الكومبس - خاص: تُعتبر الطبيبة الشابة هالة عبد الكريم قطناني، نموذجاً يعكس شريحة من الطبيبات اللواتي نجحن في ممارسة مهنة الطب الإنسانية في السويد، والتفوق فيها، لا بل شغل مراكز مميزة، دون أن يحدث أي تضارب بين شروط مزاولة مهنة الطب، والقيم الدينية أو الثقافية التي تحملها هذه الطبيبة.
تقول قطناني، وهي مولودة في الأردن من أصول فلسطينية، والوحيدة التي تشغل إختصاصاً نادراً في مستشفى يافلي: " كوني طبيبة محجبة فان هذا لا يتعارض مع قيم المجتمع السويدي القائمة على المساوة واحترام الآخر، كما لا يتعارض مع القيم الدينية التي أحملها، وأنا إستشرت العديد من رجال الدين، ولم يروا تعارضا بين الدين وبين قرار السلطات الصحية السويدية بان يكون جزء من اليد ما بعد المعصم مكشوف لأسباب صحية بحتة".
الطبيبة هالة تحب بشغف مهنتها الإنسانية الطب، وترغب أكثر بمزاولتها في مراكز الطوارئ وخدمات الإسعاف، وعلى الرغم من صعوبة المهمة، ترى هالة أن تقديم المساعدات الأولية للمريض عند أول وصوله للمشفى أمر في غاية الأهمية.

بعد تخرجها من كلية الطب في العام 2011، حصلت على مكان لها في مشفى هوغسفال التابع لمحافظة يافلي، للخدمة العامة، التي تأهلها للحصول على شهادة مزاولة المهنة الطبية، وهي الآن تمارس المهنة في مجال الباطنية.
أثناء عملها الحالي في قسم الطوارئ، لاحظت أن هناك حاجة لتخصص "باطنية إسعاف" أي طبيب يحمل اختصاص ضمن اختصاص آخر. فهي من جهة تحمل الاختصاص الأول في الأمراض الباطنية أو الداخلية مثل: القلب والكبد والكلى وكل الأعضاء الموجودة داخل جسم الإنسان، وبنفس الوقت ستصبح طبيبة اسعاف.
هذا الاختصاص غير الموجود حاليا في كل محافظة يافلي، سيكون الآن من نصيب الطبيبة هالة، التي بدأت بالإعداد له. هالة قطناني من مواليد عام 1986 وصلت إلى السويد مع عائلتها عندما كانت في العاشرة من عمرها، الكومبس تحدثت معها وأجرت الحوار التالي:
لماذا اخترت مهنة الطب؟
تعرضت لمرض التهاب في القصبات الهوائية، عندما كنت صغيرة، وبعد وصولنا إلى السويد بسنتين، كنت اضطر للبقاء في المشفى لمدة أسبوع كل شهر. وعلى مدار ستة أشهر عرفت معنى وأهمية الطبيب، كنت أنظر إلى هذا الإنسان الطبيب نظرتي إلى بطل، ينقذ حياة الناس ويخفف عنهم آلامهم ومعاناتهم، أصبحت عندها مهنة الطب بالنسبة لي المهنة المثالية في حياتي، ومن وقتها وعندما كنت في عمر 12 سنة قررت أن أصبح طبيبة.
كيف استطعت الوصول إلى تحقيق هدفك؟

في البداية وبعد انتقالنا من الأردن إلى السويد، اكتشفت مبكرا أنني يجب أن اجتهد واثابر لكي استطيع أن أفهم أولا ما يدور حولي في المجتمع الجديد، كانت البداية صعبة، وكنت في لحظات معينة أتمنى أن تعود العائلة من حيث أتينا، ولكن بعد أشهر معدودة شعرت أنني اتقن اللغة السويدية بشكل لا بأس به، عندها أصبحت أتطور بدراستي واندمج أكثر مع إيجابيات هذا المجتمع العديدة.
ولا أنسى طبعا فضل أهلي، فنحن من عائلة متعلمة، أبي وأمي يحملان شهادات جامعية، حتى أقاربي خارج السويد، يعتبرون العلم في مقدمة أولوياتهم.
أتذكر عمتي أثناء زيارة لنا لعمان، عندما قالت لي أنها تحرم نفسها من عدة أشياء من أجل توفير أقساط الجامعة لابنها، وأن العلم بالنسبة لها يأتي بالأهمية بعد الطعام والماء. طبعا لا يزال الطريق أمامي طويلة، وهدفي أن أحقق المزيد ضمن مهنة الطب.

ما رأيك اجمالا بمهنة الطب في السويد؟
مهنة الطب في أي مكان هي من أصعب المهن، ولكن يمكن أن تكون من أكثر المهن متعة، لأنها تعطيك شعورا رائعا، عندما تساعد الآخرين وتساهم في انقاذ حياتهم. إضافة طبعا إلى المسؤولية التي يجب أن تكون نصب أعين الطبيب دائما. 
خصوصيات مهنة الطب في السويد تتعلق أيضا بطبيعة الرعاية الصحية المتبعة بهذا البلد، وهو موضوع هام من المفترض أن يطلع عليه الجميع، ويمكن أن نتحدث عنه مطولا في مناسبات أخرى.
2.jpeg

هل تجدين صعوبات كونك طبيبة محجبة من قبل الزملاء أو المرضى؟
نعم للأسف يوجد بعض الصعوبات، ولكن من قبل عدد صغير من المرضى، لكنني لا أشعر بأي مضايقات أو تمييز من قبل زملائي أو المسؤولين عني، هم يتعاملون معي بكل احترام، والمقياس دائما هو المهنية في العمل، فهم يرون ويعرفون جيدا أنني أقوم بواجبي على أفضل ما يكون، وهذا هو معيار للعلاقة معي، ولولا تفوقي أيضا لما كنت قد حصلت على ترشيح للتخصص ضمن "باطنية اسعاف" الذي كنت أنا أيضا وراء اقتراحه.

كيف يتقبل أو لا يتقبل بعض المرضى أن يجدوا طبيبة محجبة تعتني بهم؟

في البداية وعندما يراني بعض المرضى يمكن أن تكون لديهم نظرة سلبية، أو نظرة فضول، هناك من ينسى أنه في حالة اسعاف ويعاني من الألم، ليبدأ بتوجيه أسئلة عديدة لي، تتعلق بالدين والسياسة، وهناك للأسف من يوجه هذه الأسئلة بطريقة غير لبقة أو عنيفة.
هؤلاء قلة طبعا، أنا معتادة أن أكون هادئة ولا أنفعل اطلاقا، وأقول لهم بابتسامة: دعونا الآن من السياسة والدين، ولنركز على سبب وجودكم هنا، لتلقي العلاج.
أنا اعتقد أن هناك من يعيش بمناطق لا يوجد بها العديد من الأجانب وعندما يرون طبيبة محجبة هي من ستعتني بهم، قد يستغربون ذلك، وللأسف هناك من يتأثر بما ينقله الإعلام في الفترة الأخيرة، وبما طال الإسلام أيضا من محاولات تشويه، على أيدي متطرفين في عدة مناطق في العالم، وكيف يتم استغلال ذلك.
هل يمكن أن تتخلي عن الحجاب في حال تزايدت المضايقات؟

طبعا لا، لن اتخلى عن الحجاب، لأنه لا يتعارض مع مزاولة مهنتي، ولا يتعارض مع قيم المجتمع السويدي القائمة على المساوة واحترام الآخر، كما قلت لك هذه المضايقات تأتي من قبل أشخاص لا يعرفون الكثير عن الإسلام، هم يعرفون فقط أن هناك مسلمين ينفذون عمليات إرهابية، أنا وبواسطة هذا الحجاب أريد أن أقول لهم، أنني طبيبة ومسلمة وسويدية وأن نظرتهم يجب أن تتغير، لأن الإسلام ليس كما يتصورنه من خلال وسائل الإعلام.
لذلك أنا اخترت أن لا أجلس في المنزل، بسبب هذه المضايقات العابرة، والتحدي هو أن أتفوق بعملي وأمارس هذا المهنة الإنسانية وأن أعطي صورة جميلة عن ديانتي.

هل هناك من اختار الجلوس في المنزل من الطبيبات المسلمات؟

نعم حدث ذلك، هناك بعض من اكتفى بالدراسة ولم يعمل خاصة عندما منعت السلطات الطبية السويدية الأطباء والعاملين بالمشافي ارتداء أكمام طويلة، وأصدرت قرارا بان يكون جزء من اليد ما بعد المعصم مكشوفة والسبب هو صحي بحت.
العديد من رجال الدين الذين استشرتهم، لم يجدوا ما يتعارض مع مزاولة الطبيبات المسلمات لمهنة الطب والالتزام بهذا الشرط.
في نهاية الحديث تمنت الكومبس، للطبيبة الشابة هالة قطناني التوفيق بمهمتها ومهنتها الإنسانية، وبالحصول على أول وظيفة طبية من نوعها في محافظة يافلي، وهي وظيفة طبيب باطني في مراكز الإسعاف. وفي كلمة أخيرة قالت إنها تعتبر أن الطموح والمثابرة لا حدود له، شرط أن لا يضع الإنسان لنفسه حواجز ومعيقات هي موجودة فقط في مخيلته.

حاورها د. محمود الآغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية