هل ثمة حكومة سرية في غزة!!!
د.عاطف أبو سيف
فجّر قيام شرطة حماس بإغلاق البنوك عنوة ومنع موظفي السلطة من استلام رواتبهم النقاش حول مستقبل المصالحة ومقدرة الاتفاق الإجرائي الذي وقع في مخيم الشاطئ على الصمود.
لكن الأهم من كل ذلك أن مثل هذا التصرف الذي لا يعكس رغبة ولا نية لتجسيد مصالحة حقيقية سلط الضوء أكثر على فهم حماس للمصالحة، وربما غمز من قناة نواياها من وراء هذه المصالحة.
بالطبع فإن من حق الجميع أن يتمتع بنعم هذه المصالحة وفوائدها التي يقع الأمان الوظيفي في أولها، وهو يجب أن يكفل للجميع حيث إن المصالحة الشاملة تعني أن يتمتع الكل بغض النظر عن موقعه من الخط الفاصل للانقسام بنعمة المصالحة، ولا يكون ضحيتها.
وإقراراً بهذا فحتى يحدث ذلك وإذا كان حقاً هناك طرفان أساسان في الصراع الداخلي تفاوضا على الوفاق الوطني وعلى مخرجاته المتمثلة في الحكومة، فإنه أيضاً وبنفس القدر من المسؤولية فإن الطرفين يتقاسمان مهام جعل هذه المصالحة تنجح، وربما يتكفلان بدفع فاتورة المصالحة.
لقد تمتعت حماس لسنوات ثمانٍ بغنائم الانقسام، وظهرت على قشرة الاقتصاد المحلي طبقة جديدة من الأثرياء الجدد الذين ارتبطوا بالفعل بالمجموعة الحاكمة وتمتعوا معها بعلاقات حميمة، تداخلت فيها المهام وتوزعت الأدوار دون منطق ولا عقل وبعيداً عن الحركة السليمة لرأس المال.
بل إن الثروة التي كان الجميع يعاني من غيابها، استأثرت بها مجموعة من أمراء الانقسام الذين قلنا على صفحات "الأيام" أكثر من مرة إنهم من سيعملون على تخريب المصالحة، وسينجحون في وضع ألف عقبة في طريق
تجسيدها.
وها هم يفعلون. وخلاصة القول في هذا الجانب إنه بالقدر الذي تمتعت حماس سواء كحركة أو كمسؤولين بنعمة الانقسام وبغنائم كثيرة عادت عليها سواء من الأنفاق أو من الضرائب أو من أشكال الجباية المختلفة (هل تتذكرون كيف كان يتم ابتداع ألف طريقة من أجل جباية أنواع مختلفة من الضرائب لم يعتدها المواطن من قبل)، تقع عليها مسؤولية مشتركة من أجل تأمين المال اللازم للحكومة حتى تستطيع أن تعيش.
لم يكن اتفاق الشاطئ ولا حكومة الوفاق بالضربة السحرية التي ستنهي الانقسام، بل هما الخطوتان الصغيرتان اللتان قد لا يستطيع الطفل السير بعدهما إذا لم يحط بالعناية الكاملة وبالرعاية السياسية والمالية والشعبية. وإن المؤكد أن ترك الطفل يسير وحده في أول خطوه هو وصفة سحرية لتركه لمصير مجهول سيتعثر فيه ويقع عند أول عقبة.
وحكومة الوفاق إذا ما تركت هكذا وصارت حماس تنظر إليها بوصفها طرفا بعيدا عنها وكأنها حكومة غريبة، وكأنها لم تقاتل باستماتة في تشكيلها، فإن المقدر لهذه الحكومة أن تصبح طرفاً في الانقسام وليست علامة من علامات عهد المصالحة.
وأظن - وأرجو أن أكون مخطئا - أن ثمة طرفا في حماس يريد أن يحول حكومة الوفاق لطرف للهجوم عليه، وبالتالي تتنصل حماس من أي التزامات تجاه الحكومة كما تعمل على محاربة سياساتها.
شيء مؤكد يظل العلامة البارزة في ذلك هو الأمن، وهو مستويان، يتعلق الأول بولاية الشرطة والأمن الوطني الذين ورثتهما حكومة الوفاق من حكومة حماس.
هل أسمع من يقول إن حكومة الوفاق لم ترثهما بعد!! نعم من قال ذلك محقاً فأحد أهم معضلات المصالحة أن الحكومة الجديدة لا تحكم فعلياً في غزة. ثمة حكومة أخرى تقود زمام الأمر على أرض الواقع، حكومة لا تعلن نفسها حكومة لكنها في حقيقة الأمر تقوم بمهام الحكومة.
هذا خطأ فادح وقع فيه اتفاق المصالحة، أو ربما لم يكن خطأ بل كان مقصوداً، فالشرطة التي خرجت لتعترض الموظفين لم تتصرف بدافع شخصي ولا هي آلة تحركت من تلقاء نفسها.
عموما هذا حديث طويل أظن أنه يدور في خلد الجميع سواء في الشارع أو في المكون السياسي.
ويتعلق الأمر الآخر بعلاقة السلطة ككل بحكومتها العلنية وحكومتها المخفية في غزة بالسلاح بشكل عام.
فالعلاقة بين السلطة والفصائل لم تتمأسس يوماً بشكل واضح منذ نشوء السلطة قبل عشرين عاماً، حيث ظلت الفصائل تعمل بعيداً عن مؤسسات السلطة.
وكان ثمة وصفة سحرية ربما غير متفق عليها ولكنها تسير على "البركة" تجعل من سلاح الفصائل سلاحاً للكفاح ضد الجيش الإسرائيلي، مع أن قوات الأمن الوطني بأذرعها المختلفة ربما قدمت أكثر المعارك شراسة في الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي وكان ضباط السلطة هم قادة الكثير من المجموعات العسكرية - وهذا أمر مختلف.
لكن يبدو أن ذات الوصفة السحرية التي لم تنجح كثيراً في بعض المواقف حيث إن بعض الفصائل استغلت سلاحها في مرات من أجل تقويض السلطة.
فمثلاً كان إطلاق الصواريخ في مرات عملاً مقدساً من قبل حماس وحين صارت حماس في الحكم كانت تتم ملاحقة مطلقي الصواريخ في بعض المرات بحجة أن التهدئة ضرورة دينية ووطنية.
وأنا لا أختلف حول ذلك، ولكن حتى توضع الأمور في نصابها، تجاهل اتفاق المصالحة هذه العلاقة الشائكة وأظن أنها ستظهر على السطح مع أول "نكشة" إسرائيلية لغزة.
إذا كان ذهاب حماس للمصالحة من باب انحناءة السنابل في وجه الريح فإن زمن المصالحة أقصر من طول القلم الذي تم التوقيع فيه على اتفاق المصالحة، أما إذا كان ثمة نية حقيقية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فأظن من وقع يعرف ما وقع عليه، ويجب ألا يتم التعامل بلغتين لغة للشارع الحزبي ولغة في صالونات النقاش.
هذه أزمة تكشف الكثير وتحذر من الكثير، وسيظل مستقبل المصالحة في مهب الريح حتى لو سمحت شرطة حماس للناس باستلام رواتبهم، إذ إن ثمة إدارة خفية لغزة ما زالت تتحكم بالقطاع، لم تنهها المصالحة ولا الاتفاق.
___
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق