الأحد، 26 أكتوبر 2014

سمو النعجة وعصر التنوير العربي
يقال عنا، وبعض القول نحير في الرد عليه، إن العرب لا يحبون النظر إلى أنفسهم في المرآة، لأنهم لو فعلوا ذلك لأصيبوا بالصدمة، إذ سيرون وجوههم على غير ما يظنونها، وعلى غير ما يزينها لهم خيالهم الواسع، فنقول نعم هذا ينطبق على حكامنا فقط. ويقال عنا أيضا إننا نغلف كل شيء قبيح بأغلفة من الكلمات والتعابير الرنانة والطنانة التي تجعل آذان الذين لم يألفوها تشعر بالخدش. مثلا، حين يرد اسم رئيس أو حاكم في الغرب في نشرات الأخبار المرئية، والمسموعة، والمقروءة، فإنها ترد مجردة من الألقاب، بل حتى من كلمة "السيد"، بينما الحاكم العربي لا يرد إسمه إلا مسبوقا بسلسلة من الألقاب وتلحقه الأدعية والصلوات. إنه شيء مقيت. نقول، نعم هكذا هم حكام العرب.
 ما عسانا نقول؟ هذا واقع الحال، ولكن، إذا أردنا نحن أن نتكلم في هذا الأمر فإننا لن نقف عند حد الألقاب التي تسبق الإسم، ولا الأدعية التي تليه، بل سننظر في الوسط، في الإسم نفسه. هناك مثلا بعير أجرب يظن نفسه أميرا. هذه هي المصيبة! وحين نعرف هذا لا نبالي بأية ألقاب وأدعية يلف نفسه، بل نهتم بحقيقة أن هناك بعيرا يتسمى بأمير. وهناك أيضا تيس يحلو له أن يسمى بـ "خادم الحرمين"، ونحن ما عسانا نقول؟ لا نقول غير إننا نعتقد أن أبا الطيب المتنبي لو عاد اليوم لكان كتب قصيدة إعتذار إلى كافور الأخشيدي لأن "خادم الحرمين" هذا وحاشيته أجدر من كافور بأن يقال فيهم:
ما يقبضُ الموتُ نفسا من نفوسهِمُ ... إلا وفي كفّهِ من نَتْنِها عودُ
 هذه هي مصيبتنا حكام خراف، وبعران يحسبون أنفسهم مخلوقات لها صفات ما أنزل بها الله من سلطان. إننا نعيش في عصر الظلمات والملوك والأمراء التيوس، والشيوخ المتخلفين عقليا.
 ولكن، من حقنا الآن أن نتفاءل، فقد تكون هذه المرحلة الكئيبة في التاريخ العربي على وشك الغروب، ويكون عصر التنوير قد حلّ أخيرا في ربوعنا. رغبة التفاؤل هذه أطلقها فينا سمو النعجة حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها في الوقت نفسه، حين أعلن على الملأ، وبصراحة متناهية اكتشافه حقيقة كونه نعجة، لا غير. ولا شك في أنه، وهو يشغل هذه المناصب في قطر، وفي الوقت نفسه ابن عم لشيخ قطر، قال ذلك أصالة عن نفسه، ونيابة عن ابن عمه سمو النعجة حمد بن خليفة. هذا نصر مبين للحق على الباطل فيما يزعمون. ها هي الحقائق التي يطلقها من عقالها عادة عصر التنوير صارت تتكشف لنا، بل يكشفها لنا الشيوخ النعاج من حيث لا يعلمون.
 لا ينبغي لنا أن نأخذ هذا الإعتراف التاريخي لسمو النعجة القطري إلا على محمل الجد، ونقدر له هذه الجرأة التي أدخلتنا فجأة في عصر التنوير، فهذه هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها حاكم عربي بهذا الوزن على النظر إلى نفسه في المرآة، ثم يخرج على الملأ ويصف ما رأى. شكرا لسمو النعجة رئيس وزراء قطر.
 على أن هذا الكشف ربما لا يحمل لنا فقط بشائر خير في أننا دخلنا عصر التنوير، فقد تكون له تداعيات خطيرة على مستقبلنا، وحاضرنا، بل وعلى ماضينا، وعلى أجيالنا القادمة، وكيفية صياغة هويتهم، وكذلك على أمننا العربي. دعونا ننظر فيها أولا.
 نحن لا نعرف كيف سينظر أحفادنا إلى واقع أن عصر التنوير العربي بدأ بإقرار أحد الحكام بأنه نعجة، أي أن العرب نزلوا إلى هذا الدرك فصارت النعاج تحكمهم وهم غافلون، بينما عصر التنوير في أوروبا جلبه علماء، وفلاسفة! سيستحي أحفادنا، بلا شك، من ذكر إسم  النعجة العربية الأصيلة إزاء أسماء أولئك العلماء والفلاسفة. لكن أجيالنا القادمة ستكتب العشرات، بل المئات من الأبحاث، والدراسات، والروايات، والقصائد عن النعجة ومكانتها في التاريخ العربي المعاصر. نكاد نرى عناوين بعض الروايات، مثلا "مزرعة النعاج"، وأخرى "البرسيم والنهضة العربية"، وأخرى "الصحراء والنعاج وحقول البرسيم"، و "من مشيخة إلى حقل برسيم"، إلخ. ثم إن كل فروع العلوم في العالم العربي ستتأثر بشكل أو بآخر بمفهوم "النعجة"، وقد يظهر بعد قرن من الآن فيروس يطلق عليه الأطباء "فيروس النعجة العربية" الذي يسبب "جنون النعاج"، وقد يطلق علماء النفس العرب على مرض نفسي خطير يكتشفونه بعد سنوات من الآن اسم "عقدة النعجة العربية" على غرار عقدة أوديب. لا نعرف بالتحديد، لكن يمكننا التكهن، وحسب.
 إن تفضل سمو النعجة حمد بن جاسم بالكشف عن هويته، وهوية ابن عمه قد يغيّر ماضينا أيضا، فلو عاد قطري بن الفجاءة إلى الحياة، وشهد عصر التنوير الذي أطلقه مواطنه، سمو النعجة حمد بن جاسم، فإنه كان سيغيّر قافية رائعته إلى الجيم بدلا من العين، فينشد عن الحمدين شعرا من قبيل:
أقول له وقد أمسى "أميراً"
تخلفُ عقلكَ دائمٌ، وبلا علاج
وإنك لو لهمتَ ثرى دمشق
لعادت فوق رأسك مثل تاج

 فصمتا أيها المعتوه صمتا
وإلا ينتفون ريشك كالدجاج
وما للكبش خير في قرونٍ
إذا ما صار من صنف النعاج

ولو أخذنا البعد الزمني الثالث، إلى جانب المستقبل والماضي، فإننا سنرى أن كشف سمو النعجة عن هويته له تداعيات في الحاضر أيضا، ففي ليبيا سيصاب الناس بالصدمة، فقد كانوا يظنون أن حمد بن جاسم ضبع، فقد قال عن ضحايا الحرب على شعب ليبيا إنهم لم يكونوا مئة وثلاثين ألفا، وإنما فقط ثمانين ألفا. وهذا كلام لا يصدر إلا عن ضبع، لكن ها هو يكشف أنه مجرد نعجة، نعجة تقمصت دور الضبع. سيقولون "ولله في خلقه شؤون".
 أما على مستوى العالم، فإن الأوروبيين، بمجرد أن تترجم عبارات سمو النعجة إلى لغاتهم، سيصابون بالهلع، فقديما قال فيلسوفهم "إعرف نفسك .. إعرف نفسك"، وكان الأوروبيون لا يحسبون للعرب حسابا لأن حكامهم لم يكونوا يعرفون أنفسهم. وها هو ناقوس الخطر يقرع منذرا بدخول العرب في عصر التنوير بعبارة من أحد حكامهم كشف فيها الحقيقة الأخطر، ألا وهي أن الأوروبيين نصبوا نعاجا لحكم العرب. إن الخطر يكمن في أن العرب ستتكشف لهم، بعد هذه الحقيقة، كل الحقائق التي يحتاجون إلى انكشافها، الواحدة تلو الأخرى. وليس هناك أخطر من عدو يعرف الحقيقة، بأن بين حكامه نعاج بإعترافهم بعظمة ألسنتهم!!
 أما حكام العرب، فهم الآن في حالة خشوع، وخنوع، وركوع، فقد ظهر بينهم من يرحمه الله دونهم هم، فهم يعرفون ذلك القول الحكيم، إذ سمعوه منذ طفولتهم "رحم الله إمرءً عرف قدر نفسه". ها هو أخيرا حاكم عربي يعرف قدر نفسه، ويبوح بذلك دون أن يخاف لومة لائم.
 أما شيوخ الإسلام، وفي مقدمتهم النعجة العجوز يوسف القرضاوي، فقد هرعوا إلى كتبهم ليروا ما إذا كان أحد من السلف الصالح قد بشّر بظهور حاكم نعجة كعلامة من علامات يوم القيامة حتى يسارعوا إلى إضفاء القدسية اللازمة عليه باعتباره نعجة آخر الزمان.
 أما الأمريكان فحين يسمعون بذلك سيهزون رؤوسهم استنكارا لتصرفات سمو النعجة، ويقول قائلهم "قلنا له ألف مرة أن لا يحرجنا أمام الناس، لكن ها هو خرج متباهيا، ومزهوا، وكأنه يزف بشرى إلى حلفائنا!"
 أما الصينيون فأغلب الظن أنهم حين يعرفون بوقوع هذه المعجزة، فإنهم سيبحثون عن مؤلفات سمو النعجة حمد بن جاسم ليمنعوا ترجمتها إلى اللغات الصينية مخافة أن يبدأ سموه بمنافسة كونفوشيوس، وتغيير مفاهيم الصينيين عن التنين، وخلطها بمفاهيم عن النعجة العربية.
 حتى الهنود والروس، وقبائل الأسكيمو، وغيرهم، سيكون لهم كلهم رأي، وسيبدون قلقا حول الموضوع، وقد يخرج علينا أحد الباحثين في حضارة المايا، ويربط بين توقيت الكشف العبقري لسمو النعجة حمد بن جاسم عن هويته وبين كون تقويم المايا ينتهي في نهاية عام 2012، فربما كان المايا قد تنبأوا بهذا الكشف، واعتبروه نهاية التاريخ.
 على أن عصر التنوير يبدأ عندنا نحن بشكل ملموس، فالظلمات تنقشع، وتبدأ الحقائق بالهطول كالمطر، وصار جليا لنا الآن قبل كل شيء لماذا أخترعت قناة الجزيرة إسم "الربيع العربي" لهذه الأحداث التي بدأت في عالمنا العربي قبل سنتين، وأصرت هي وأخواتها على تمرير هذه التسمية، ونشرها حتى في لغات العالم الأخرى.
 الربيع العربي انكشف سرّه، فهناك، بلا شك، علاقة جدلية بين النعجة وبين الربيع، حتى إذا لم يكن عند النعجة إدراك لتعاقب الفصول. علماء النفس المختصون بالحيوان يخبروننا أن الحيوانات، تماما مثل البشر، تحلم، لكنها لا ترى في أحلامها غير ما تقتات عليه، فالكواسر تحلم بالطرائد، والقط يحلم بالفأر، والنعجة، خاصة إذا كانت قادمة من صحراء قطر، لا تحلم إلا بالبرسيم. بل ويقولون إن الحيوانات تكون لها حتى أحلام يقظة أيضا.
 هكذا إذن، فسمو النعجة حمد بن جاسم ينام ويصحو وهو يحلم بالبرسيم. ولهذا أعجبه إسم الربيع، إذ هو يعرف بالغريزة أنه موسم البرسيم، وسماه له الفيلسوف عزمي بشارة بـ "الربيع العربي" حتى يفتح شهيته لصرف الدولارات على جعله ربيعا لائقا بنعجة بهذه المكانة. لِمَ لا، فقد منّ الله على قطر بالنفط والغاز، فأين يذهب سمو النعجتين حمد وحمد بالمليارات التي يكسبانها من بيع خيرات قطر؟ وما هو الخطأ في أن يستثمراها في حقول للبرسيم تمتد من المحيط الأطلسي في الغرب حتى بحر عمان في الشرق أسوة بأولئك الذين يستثمرون أموالهم في شراء القصور وأنواع المتع واللذائذ؟ البعض يحب القصور والمتع، والبعض الآخر يحب البرسيم، "فهنيئا لكما، كل إمرءٍ يأكل زاده"، كما قال الشاعر العربي قديما.
 ولهذا أيضا نرى سمو النعجة، حين يكون جالسا إلى جانب نبيل العربي في اجتماعات الجامعة العربية، يسرح أحيانا، فيظن المرء أن سموه يفكّر، والحقيقة بانت الآن، فسموه لا يفكر فهو نعجة، وإنما يحلم، ويحلم، ويحلم بحقول البرسيم الأخضر الذي يعلو ارتفاعه على قامة الإنسان، ويتخيل كيف سيرعى فيها هو، وعشيرته، وذريته من النعاج. إن سموه يشعر، بلا شك، بالفخر والسعادة وهو يتخيل حقول البرسيم التي اشتراها هو وسمو النعجة ابن عمه على امتداد الأرض العربية.
 إنه عصر التنوير العربي قد بدأ بكل تداعياته وإسقاطانه، وخيراته الواعدة. وهناك من يبدي قلقا، وهناك من يعبّر عن فرحه، ومن هو متلهف لمعرفة الكشف التالي لسمو النعجة، ولكن هناك جماعة واحدة لا بد أنها تشعر بالخيبة والمرارة بعد هذا الكشف المبين، فهؤلاء الجماعة يحلمون أيضا، ولكن ليس بما يحلم به سمو النعجة حمد بن جاسم، وسمو النعجة حمد بن خليفة. إنهم يحلمون بجنّات فيها تين، وزيتون، ونخل، وأعناب، ورمان، وأنهار من لبن وعسل، وفيها الحور العين. تُرى كيف يشعرون الآن وهم يرون أن الربيع الذي يعملون من أجله تحت راية سمو النعجة حمد بن جاسم وسمو ابن عمه النعجة المتخلفة عقليا حمد بن خليفة ليس إلا مشروعا لإنشاء حقول ليس فيها غير البرسيم، والبرسيم، والبرسيم، ولا شيء غير البرسيم؟
 نحن نأسى عليهم، لكن لا نملك إلا أن نقول لهم، بلا تشفٍ "ادخلوها بسلام .. وكُلوا من حيثما شئتم". صحتين وهَنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق