذات قدرة معينة تخرق أو تغير بها قواعد اللعبة في الشرق الأوسط و حتى إذا فكرت بعض الدول العربية في هذا الاتجاه فان إسرائيل قادرة على استهداف علماء العرب في كل مكان ، المثير أن العدو الصهيوني لا يستهدف علماء العرب فقط بل أن ذراع الموساد الصهيوني قد طالت علماء إيران في المجال النووي على وجه التحديد بهدف إيقاف التقدم الإيراني في هذا المجال ، و المثير أكثر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد طالبت إسرائيل بالتوقف عن القيام بعمليات الاغتيال لهؤلاء العلماء داخل إيران دون جدوى .
جثة هامدة مهشمة الرأس و دماء تغطى سجادة الحجرة رقم 941 بفندق الميريديان بباريس ، اليوم هو الجمعة 13 جوان 1980 ، الشخصية المستهدفة ، الدكتور يحي المشد العالم النووي المصري الذي يشتغل على القنبلة النووية العراقية في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، ولان فرنسا هي أول دولة تعبد الطريق النووية الصهيونية ، ولان المخابرات الفرنسية هي جزء من الحماية الغربية للمشاريع الصهيونية في استهداف العلماء العرب ، فقد أغلق التحقيق الفرنسي و قيدت جريمة بهذا الحجم ضد مجهول مع أن كل أصابع الاتهام كانت تشير إلى الموساد و عملاء المخابرات الصهيونية ، ولان الرئيس العراقي قد كان في تلك الفترة يبنى علاقات جيدة مع الحكومة الفرنسية فقد تم الصمت و قيد العراق الجريمة أيضا ضد مجهول .
الإحصائيات القليلة و المتابعة لشأن اغتيالات العلماء في العراق تتحدث عن أكثر من 800 عالم عراقي تم اغتيالهم على أيدي ” مجهولين” ، لعل أهمهم على الإطلاق الدكتور نزار العبيدى المتخصص في المجال النووي ، اللافت أن قائمة الاغتيالات تضم رموزا علمية مهمة في كل المجالات و من كل الطوائف العراقية و هو ما يقيم الدليل على أن الغرب و إسرائيل بالذات يرومون إفراغ الساحة العربية من كل نوابغها في المجالات العلمية و ينفذون برنامجا و مخططا تصعيديا و إقصائيا لكل الكفاءات العربية القادرة على إضاءة الليل العربي الدامس في حين أن حكومة السيد نورى المالكي تتلهى بالصراعات الجانبية و بمواجهة الأزمات السياسية بين الأحزاب الكرتونية المتصارعة على حكم بلد يستنزف في قدراته البشرية التي طالما مثلت أكبر ثروة في بلاد ما بين النهرين .
استهداف العرب علميا لا يقتصر على استهداف إسرائيل و بعض أجهزة المخابرات العربية ، ذلك أن الغرب يفرض منذ فترة و يبحث عديد الإجراءات المتعلقة بدراسة الطلبة العرب للمواد الحساسة في الجامعات البريطانية على سبيل المثال ،المقصود طبعا بالمواد الحساسة الهندسة النووية و تكنولوجيا الصواريخ و الدفع النفاث و التقنيات الكيمائية و الجرثومية ، في حيث يعطى المجال فسيحا للعلماء و الطلبة الصهاينة ، لعله من المفيد التعرض إلى القانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي عام 2002 بخصوص حظر و تشديد الرقابة على الطلبة العرب ، يذكر أنه بعد تفجيرات نيويورك تم إنشاء و تكوين لجنة ما يسمى بالمتابعة الأكاديمية لمنع الطلبة العرب من “الاقتراب” من بعض التخصصات التي أصبحت حكرا على الطلبة الصهاينة و بعض الدول التي لا يمكن أن تشكل خطرا على أمن الولايات المتحدة الأمريكية ، و بالتالي فانه يمكن القول أن استهداف العلماء العرب هو جزء من منظومة تشكلت غربيا و صهيونيا لإبادة العلماء العرب و إبعاد العقول العربية عن كل مجالات البحث العلمي “الحساسة” .
يعلم الجميع أن هناك دولة إقليمية مجاورة للعراق لها يد في اقتسام الغنية العلمية العراقية و هي من تساهم مع المخابرات المركزية الأمريكية و الموساد و بعض عملاء المخابرات الخليجين في قتل المستقبل العلمي العراقي ، و رغم نداءات الاستغاثة التي وجهها مجموعة كبيرة من الباحثين العراقيين إلى ضمائر الحكومات العربية و بعض الجهات ذات العلاقة للعمل على إنقاذهم ، فقد تركوا إلى مصيرهم الغامض ، حتى أن البعض يتحدث عن أن الولايات المتحدة قد نقلت أكثر من 80 عالما عراقيا حتى تضمن عدم هروبهم إلى بعض البلدان المعادية أو تسريبهم لبعض المعلومات و الخفايا “النووية” مثلما حدث مع العالم النووي الباكستاني الدكتور عبد القدير خان . يبقى السؤال ملحا : أين المخابرات العراقية ؟ أين نتائج الأبحاث التي تجريها وزارة الداخلية العراقية في خصوص هذه الاغتيالات ؟ لماذا تجرف حكومة السيد نورى المالكي ضد التيار و تغمض أعينها على مصير العلماء في العراق ؟ كيف سيبنى العراق بدون علماء في كل المجالات ؟ و بالنتيجة لماذا هذا الصمت العربي على قتل الطاقات العلمية العراقية ؟ هل من مجيب أيها السادة ؟ .
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق