أوكرانيا ولعبة الاستخبارات ..
د.وسام نحلة
لا لون لـ«ثورة» كييف هذه المرّة، ولا وقت لاختراع شعار موحّد. لم تُطبع القفازات الصوفية بألوان «الثورة» وتوزَّع على جماهير ساحة مايدن، ولم تُصنَع الأوشحة الخاصة بـ«الثوريين» ولم تؤمَّن المأكولات والمشروبات الى داخل الخيم. لا وقت ولا إمكانيات مادية لذلك. فوج «الثوار» لهذا الموسم لم يتلقّ تدريبات على «كيفية إسقاط النظام سلمياً»، بل تألّف بغالبيته من «بلطجية» اليمين المتطرّف و«شبّيحة» «الثورة البرتقالية» السابقة (2004).
أدركت أوروبا وأميركا جيداً أن «السلمية» لن تحقق مرادهما هذه المرة، وأنه لا يمكن استعادة التجربة البرتقالية بنجاح الآن، فهما مفلستان، والأهمّ أن الوقت يدهمهما. لماذا؟ لأن فصل الربيع بات على الأبواب، وهو هذا العام ربيعٌ روسي يتسبب بحساسية مزعجة للقارتين المريضتين اقتصادياً.
فأجهزة الاستخبارات و على راسها الأمريكية فشلت في التنبؤ بالنوايا الروسية بشأن احداث اوكرانيا، و تناولت قضية استفتاء القرم وما بعده وكأنها تتعامل مع روسيا يلتيسن وهنا كان خطأها الاستراتيجي.
في وقت كانت الصحافة الأمريكية والقنوات المحسوبة على الجمهوريين والصقور تتحدث عن أن الاختبار المفاجئ في الدائرتين العسكريتين المركزية والغربية للجيش الروس، بالتزامن من التطورات الأوكرانية لا يثير أي قلق، وأنه لا توجد لدى الاستخبارات المركزية أية أسباب للاعتقاد بأن ذلك أكثر من تدريبات عسكرية, فرضت القوات الروسية، عبر مجموعات شبه عسكرية، الحراسة على المجلس الأعلى لجمهورية القرم، وذلك ما يمكن تأكيده اليوم بعد عودة القرم إلى حضن روسيا الاتحادية، فموسكو تمكنت من منع الولايات المتحدة من جمع معلومات استطلاعية موثوق بها، إلى درجة أن الاستخبارات الأمريكية لم تستطع تزويد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتحليل تكتيكي دقيق.
اما في العاصمة الاوكرانية كييف, فلعبة الاستخبارات المعقدة فيها قد بدأت و التصفيات انطلقت على قدم و ساق, فمنذ بداية الأحداث الأوكرانية بدا واضحاً أن استخبارات خارجية تقف وراء تحركات القطاع الأيمن، اليوم هناك معطيات تشير إلى أن القوى التي تقف وراء رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو هي التي أصدرت الأوامر بالتخلص من الراديكاليين الأوكرانيين و ما اغتيال ألكسندر موزيتشكو أحد قادة اليمين المتطرف الا بداية, اشارة الى أن عملية الاغتيال تزامنت أيضاً مع بدء تفكيك المتاريس في ميدان الاستقلال في كييف وهو ما يرفضه المتطرفون جملة وتفصيلاً.
الموقف بسيط للغاية، فبما أن شعبية تيموشينكو لن تكفي للفوز في الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في 25 مايو/أيار المقبل، فعليها التحالف تكتيكيا مع حزب الأقاليم، الذي سيقاتل من أجل البقاء في الساحة السياسية والاقتصادية، وعليه سيقدم الحزب مرشحاً ضعيفاً وعاجزاً عن منافسة تيموشينكو، أما بدء التخلص من القوميين الأوكرانيين يأتي تحسباً لاعتراضهم على التحالف بين حزب باتكيفشينا الذي يتزعمه الآن رئيس الوزراء ارسيني ياتسينيوك، طفل تيموشينكو المدلل، وحزب الأقاليم.
جميع المعطيات السابقة تشير إلى أن الساحة الأوكرانية باتت تربة خصبة لحرب الاستخبارات العالمية، هذه الحرب لن ترى نهاية في القريب العاجل، بل على العكس ستزداد شراسة، وعليه سيرتفع منسوب القتل والتصفيات، وستتدهور حالة اقتصاد البلاد. هذا الوضع خطير جدّاً. فانهيار المؤسسات في أوكرانيا يشكّل خطراً كبيراً لمشاركة مباشرة من لاعبين خارجيين. حيث ترغب ألمانيا باستعراض ميلها الحديث المكتسب للقيادة الأوروبية، والغريزة الأمريكية التي تتطلب مراقبة دقيقة لتعزيز إمكانيات روسيا،… كل هذه التهديدات إلى جانب المشاكل المتفاقمة بشكل متزايد، التي لا يرغب أحد فيها. لايمكن الا ان تؤدي الى صراع في اوكرانيا قد يصل حد تقسيمها لو استدعى الامر.
هنيئاً لأوكرانيا ديمقراطيتها الأوروأطلسية، ولسان حال موسكو يقول: شكرًا للميدان على عودة القرم.
كاتب لبناني متخصص بالشؤون الروسية
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق