الاثنين، 2 فبراير 2015

إلى عرب النكبة عزة الثورة
يقطع صوت الراديو صمت المكان الذي بدا وكأنه بعضاً من مدينة قديمة ومهجورة عبثت فيها الريح والغبار وتآكلت أجزاءً كبيرة منها بفعل الاهمال وعوامل الطبيعة العاتية ,فقد بات مشهد البشر , كرحالة اعياهم التعب بعد ان تقطعت بهم السبل وتعذر متابعة المسير باي اتجاه ,لايعرفون كم سيمكثون بها وكيف سيتدبرون امرهم وقد نفذ منهم كل شيء .. تنبعث من نافذة برهوم المنخفضة والتي تكاد تلامس الارض بعض الأغاني الوطنية وأصوات موسيقى عسكرية صاخبة ، نشرات الاخبار ويليها تعليقا سياسيا كما كان معتمدا آنذاك . صوتاً جهوريا وقويًّا للمذيع يشعرك للوهلة الاولى ان ثمة حدثاً جلل يوشك أن يحدث ومدوياً أيضاً 
 في أحيان عدة تزداد نبرة صوته حدةً وصراخآ فتخال ان الجبال سوف تسير في كل اتجاه وتكون نهاية هذا العالم الرمادي وقد تكون السبب الأساس في إغلاق هذه النافذة الوحيدة التي تشكلت من بعض سنين خلت لتكون الوحيدة التي تنبأ بما يحدث في العالم الخارجي او خلف حدود المخيم ، فما اصابت في أخبارها الا فيما تعلق بالهزائم والانكسارات وان كانت تلك الاخبار تصاغ بطريقة الانتصار. قبالة النافذة جدار من الطين متهالك متوسط الارتفاع أسند ثلاثةً من الرجال ظهورهم له ومدوا أرجلهم فوق التراب بعبثية جميعهم ارتدوا ثياباً عسكريةً باليةً وبساطيراً بلا أربطة يخال إليك في النظرة الأولى اليهم كما لو أنهم ضباطاً قد خرجوا لتوهم من معركة مهزومين ومحبطين بكل شئ
على يمين الأول امرأة أربعينية تخبز على صاج أسود أسندته على ثلاثة حجارة على يمينها بعضآ من القش والحطب وضعت إبريق شاي على طرف النار وتسكب في كأس معدني بعضاً من الشاي وتقدمه للرجل الذي يجلس بجانبها مباشرة وقد تجاوز الستين من العمر ذَا لحية بيضاء ورموش كثةً أيضاً لا تسعفه فصاحته وطلاقة لسانه من الاحباط والانكسار الذي يلفه من أعلى هامته الى أسفل حذائه
ينفث العجوز ابو حسن تبغاً رديئاً ينبعث من غليونه ويرشف بعضاً من الشاي ثم يضعه أمامه على التراب ، بينما ينتظر الآخرين دوراً يبدو أنه لن يأتِ أبداً فلا يدرك العجوز أنه لايوجد الا كأسا واحداً كان عليهم أن يتبادلوا عليه الأدوار ، فكلما فرغت الكأس تملأها المرأة من جديد وهي تحدق بالعجوز عله يمر بالكأس للرجل الذي يليه ٠٠٠لا يكترث العجوز ولا بنظر الى المرأة إطلاقاً ويتابع حديثه بينما ينظر الآخرين اليه شذراً فلا يقولون شيئاً ويتابعون الإستماع اليه على أمل أن يتنبه العجوز ويمرر كأس الشاي لأحدهم . صوت صبي يافع وسمين مال وجهه الى سمرة غامقة وخلا وجهه من الشعر تبدو عليه علامات التعب يحمل سلةً بيد واُخرى باليد الثانية ملأت بحبات الباذنجان العجمي ....... ينادي بصوت متعب بيتنجان ......يصمت برهة ويكمل ..... عجمي ......يضحك بفرح طفولي ربما وجد ضالته في بيع إحداهن على أقل تقدير .....نار مشتعلة ........رائحة خبز .......ثلاثة رجال وامرأة لم يناديه أحداً منهم الا أنه تعمد الوقوف قبالة الرجل العجوز قائلاً : بيتنجان ........ و عجمي ..... والنار جاهزة .... البيتنجان زاكي شو رأيكم ؟؟؟؟!!! يصمت العجوز ويحدق بِالصَّبِي ملياً بكم الواحدة ؟ يرد الصبي فقط فرنك واحد . تمسك المرأة احدى حبات البيتنجان وتضعها في النار بينما يستمر الجدل بين الصبي والعجوز ويصر العجوز ان يدفع نصف فرنك فقط ولم يكن قد انتبه بعد الى ان احدى حبات الباذنجان اوشكت ان تنضج بينما تستمر المرأة بالعبث بجمر النار وعيناها تغرقنا بالدموع من شدة الضحك وهي لاتردي كيف ستنتهي حكاية الباذنجانة . يقول العجوز للصبي : مش لازمنا باذنجان ......الله يهون عليك . يصرخ الصبي ....... الباذنجانة صارت عالنار شو أسوي فيها يرد العجوز خذها خلي امك تطعميك منها وفجأة ينتبه العجوز أن الباذنجانة صارت عالنار فلربما تنبه من رائحتها فيمد يده الى قلب النار ويسحبها ليضعها في سلة الصبي .تعود المرأة لتاخذ الباذنجانة وتفتحها نصفين وتلقي بها في وسط النار وهي تكتم ضحكاتها عبثاً قاطعة على العجوز أدنى فرصة لأعادة الباذنجانة الى سلة الصبي ، أدرك العجوز انه لا مفر من الدفع لكنه أصر على نصف فرنك أو يسترد الصبي باذنجانتة مشوية 
 تقول المرأة (ويكاد يغشى عليها من الضحك .....خلص مشي الحال عمي ... كلها نصف فرنك .... شو صار ؟؟؟؟!!!! ) يرد العجوز .....(مو بدك يلي يجيب نص فرنك بهذا الزمن) تصدع الموسيقة العسكرية من نافذة برهوم مرة أخرى ويعود صوت المذيع ليهدر من جديد ... «إلى عرب النكبة عزة الثورة، إلى الزاحفين غداً على بطاح الجليل وصحراء النقب، إلى رافعي العلم العربي في سماء يافا وقمة الكرمل، إليكم صوت فلسطين ». تصرخ المرأة بذهول عرب النكبة .... غزة الثورة زاحفين ....النقب وحيفا وعلم عربي !!!!! يرمقها العجوز بمرارة لا حدود لها وقد أصابه غيظ لا يوصف ويصرخ ( كذاب هذا كذاب بده صرماية بصدره ) يتنفس العجوز بصعوبة وبات صدره يعلو ويهبط .......يصرخ من جديد غدآ .....غدآ يا ابن الكلب سنزحف الى مركز توزيع الطحين غدآ سنؤدي التحية تحت علم الأنروا ....يسود الصمت لدقائق ......تمرر المرأة سندويشة الباذنجان المشوي الى العجوز....تضعها في يده ولا تنبس ببنت شفة .....ينظر العجوز حوله ويمرر السندويشة للذي يليه ويتكرر المشهد لكن العجوز ينهض حاملا السندويشة خاصته ويمضي بعض خطوات مغادرآ المكان واضعا سندويشته بيد صبي بباب احد البيوت ويتابع سيره حتى تلاشى في أزقة المخيم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق