الاثنين، 14 أبريل 2014

المخيمات الفلسطينية في لبنان بؤرة لصراع الفصائل المتناحرة
14/04/2014 [ 04:16 ]
الإضافة بتاريخ:
المخيمات الفلسطينية في لبنان بؤرة لصراع الفصائل المتناحرة

الكرامة برس - بيروت-
 لبنان المثخن بجراح عديدة، داخلية محلية، و خارجية “مستوردة”، لم يكفه تداخل مشاكله المركبة، بل تعمقت مؤخرا باندلاع اشتباكات بين فصائل مسلحة (فلسطينية ولبنانية) في عدد من المخيمات الفلسطينية وكان آخرها في مخيمي المية ومية و عين الحلوة. اشتباكات تعبر بجلاء عن تحول لبنان منذ عقود إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية عديدة تتنازع على أرض لبنان و تستخدم المخيمات الفلسطينية ورقة لبث الفوضى فيه.
في بلد يشهد العديد من المتناقضات السياسية، تقف المخيمات الفلسطينية على مرمى حجر من المعادلة السياسية الصعبة في لبنان، فمنذ سنوات، يسعى لبنان جاهدا إلى وقف صعود الجماعات التكفيرية المتطرفة، ومنع أعضاء تنظيم القاعدة من دخول البلاد أو الموالين له تنظيميا وحركيا أو خلاياه النائمة التي وجدت لها ملجأ في بعض المخيمات الفلسطينية، حيث استثمرت بعض الأطراف اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني توتر الأوضاع في المخيمات المضطربة لتجعلها ورقة منفذة لأجنداتها الخاصة.
ويقول المراقبون إن بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان باتت الملجأ لعدد من المجموعات المتشددة ، نظرا إلى وجود فصائل متباينة طائفيا في بيئة اجتماعية معقدة غير معروف اتجاهها السياسي أو الديني، حيث تلعب على وتيرة تعدد المذاهب الدينية في لبنان وتتحصن في مناطق محظورة على الدولة اللبنانية بسبب العوامل الدولية والإقليمية التي ترفض وجودها، ومن هذه المناطق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين لا سيما مخيم عين الحلوة، حيث تملك هذه الفصائل وجود مساحة شبه مفتوحة، وخلال العقود الأربعة الماضية أصبحت أغلبية وزادت هجرتها إلى منطقة مشاعة بين المعسكر الفلسطيني وضواحي لبنان، وهذه المنطقة من الناحية الواقعية والديمغرافية لا تزال منفصلة إداريا بين البلدين، ومع بداية الثورة السورية وانشغال حزب الله اللبناني في القتال بجانب النظام السوري، لجأت العديد من الفصائل التكفيرية الفلسطينية مثل جند الشام وفتح الإسلام، وكتائب أخرى أقل أهمية إلى الإقامة في مخيم عين الحلوة.
لبنان و الأزمة السورية
وقد بدأ متشددون إسلاميون استخدام المخيمات الفلسطينية الواقعة على الحدود مع لبنان كملاذ آمن من الملاحقة الأمنية منذ عام 2007، في محاولة لإنشاء إمارة إسلامية لكنهم فشلوا في نهاية المطاف، وحتى وقت قريب، كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى السياسية تصر على عدم وجود تنظيم القاعدة في بيروت، لكن المعطيات كشفت عكس ذلك بعد اكتشاف العديد من الخلايا الجهادية النائمة، ووقوع الكثير من التفجيرات في ضواحي لبنان سببها تدخل حزب الله في سوريا وقتاله مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقواته في حربه ضد المعارضة المسلحة هناك.
وزادت الأزمة السورية، من تعقيد الوضع السياسي العام في منطقة الشرق الأوسط، ولعل لبنان البلد المجاور لسوريا هو المتأثر الأكبر، من الصراع الذي دخل عامه الرابع دون حلول سياسية ناجحة إلى الآن، حيث جاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان المليون نسمة، ونزح ما يقارب ربع مليون نازح فلسطيني من مخيمات اللجوء بسوريا، إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان.
ووجد اللبنانييون أنفسهم أمام معضلة لجوء جديدة بعدما انفجرت الأزمة السورية في العام 2011 وتطورت إلى حرب دموية دفعت بالملايين من السوريين إلى الهروب من العنف المتفلت في بلادهم إلى دول الجوار.
وكان للبنان، الذي لا يزال يعاني من آثار حروبه السابقة والوجود الفلسطيني على أرضه منذ العام 1948، الحصة الأكبر من هذا اللجوء الذي بات يشكل عبءا ثقيلا على هذا البلد الصغير.
ومع وصول أولى دفعات “اللاجئين الجدد”، الذين بدؤوا بالتدفق عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وانتشارهم بشكل عشوائي ومتداخل في معظم المناطق اللبنانية، انقسم اللبنانيون حول طريقة استيعاب أعدادهم المتزايدة ودار نقاش حاد مع رفض بعض القوى السياسية اللبنانية إنشاء مخيمات لهم، خوفا من أن تتحول إلى مخيمات لجوء دائمة مثل ما حصل سابقا مع اللاجئين الفلسطينيين.
ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع “النكبة” الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور أكثر من 65 عاما، يتواجدون في 12 مخيما منتشرة في أكثر من منطقة لبنانية، وتقدر الأمم المتحدة عددهم بحوالي 460 ألفا.
وعارضت الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة نجيب ميقاتي بشدة إقامة مخيمات للسوريين منذ اليوم الأول لنزوحهم إلى لبنان، كما عارض هذا الأمر قوى مسيحية وشيعية التي أبدت تخوفا من اختلال التوازن الديموغرافي والمذهبي الهش أصلا في لبنان جراء لجوء النازحين السوريين إليه، خاصة أن غالبيتهم من السنة كما اللاجئين الفلسطينيين.
ويبقى الخوف الأكبر من أن يتحول هذا اللجوء الكبير المؤقت إلى وجود دائم في حال طال أمد النزاع في سوريا، كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تحولوا إلى وجود مسلح، وفريق أساسي في الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من العام 1975 إلى العام 1990.
فوضى وتوتر أمني
ووسط تعقيدات مجريات الأوضاع العامة في لبنان، يسعى حزب الله إلى الصدام مع المجموعات المتشددة في المخيمات، وإشاعة جو من الفوضى مع التنظيمات الفلسطينية الأخرى في المخيمات، لتوتير الأوضاع والتغطية على عمليات تدخله العسكري في سوريا، وهذا ما حصل مؤخرا في مخيم “المية ومية”، قرب مدينة صيدا جنوب لبنان، حيث دارت اشتباكات مسلحة تسببت فيها حركة “أنصار الله” الموالية لحزب الله وإيران بقيادة المدعو “جمال سليمان” والذي يخوض صراعا مع العديد من التنظيمات المختلفة الفلسطينية للسيطرة على المخيم، في محاولة رآها المراقبون أنها تخدم حزب الله الذي يسعى إلى إحكام قبضته على المنطقة بشكل كامل، و تؤكد تورطه مع بعض الجهات الإقليمية في تغذية الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، والمجموعات المسلحة الأخرى التي تتمتع بنفوذ قوي في المخيم.
ويرى متابعون للشأن اللبناني أنه لولا قوات الجيش اللبناني، لكانت الدولة قد سقطت في أتون الفوضى العارمة التي تغذيها الحرب في سوريا. ومن غير الواضح كم من الزمن سيستمر الجيش في الاضطلاع بهذا الدور الحساس، مع تزايد صراع التنظيمات المسلحة في المخيمات ووسط مخاوف من أن يؤثر ذلك على الوجود الفلسطيني في لبنان.
وقد أشار منير المقدح قائد كتائب شهداء الأقصى إلى أهمية دور الجيش اللبناني في احتواء تصاعد التوتر في مخيم المية ومية قائلا “الجيش اللبناني يعمل بالتنسيق مع القوى الفلسطينية لإعادة الهدوء إلى المخيم”.
المخيمات الفلسطينية
تسعى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأمن والاستقرار في المخيمات الفلسطينية لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان، وتحييده عن الصراعات التي تندلع رغم المحاولات الكثيرة لجعل المخيمات الفلسطينية ورقة تخدم أهداف أطراف عديدة لها مصلحة في تعكير الأوضاع في المخيمات الفلسطينية.
وكانت الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان أطلقت في 28 مارس الماضي مبادرة من 19 بندا للتصدي للفتنة المذهبية ومنع وقوع اقتتال فلسطيني لبناني أو فلسطيني فلسطيني، وأعربت عن التزامها بسياسة الحياد الإيجابي ورفض الزج بالفلسطينيين في التجاذبات والصراعات الداخلية اللبنانية.
ونصت المبادرة على أن تتولى الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية ضبط الأوضاع الأمنية في المخيمات الفلسطينية وخصوصا في مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتبار أن أكثر من 80 ألف لاجئ يعيشون فيه.
ويضم مخيم “المية ومية” حوالي 5 آلاف لاجئ فلسطيني ويقع على أطراف مخيم “عين الحلوة”، وهو من الأماكن الهادئة ونادرا ما تحصل فيه اشتباكات مقارنة بمخيم عين الحلوة، الذي شهد استنفارا أمنيا في الفترة الأخيرة، بعد محاولة اغتيال العقيد في حركة فتح جميل زيدان، حيث اعتبر البعض أن هذه العملية تهدف إلى إضعاف الحركة في المخيم تمهيدا لسيطرة التنظيمات المتشددة عليه، ويذكر أن بعض المخيمات الفلسطينية تشهد انتشارا لتنظيمات متشددة أخرى، وسبق أن اشتبكت مع الجيش اللبناني ومع حركة فتح في مناسبات عدة، وأبرزها تنظيم “جند الشام”، المتمركز في مخيم عين الحلوة، قرب مدينة صيدا الجنوبية.
كما أن الجماعة المتشددة، صاحبة الوجود الأقوى في المخيمات الفلسطينية خارج إطار التنظيمات، المعروفة ضمن منظمة التحرير الفلسطينية أو حركتي حماس والجهاد الإسلامي، هي “عصبة الأنصار”، التي يقودها عبد الكريم السعدي، المعروف بـ”أبو محجن”، والتي خاضت معارك عنيفة في السابق ضد أبرز القوى الفلسطينية، حركة فتح، لتثبيت وجودها في مخيم عين الحلوة، وقد أعادت تلك الصراعات إلى الأذهان ما حدث في مخيم نهر البارد عام 2007، حيث أصبح هذا المخيم محور صراع بين القوات المسلحة اللبنانية وجماعة “فتح الإسلام” المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة والتي دخلت المخيم بشكل مريب وبجهل من أهل المخيم عمّا يدور بينهم، وقد أدت هذه الاشتباكات إلى نزوح سكان المخيم وتدمير المخيم بالكامل ومقتل عدد كبير من الطرفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق