التوبة, في زمن الفجور المتلألئ…
ميلاد عمر المزوغي
مع مطلع العشرية الثانية من القرن الحالي(21), اعلنت الجماهير تمردها على حكم العسكر,ذهبت رأسا الى القصور,أسقطت اصحاب النياشين والأنواط ,قتل من قتل ,هرب اخرون, ومن لم يرغب في المغادرة اودع السجن,قد يكون ذلك من حسن حظه ليكون شاهدا عن قرب على ما يحدث,لا يهم ان كان يشمت بالجمهور الذي اطاح به,او يتحسر ندما على عدم قيامه بخدمة الشعب على الوجه الاكمل.
اقامت الجماهير الافراح المتواصلة بكافة الساحات والميادين بانتصارها الباهر على أنظمة الحكم الديكتاتورية, تنفست الجموع الصعداء مؤمّلة حياة افضل من تلك,لكن الذين امتطوا ظهر الجماهير,المتمثلين في, شذاذ الافاق,المستثمرون في كافة المناحي الاقتصادية,الاسواق المجمعة (المولات), التي تحوي ما لذ وطاب من المشرب والمأكل,بما فيها حبوب الشجاعة, و(الفلاسفة )الذين لم يكونوا قادرين على الاتيان بجملة واحدة ولو لم تكن مفيدة,اصبحوا يديرون وسائل اعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية,يبثون سمومهم في مجتمع بدائي بسيط, وأصحاب العمائم واللحى والسراويل القصيرة يفتون كما يحلوا لهم .
لقد تغيرت الامور, ولكنها نحو الاسوأ,التغيير باهظ الثمن,آلاف القتلى, تشردت آلاف الاسر,انتهكت الاعراض,الالاف من البشر تعج بهم سجون الميليشيات, في البدء كان القتل للثأر,اتبعه القتل على الهوية ,ثم اصبح القتل لأجل المال,وتطورت الامور فأصبح القتل لمجرد القتل.محلات بيع الهوى في بعض البلدان كانت محدودة ومرخص لها,اليوم تكاثرت تلك المحلات,فأصبحت متاحة لمن يريد.التحرش لم يعد في اماكن مغلقة, بل صار في الطريق العام وفي وضح النهار,ترى الناس سكارى وما هم بسكارى,أ ليست هذه احدى ميزات الثورات.انه زمن الفجور المتلألئ, فكل شيء مباح.
بعد ثلاث سنوات من الحريات المطلقة,التي طاولت خصوصيات الاخرين, الامن لم يعد متوفرا, وجدت الجماهير نفسها في موقف جد صعب وخطير,اخلاق المجتمع آخذة في التفسخ, البلدان تتجه نحو التفتت, تتمنى الجماهير لو يعود حكم العسكر,انّى لها ذلك, العسكر النظامي سحق اثناء المعارك ومن تبقّى منهم يعتبر في عداد المعوقين,الحكام الجدد لم يسعوا يوما الى بناء جيش عقائدي وطني بديل ,بل وضعوا فيتو في وجه اقامته,لأنهم يعلمون جيدا انه لو قام الجيش الوطني, فسيكونون اول المضحى بهم,لذلك نرى هؤلاء المتسلطون يقومون بإنشاء ميليشيات تدين لهم بالولاء,لتكون ذراعهم الطولى عند الحاجة,اما رواتبهم وتكلفة تجهيزهم (مختلف انواع الاسلحة) فهي من خزينة المجتمع.نهب الاموال العامة, الأمور اسوأ عما كانت عليه,عمليات النهب تسير بوتيرة متسارعة, اضحى اصحاب رؤوس الاموال اضعاف ما كانوا عليه في السابق. الجماهير وبعد كل ما حصل ويحصل تجد نفسها في حاجة الى الامان الذي كانت تنعم به على مدى حكم العسكر الذي استمر لستة عقود.
الجماهير في حاجة ماسة الى ثورة مضادة لأجل استتباب الامن وحماية البلدان من التمزق وفقا للطوائف او المذاهب او القبلية المسيّسة, لقد قادت الجماهير الثورة على حكم العسكر, انها نادمة على ما يجري بالوطن وإعلان التوبة, فهل تستطيع التضحية ثانية لأجل تصحيح المسار؟.
السؤال الذي تطرحه الجماهير على مشائخها الذين اضلوها او اولئك الذين انتحوا جانبا(الزم بيتك) او ما يعرف في عالم السياسة,النأي بالنفس,قبل إعلان التوبة هو:هل التوبة في زمن الفجور المتلألئ…تقبل؟ , بالتأكيد لن يستطيع اي من المشايخ الاجابة,لأنهم جميعا ساهموا بطريقة او بأخرى في ايصال شعوبهم الى الدرك الاسفل من الحياة. التغيير ليس بالأمر السهل كما انه ليس مستحيلا.
المزيد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق